زاد الرئيس الأميركي، رونالد ترامب، من ابتزاز السعودية واستغلالها، في مقابل ارتماء القيادة السعودية بالكامل في الحضن الأميركي بدافع حاجة ولي عهدها، محمد بن سلمان، إلى نيل الموافقة الأميركية في تهشيم الأعراف والتقاليد الحاكمة في نظام أسرة آل سعود بغية الوصول إلى سدة الملك. وكذلك لشعور الرياض بزيادة التهديدات الخارجية عليها وضيق الطوق على عنقها.
في المقابل، تعمل واشنطن على استنزاف الاحتياط المالي السعودي لترميم اقتصادها والبنى التحتية فيه. وقد بدأ ترامب ولايته بتنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية بتدفيع السعودية ثمن حمايتها بالعقود والصفقات الكبرى، إذ طلب من القيادة السعودية بيع بورصة نيويورك حصة «أرامكو» المعروضة للبيع، بعدما وقع على عقود بقيمة 480 مليار دولار أثناء زيارته الرياض.
يمكن تلخيص الوظيفة الموكلة للمملكة السعودية من الولايات المتحدة على هذا النحو:
أولاً: الحاجة الأميركية إلى خلق ملايين الوظائف (هدف ترامب في حملته الانتخابية) من الصفقات والاستثمار الخليجي والسعودي خصوصاً، ليكون المورد الذي يعتمد عليه ترامب لتوفير المال. ولا يخفي الرئيس الأميركي هذا الهدف، وقد تصدر جدول أعماله أثناء زيارته الرياض.
ثانياً: بعد الانسحاب الأميركي من العراق وفشل مخططات واشنطن في الإقليم، كبرت الحاجة الوظيفية الأميركية إلى السعودية عبر تحميل الأخيرة أعباء وكلفة المخططات والمشاريع الأميركية (سوريا واليمن والعراق)، وكذلك كلفة إنشاء منظمات إرهابية في الدول المجاورة لإيران، وذلك في محاولة لزعزعة الأمن فيها (أفغانستان وباكستان).
ثالثاً: تشغيل مصانع السلاح وإنعاشها، إذ إن السعودية الزبون الأسهل والأربح في عقد الصفقات التسليحية الكبرى. كما أن المملكة معنية بالاستثمار في البنى التحتية الأميركية، كذلك لا تقل الأهمية لديها في عقدها الصفقات مع مصانع السلاح الأميركية. ولتلبية طلبات المصانع، تعمل الإدارة الأميركية على التحفيز الدائم للرياض ورفع عصبيتها المرتفعة بالأصل تجاه إيران وتحويلها إلى فزاعة دائمة. تجدر الإشارة إلى أن السعودية تصنف الثانية عالمياًَ في شراء السلاح، وهو سلاح «غربي معظمه من أميركا».
رابعاً: التطبيع مع إسرائيل، وكذلك دفع المنظومة العربية التي تعمل في فلك السعودية إلى الالتحاق بها في التطبيع لتحقيق الرغبة الأميركية التاريخية وفق رؤيتها لحل الصراع العربي الإسرائيلي، لكن التطبيع السعودي بجانب دول «الاعتدال العربي» مع إسرائيل يستدعي حكماً إيجاد حل، ولو شكلي، للقضية الفلسطينية. وتلعب الرياض دوراً وظيفياً ورئيسياً في ما سمي «صفقة القرن»، بتطويع القيادة الفلسطينية للقبول بالتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطني، مقابل إغرائهم بوهم إقامة دولة في قطاع غزة وجزء من سيناء، وإدارة الفلسطينيين شؤونهم المحلية في المدن والقرى في الضفة المحتلة، على أن تبقى القدس والمستوطنات في الضفة محسومتين في الصفقة المذكورة للجانب الصهيوني، كما على أن تحل قضية اللاجئين في أماكن وجودهم في الشتات.
وقد أبلغت القيادات الفلسطينية، على رأسها الرئيس محمود عباس أثناء زياته الأخيرة للرياض، بتفاصيل «صفقة القرن»، بالإضافة إلى جوانب أخرى متعلقة بالخطة العامة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في ضرب محور المقاومة. لكن «أبو مازن» أظهر إرباكاً كبيراً لعجزه عن الاستجابة للمطالب الأميركية والسعودية.

المطالب السعودية من واشنطن


أولاً: تؤمن الولايات المتحدة الحماية الأمنية والعسكرية
منذ عقود عبر الاستفادة من القواعد العسكرية في الخليج خصوصاً، والمنطقة الوسطى الأميركية عموماً. وفي هذا الإطار، تشارك واشنطن على المستويات الفنية واللوجستية والاستخبارية مع التحالف العربي في الحرب على اليمن، على أن الخبراء العسكريين وقسماً من أعضاء الكونغرس يرجحون أن المشاركة الأميركية أساسية في استمرار العدوان، وفي تعنت الرياض ورفضها المسار السياسي وحل النزاع عبر التفاوض.
ثانياً: الحماية الأميركية للسعودية في المحافل الدولية
والمنظمات الإنسانية ومنع تجريمها في تلك المحافل، ولا سيما في حربها على اليمن، إذ تشكل واشنطن جداراً مانعاً أمام مجلس الأمن والمنظمات الإنسانية لإدانة الرياض ومعاقبتها على الجرائم بحق الشعب اليمني، وتستخدم واشنطن تلك الورقة لابتزاز السعودية كلما اكتشفت أن لديها نية لتنويع علاقاتها، كما حدث عندما وضعت السعودية على اللائحة السوداء لقتل الأطفال الصادرة عن الأمم المتحدة لهذا العام، وذلك بعدما سحب التقرير في العام الماضي إثر الضغوط الأميركية التي مورست على الأمين العام السابق للامم المتحدة.
لكن الإدراج الأممي للسعودية على اللائحة السوداء ربط بزيارة الملك سلمان لروسيا ومحاولة كسب موسكو إلى جانبها في ملفات المنطقة، وفتح الطرفين (السعودي والروسي) مجالات للتعاون ترى واشنطن أنها حق حصري لها، وفي استمرار علاقتها مع السعودية، ولا سيما الطلب السعودي شراء منظومة «أس 400». وعلى الفور، قدم الرئيس الأميركي للرياض عرضاً جديداً ببيعها منظومة الدفاع الجوي «ثاد» الموازية للمنظومة الروسية.