قدم الرئيس السوري بشار الأسد امس مراجعة شاملة لعملية السلام في الشرق الأوسط، وخيار السلام «الاستراتيجي العربي»، مشيراً إلى أن العرب أسقطوا باقي الخيارات وهمّشوا الدول التي تقف إلى جانبهم، وهو ما أدى إلى فشل «عملية السلام». وشن حملة على «الحكماء والعقلاء العرب»، واصفاً المواقف بأنها صادرة عن «أنصاف رجال».

اكد الأسد، خلال افتتاح المؤتمر العام الرابع لاتحاد الصحافيين في دمشق، «أن هذا الشرق الاوسط الجديد بالمعنى الذى نفهمه وبالشكل الذى نريده». وأضاف إنه «جديد بإنجازات المقاومة وبفرز القوى الواضح للعيان وبافتضاح الاعيبه ومؤامراتهوتابع: «هذا الشرق الأوسط الجديد الذى بشرت به سوريا مراراً وتكراراً على أنه الأمل الوحيد للعرب لكي يكون لهم مكان على هذه الارض بالمعنى السياسي وبالمعنى المادي».
وأشار الرئيس السوري إلى أن «شرق أوسطهم المنشود المبني على الخنوع والمذلة وحرمان الشعوب من حقوقها وهويتها قد أصبح وهماً، وانقلب الى نهضة شعبية عارمة ترفض ما قدم لها من أعذار وحجج تبرر بقاءنا أذلاء خانعين ونقدم أضاحي إرضاء للآلهة واتقاء لغضبها».

واضاف: «تقديم الأضحية في العصور الغابرة كان يعتبر حكمة، وبعض حكمائنا العرب ما زال يتبع هذه الحكمة اليوم».
وأشار الأسد إلى انه «لكي توجد الحكمة لا بد من وجود الشجاعة معها، أما عندما يوجد الخوف فلا مكان إلا للحكمة الزائفة التى تدفع بصاحبها للهزيمة والمذلة»، واضاف: «في عالمنا العربي يتحقق النصر تحت عنوان مزيف آخر هو المغامرة أو التهور».
عملية السلام
وتساءل الرئيس السوري: «ماذا حقق لنا الانقياد اللاحكيم واللاعقلاني والمتهور خلف بعض حكمائنا الافتراضيين وعقلائنا الشكليين خلال عقود مضت؟». ورأى ان العرب «فشلوا فى عملية السلام عندما لم يفهموا معنى الخيار الاستراتيجي فى السلام ولم يفرقوا بين الخيار الاستراتيجى والخيار الوحيد»، مشيراً إلى أن «العرب تبنوا خيار السلام الوحيد والغوا كل الخيارات الاخرى، ومن ثم استبدلوا مضمون السلام الوحيد بخيار السلام الرخيص أو المجاني».
ورأى الأسد أنه «كلما ابتعد السلام عن التحقيق ظهرت أهمية وضرورة البحث عن طرق وحلول أخرى لاستعادة حقوقنا»، واضاف أن سوريا «منذ بدء عملية السلام تمسكت بخيار المقاومة ما دام السلام لم يتحقق». وتابع ان «الحكمة العربية السائدة كانت تقول إنه علينا أن نغمض أعيننا لكى نحرج اسرائيل أمام المجتمع الدولي الذي تم اختصاره ببضع دول موالية لاسرائيل مهملة ومهمشة كل ما تبقى من دول العالم التي تقف في معظمها معنا».
وانتقد الأسد تسليم دول العالم «عملية السلام برمتها إلى الولايات المتحدة، التي سلمتها إلى اسرائيل». وأضاف: «عندما أدركت معظم دول العالم أن العرب أسقطوا خيار السلام الحقيقي واستبدلوه بخيار سلام استرضاء اسرائيل والولايات المتحدة أداروا ظهرهم لعملية السلام ولنا، واليوم فقط في هذه المعارك تذكروا عملية السلام وتذكرونا».
ورأى أن الولايات المتحدة «ضرورية لعملية السلام، لكن ليس أي ولايات متحدة»، مشيراً إلى أن «هذه الادارة تتبنى مبدأ الحرب الاستباقية وهي حرب مناقضة تماماً لمبدأ السلام». ورأى أن تذكّر العالم اليوم لعملية السلام لم يات بسبب الدمار والقتل، بل «لأن اسرائيل تتألم، وهو ما يعني أن العالم لن يهتم بنا وبمصالحنا ومشاعرنا وحقوقنا الا اذا كنا أقوياء». وشدد على ان سوريا مقتنعة «بأن الطريق الطبيعي لتحقيق السلام هو المفاوضات ولكن عندما يفشل هذا الطريق أو لا يتوفر أصلا فالمقاومة هي البديل»، مشيراً إلى أن «المقاومة ليست بالضرورة مسلحة، وانما ثقافية وسياسية وممانعة الاشكال المختلفة»، وأن «دعم المقاومة هدفه السلام وليس الحرب».
العدوان على لبنان
وقال الأسد إن «العدوان على لبنان ليس مرتبطاً بخطف العسكريين بشكل أساسي، بل هو محضر قبل ذلك بزمن بهدف استعادة التوازن للمخطط الاسرائيلي، لكن النتيجة كانت مزيداً من الفشل ولحلفائها ولأسيادهم، والمزيد من الرسوخ للقوى الوطنية الملتفة حول المقاومة، وتجذر فكر المقاومة فى عقول وقلوب مئات الملايين فى المنطقة العربية والاسلامية».
وقال الأسد إن «المعارك في جنوب لبنان أتت رداً قومياً على الطروحات الانهزامية التي تم الترويج لها فى منطقتنا، وخصوصاً بعد غزو العراق. وزادها عظمة رد فعل الشعب العربي وكأنه يقول لهؤلاء نحن عرب وهذه مقاومتنا ومن لا يقف معها ليس منا». وتابع: «لقد أثبتت المعارك المجيدة التي خاضتها المقاومة عدداً من الحقائق. الاولى أن القوة العسكرية عندما لا تمتلك عقيدة ولا تُبنى على سياسة مبدئية تنتج الهزيمة. والثانية ان المقاومة التي تمتلك الايمان والعزيمة ويحتضنها الشعب تنتج الانتصار. والثالثة تؤكد محدودية القوة الاسرائيلية رغم تفوقها وهذا الامر يجب أن يعزز الثقة في نفوسنا ويمحو كل أثر للهزيمة النفسية».
ورأى أن الحرب «عرّت الوضع العربي بشكل كامل»، وتابع: «لم يكن هناك من امكان لحلول وسط فى مثل هذه الحرب. أسقطت أصحاب أنصاف المواقف أو أنصاف الرجال». وأضاف: «هذه المعركة بالنسبة لاسرائيل هي معركة حياة أو موت، لانها تفقدها هيبتها وتأثيرها علينا، وبالتالي تفقد دورها التاريخي الذى أنشئت من أجله ووظيفتها بالنسبة للغرب، لذلك بدأ العمل الحثيث من أجل التعويض عن هزيمتها العسكرية بأي انجاز سياسى دولي يبرر بقاء اسرائيل ودورها».
ورأى الأسد ان في مجلس الأمن «قرارات سيئة وأقل سوءاً»، مشيراً إلى أن «القرار 1701 فيه ايجابيات. وأهم شيء هو أن تتوقف الحرب وأن يتوقف تدمير لبنان وقتل المدنيين الابرياء»، لكنه انتقد تحميل المقاومة المسؤولية. وأضاف: «أثبتت هذه المعارك أن كلمة العرب لا قيمة ولا وزن لها فى المحافل الدولية». وتابع: «إن الاعتماد على الوضع الدولي لا قيمة له إن لم نقم بالبحث عن عوامل القوة كعرب».
وأشار إلى أن «المعركة الحقيقية ابتدأت الآن بعد كشف هذه المواقف والفرز الذي حصل». ودعا إلى «تحويل النصر العسكري الى ربح سياسي، أقله فى عملية السلام»، مشيراً إلى أن النتائج الاولية للمعارك على المستوى السياسي كانت عودة الحديث عن ضرورة انجاز السلام وعودة الاراضي والحقوق، والفضل كله للمقاومة. ورأى أن «المقاومة والسلام هما محور واحد لا محوران، ومن يدعم جزءاً منه فعليه أن يدعم الجزء الآخر، ومن يدعِ الخبرة وامتلاك الرؤية فى السلام فليعرض علينا انجازاته فى مجال المقاومة».
وقال الأسد إن «سوريا ولبنان وفلسطين لا تزال لها أراض لم تحرر.. هذا يعني أننا نحن المعنيون بالحرب وبالسلم، ونحن نريد من أشقائنا العرب أن يقفوا معنا من خلال رؤيتنا وتقديرنا لمصالحنا، ومن لا يقتنع برؤيتنا فلا نطلب منه سوى افساح الطريق لكي نقوم بما يجب علينا القيام به ولن نطلب من أحد أن يحارب معنا ولا نيابة عنا، وكل من لم يختبر الحرب لا يحق له أن يضع نفسه مرشداً ومعلماً فى السلام». وقال إن دور المقاومة كفكر فى المرحلة المقبلة سيكون أساسياً على مستوى الساحة العربية.
وقال الأسد: «لا يمكن للاستقرار أن يتحقق أو أن يستمر فى ظل الافتراق المستمر بين المواقف الرسمية والمواقف الشعبية». واضاف أن من «الخطأ أن نستسلم في تقييمنا لهذه الحرب إلى رؤى ضيقة الأفق تفصل هذه المواجهة عن السياق العام لتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي وعملية السلام وانتكاساتها وتتعامل معها بعيداً عن تقدير مضامين المخططات الاميركية والغربية وما يحصل فى العراق وفلسطين ولبنان خلال السنوات الأخيرة».
وأشار الأسد إلى ان «المخطط محضر مسبقاً ونضعه فى ثلاثة مسارات: الأول هو القرار 1559واغتيال الرئيس الحريرى والضغوط على سوريا والمقاومة من أجل الإذعان. والثاني هو فشل الاحتلال الاميركي فى العراق. والثالث هو دفن عملية السلام والانتقال الى الخيار العسكري لإخضاع العرب، ومن ثم كنتيجة طبيعية اعفاء اسرائيل من كل التزاماتها تجاه العرب».
ودعا الرئيس السوري إسرائيل إلى تحليل الحروب العربية السابقة، واضاف: «نقول لهم لقد ذقتم الذل فى المعارك الاخيرة فى لبنان. وفي المستقبل أسلحتكم لن تحميكم». ورأى ان «الاجيال المستقبلية فى العالم العربي ستتمكن من ايجاد الطريقة لهزيمة اسرائيل بشكل أكثر شدة مما رأيناه فى المعارك الماضية». وأكد ان «المقاومة الوطنية اللبنانية البطلة سطّرت بدمها وتضحيات أبنائها ملحمة خالدة في حياة الأمة وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ودفنت تحت أقدامها سياسة الاستسلام والهوان». وأضاف: «نقول لمن يتهم سوريا بأنها تقف مع المقاومة إنه اذا كان الوقوف مع المقاومة هو تهمة وعار، فهى بالنسبة للشعب السوري شرف وافتخار. هذه المقاومة هي وسام يعلق على صدر كل مواطن عربي».
وختم بالقول إن «قدر سوريا هو الاعتزاز بالعروبة والدفاع عنها وصونها. لأنها الاساس الوحيد لمستقبل مشرق ومشرف نبنيه من أجل أبنائنا ولنغرس فى قلوبنا وعقولنا أن لا مكان في هذا العالم لغير الاقوياء. والقوة تبدأ بقوة العقل وبقوة الارادة وبقوة الايمان وهي أساس المقاومة والطريق الوحيد لتحقيق النصر».
(سانا)