باريس ــ بسّام الطيارة
انطلقت من باريس امس مساعي تشكيل القوات الدولية المتوقع ارسالها الى لبنان لدعم قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل» الموجودة في الجنوب، في وقت تشهد فيه تلك المساعي خلافات على الدولة التي ستتسلم «المركز القيادي المساعد» إلى جانب القيادة الفرنسية، والتي يرجح ان تكون تركيا او إندونيسا او إيطاليا.
وأجرى الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس سلسلة اتصالات هاتفية تصبّ مباشرة في مسألة تشكيل القوات الدولية التي ستدعم «اليونيفيل». فقد اتصل شيراك بالرئيس الإندونيسي سوسيلو بانبانغ يودويونو، بعد ساعات من اتصال مشابه أجراه برئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي.
ورشحت أنباء عن استعداد إيطاليا لتقديم ما بين ألفين وثلاثة آلاف جندي بينما تتحدث إندونيسيا عن المشاركة بخمسة آلاف جندي. غير أن إيطاليا ربطت مشاركتها بالحصول على «مركز قيادي مساعد» إلى جانب القيادة الفرنسية «المتفق عليها مع واشنطن»، حسبما صرح برودي.
وتُفضّل فرنسا، التي يتوقع ان تساهم بحوالى خمسة آلاف جندي يوجد نصفهم على بوارج مقابل الشواطئ اللبنانية، أن تكون إندونيسيا في مركز القيادة المساعد على أساس «أنها أكبر دولة إسلامية في العالم»، بحسب تعبير أحد الديبلوماسيين. وهذا ما يفسر المحادثات الثلاثية بين شيراك وزعيمي الدولتين في محاولة لسحب «الشرط الإيطالي» ودفع روما إلى القبول والتنازل لجاكرتا عن هذا الدور بسرعة قبل أن تدخل واشنطن على الخط الثلاثي، ذلك أن لهذه الأخيرة «دولتها المفضلة لمساعدة فرنسا على الأرض»، وهي تركيا التي تحوز تفضيل إسرائيل.
وإذا أصرّت واشنطن على دور لتركيا، فإن باريس تعارض أن يكون دوراً قيادياً بارزاً. وترتكز معارضة فرنسا، وبعض الدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا، للمساهمة التركية في القوات الأممية على أسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالنزاع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بسبب قبرص، وهو ما يعوق البدء بمفاوضات انتساب أنقرة للاتحاد.
ومن الأسباب الأخرى التي تقدمها فرنسا، بحسب بعض المتابعين للمفاوضات الجارية، معارضة قسم من اللبنانيين لقوات تركية بسبب «الحساسية التاريخية لأي دور تركي في لبنان»، بالإضافة إلى تخوف من «استفزاز بعض القوى الإقليمية التي يمكن أن تتخوف من الوقوع بين فكي كماشة»، نظراً للتحالف العسكري التركي ــ الإسرائيلي المعلن والمعروف حسب ما أُبلغ به شيراك من بعض المصادر اللبنانية.
ودخلت إندونيسيا على خط المشاركة في القوات الدولية بعدما استبعدت الولايات المتحدة القبول بقوات ماليزية برغم أن كوالالمبور تطوعت منذ البداية للمساهمة، غير أن واشنطن ترى، بحسب تعبير أحد المراقبين، أن «الطرف الماليزي غير منضبط ولا يمكن التكهن بردّات فعله» بعكس إندونيسيا التي تخوض على أرضها «حرباً على الإرهاب الإسلامي». ولكن، حسب تقدير البعض، يمكن أن تشارك ماليزيا بعدد «محدود جداً من الجنود» في مهمات لوجستية.
وتظل مشاركة الدول «ذات الانتماء الأطلسي» محور مفاوضات حثيثة بين مختلف الفرقاء، خصوصاً إذا استبعدت تركيا. وتقول مصادر مطلعة إن فرنسا لا تعارض مشاركة دول أطلسية ولكن لها بعض الملاحظات، في مقدمها عدم التشديد على «أطلسية» الدول الراغبة بالمساهمة، وتفضّل باريس الابتعاد قدر الإمكان عن الدول التي «سارعت إلى المشاركة في الحرب العراقية».
وإذا ما أُخذت بالحساب الملاحظات الفرنسية، فمن المتوقع أن تنحصر المشاركة الأطلسية بـ«دول شيوعية سابقة» منها سلوفاكيا وهنغاريا بالتحديد.
ولا تستطيع باريس تفسير «الفيتو الموضوع من تل أبيب على مشاركة اسبانيا»، وإن كان البعض يقول إن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت لم ينس أن إسبانيا كانت «أول من ندّد بردة الفعل الإسرائيلية المفرطة ورأت فيها عدواناً غير مبرر».
أما بالنسبة للمساهمة العربية، فإن الموافقة الإسرائيلية «الضرورية» لا تحظى بها إلا القوات الأردنية، علماً أنه «من الصعب أن يقبل بها بعض اللبنانيين»، حسبما أفاد بعض المصادر.
من ناحية أخرى، يقول ديبلوماسي تابع المفاوضات عن كثب، إن البند الوارد في القرار الدولي الرقم 1701 «المتعلق بالقوات الدولية، سواء لجهة حجمها أو آلية عملها أو ولايتها» كان نقطة خلاف حاد بين الفرنسيين والأميركيين. ففرنسا تريد «قوة تستطيع الدفاع عن نفسها ومساعدة الجيش اللبناني على تأمين عودة اللاجئين بسرعة قبل فصل الشتاء» بينما تريد الولايات المتحدة قوة «تنظف المنطقة من فلول حزب الله بمساعدة الجيش اللبناني».
ويرى المراقبون ان الحكومة الفرنسية تودّ الانتهاء بسرعة من تشكيل القوات الدولية للالتفات إلى مسألة إعادة إعمار لبنان والعمل على «مؤتمر دول مانحة»، خصوصاً أن المنافسة المعلنة ستكون شديدة في هذا المجال، فوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بدأت الحديث عن «استعداد الولايات المتحدة للدعوة» إلى مؤتمر كهذا، وكذلك إيطاليا التي ترى أن خطوتها الأولى في الدعوة إلى مؤتمر روما في ٢٦ تموز الماضي تؤهّلها لقيادة مؤتمر المانحين.