نابلس ــ «الأخبارالصيف في فلسطين عادة ما يكون موسم الأعراس والزغاريد، التي تتحدى رصاص القتل الإسرائيلي على مدى سنوات. إلا أن زغاريد هذا الصيف مختلفة، فزفة العروس تحولت إلى احتفالات نصر وتظاهرات صغيرة.الفستان الابيض نفسه والناس أنفسهم، اقرباء واصدقاء العروسين، لكن الضيف الجديد هي اغنيات المقاومة التي حلت محل اغنية الزفة، فتصدح مكبرات الصوت: «هلا يا صقر لبنان هلا حسن نصرالله».
يبدو المشهد غريبا، لكنه تحوّل إلى عادة جديدة يمارسها الفلسطينييون في مناسباتهم، التي لم تعد بنكهة الماضي الجميلة عندما كان الاحتفال بالزفاف يستمر لايام؛ فست سنوات من القتل والدمار والاحوال المعيشية المتردية جعلت الفلسطيني يفكر طويلا قبل ان يحدد موعد الزفاف.
أعراس كثيرة تأجلت بحكم الحياه وأخرى الغيت بحكم القدر. عروس تُزفّ على حاجز عسكري بعد منعها من الوصول الى بيت زوجها في مدينة مجاورة، وثانية تذهب لوحدها لان نظام منع التجول قد فرض على بلدتها، واخرى اقامته قرب الجدار.
كل هذه الأسباب مزجت العرس الفلسطيني بدموع الحسرة بدلا من الفرح، حتى جاء شهر اب، الذي يختاره الفلسطيني كشهر مفضل لعقد القران كون الاحبة عادة ما يجتمعون فيه قبل ان يعود ابناؤهم إلى مقاعد الدراسة. لكن اب جاء هذا العام ولبنان يعيش تحت ضربات الطائرات والمجازر، ما دعا العديد من الفلسطينيين إلى إلغاء او تأجيل مناسباتهم المحددة مسبقا.
ايمن ابو عبدو (27 عاما)، من مدينة نابلس، كان قد اتم كل الاستعدادات لزفافه في 4 اب، إلا أنه قرر الاعتذار عن الموعد الجديد بسبب المجازر التي ترتكب في لبنان. يقول «لا يعقل ان اجد نفسي ازف وعشرات اللبنانين تحت الانقاض، فكرت بها طويلا فوجدت ان الفرح قد غاب عن تفكيري وحل محله الحزن والغضب فقررت التأجيل لتاريخ غير محدد».
ويتابع أيمن «عندما انتهت الحرب وعلت رايات النصر وشاهدت اعلام لبنان ترفرف في كل مكان في المدينة والناس يحتفلون اتصلت بخطيبتي وابلغتها ان زفافنا سيكون غدا». وأضاف «الطريف في الامر أن موظف قاعة الأفراح كان يحضر لي مفاجأة لم اتوقعها». ويروي «فور وصولنا إلى القاعة كنا ننتظر أغنية الزفة المعتادة، لكننا فوجئنا بصوت صاخب وايقاعات سريعه تقول: هلا يا صقر لبنان هلا حسن نصر الله. وبدأ معها الرقص والاحتفال من اقاربي واصدقائي وتحولت القاعة الى تظاهرة عارمة صغارا وكبارا».
الغريب في الأمر أن العروسين والمدعوين لم يستغربوا الأنشودة الجديدة، بل بدأوا ترديد «هلا يا صقر لبنان»، التي أعقبتها اغنيات للمقاومة. ويصف أيمن شعوره بالقول «امتزجت دموعي بفرح غامر لا يمكنني وصفه».
اغنيات المقاومة ليست شيئا جديدا على المجتمع الفلسطيني، الذي يعاني يوميا من ويلات الحرب. وتجد هذه الاغنيات طريقها بسهولة الى بيوت وسيارات الفلسطينيين لتشكل جزءا من النضال اليومي، لكن منذ بداية الحرب على لبنان وانتصارات المقاومة ظهرت وبشكل كبير في الاسواق الفلسطينية اسطوانات صوت واخرى مصورة تتحدث جميعها عن انتصارات حزب الله وتغني لبيروت ولبنان وسرعان ما انتقلت الى الحفلات والمهرجانات وجنازات الشهداء . ابراهيم حجير، وهو صاحب محال لبيع الاسطوانات، يعرض في واجهة متجره أسطوانة تحمل صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يقول إنها تحتل المرتبة الأولى في المبيعات. وتشمل الأسطوانة عشر اغنيات، اشهرها «صقر لبنان». ويقول حجير إنه «يجهل صاحب هذه الاغنية التي انتشرت بشكل سريع في الشارع الفلسطيني، وهي لفنان فلسطيني غير معروف». وتقول كلمات الاغنية «هلا يا صقر لبنان هلا حسن نصر الله هاي رجالك بالميدان النصر النصر بعون الله». صقر لبنان ليست وحدها بالميدان، لكنها الاغنية التي بات يرددها الفلسطيني سواء في يوم زفافه او في عرس الشهداء في زمن توحد فيه الدم في فلسطين ولبنان.