أوتاوا ــ زياد نجار
منذ وصول حزب المحافظين برئاسة ستيفن هاربر إلى الحكم في كندا في شباط 2006، بدأت بعض الأصوات تطلق التحذيرات من انزلاق سياسة كندا الخارجية نحو التلاصق بالولايات المتحدة. حزب المحافظين، العائد إلى الحكم بعد ثلاثة عشر عاماً من حكم الليبراليين، يمثل الاتجاه الأكثر يمينية في السياسة الكندية.
قام هاربر بتدشين جولاته الخارجية بزيارة بالغة الرمزية إلى أفغانستان، حيث ترابط الوحدات الكندية في إطار القوة الدولية «إيساف»، للتأكيد على التزام الدور العسكري الفاعل لكندا كشريك للولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب».
الزيارة ليست الدليل الوحيد على الميل لدى المحافظين نحو العسكرة، فقد أضافت الحكومة الجديدة 5.3 مليارات دولار إلى الإنفاق العسكري متعهدة برفع عديد الجيش النظامي عشرة آلاف والاحتياط العسكري ثلاثة عشر ألف عنصر، وهذه الأرقام بالغة الدلالة بالنسبة إلى جيش يبلغ عديد أفراده 64 ألفا.
ملامح التغيير باتجاه الشرق الأوسط ظهرت مع الانتخابات الفلسطينية، وفوز حماس الذي لقي تعليقاً مباشراً من هاربر غير السعيد بالنتيجة. ولم تفوّت الحكومة الكندية فرصة اندلاع النزاع العسكري بين لبنان و إسرائيل للتعبير عن سياسة كندية غير مألوفة من حيث انحيازها الصريح والمعلن نحو الموقفين الأميركي والإسرائيلي.
هكذا كوّن هاربر مع بلير وبوش ثلاثياً فريداً في دعمه المطلق لإسرائيل. إذ وقف هاربر في قمة الثماني ليؤكد على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» وأن «الرد الإسرائيلي جاء متوازناً نظراً للظروف»، وقد التزم هاربر و وزير خارجيته بيتر ماكي هذا الموقف طوال مدة الحرب متجاهلاً امتعاض الرأي العام الكندي والغضب الذي أثارته مواقفه ضمن صفوف الجالية اللبنانية والعربية بشكل عام، حتى إن ماكي وصف حزب الله بالسرطان.
تتمتع كندا بسمعة حسنة عالمياً على صعيد السياسة الخارجية لناحية الحياد والاعتدال والدفاع عن حقوق الإنسان، وهذه السمعة تشكل صورة مكوّنة للشخصية الكندية وعنصر اعتزاز لدى المواطن الكندي العادي، الذي يرى في بلاده صورة الوطن المحب للسلام. وتعود هذه السمعة إلى تراث أرساه رئيس الحكومة الكندي ليستر بيرسون (1963 ــ 1968) حتى قبل أن يعتلي منصبه الأرفع، في خلال أزمة السويس عام 1956، حين قام بدور أساسي في حل النزاع عبر اقتراحه إرسال قوة فصل دولية تابعة للأمم المتحدة، مما سمح بتفادي تدخل سوفياتي عسكري ونال بعد ذلك جائزة نوبل للسلام.
وعلى الرغم من العلاقة الاستثنائية التي تجمع كندا بالولايات المتحدة، جارها الوحيد الذي تتشارك معه في 75 إلى 85 بالمئة من تجارتها وبأطول حدود غير محروسة في العالم، فقد عرفت السياسة الكندية كيف ترسم خطوطاً مستقلة لسياستها الخارجية في أكثر من مناسبة، إذ رفض بيار اليوت ترودو (أحد أشهر الرؤساء الكنديين والذي غادر الحكم عام 84) نشر أسلحة نووية في كندا وأقام علاقات حميمة مع كوبا وعلاقة شخصية مع كاسترو أغاظت الجار الأكبر.
ذلك لا ينفي أن مواقف هاربر، الذي يتصرف وكأن كندا دولة عظمى فاعلة في الشرق الأوسط، لا تتناسب مع حجم تأثير بلاده في المنطقة، وهو ما أثار حفيظة العديد من الكنديين المنحازين تقليدياً إلى دور مسالم وحواري، يحافظ على السمعة التقليدية لكندا. أضف إلى ذلك أن هاربر نجح في تقليب شريحة عريضة من اللبنايين ــ الكنديين و العرب ــ الكنديين الذين ساءهم الاستماع إلى مواقفه وهم يرون لبنان يتحول إلى ساحة للدماء والركام.
لقد أخذ هاربر سياسة بلاده نحو التلاصق بالجار الأكبر، لكنه بذلك أخطأ الحساب فحكومته «الأقلويّة» آخر ما تحتاج إليه هو عداء شريحة واسعة من الناخبين الذين قد لا يغفرون هذه المواقف.