في خطاب انتظره المؤيدون والخصوم وتنبّأوا بأنه سيكون «مفصليّاً»، حثّ الرئيس الأميركي باراك أوباما الكونغرس على فسح المجال أمام الديبلوماسية في الملف النووي الإيراني وهدّد بتعطيل أي قانون عقوبات يُصوَّت عليه ضد طهران خلال فترة إجراء المفاوضات الدولية.
وفي خطابه عن «حال الاتحاد 2014» مساء أول من أمس في مبنى الكابيتول في واشنطن، دعا أوباما إلى «إعطاء الديبلوماسية فرصة للنجاح»، معبّراً عن أمله في حل الملف النووي الإيراني الذي يثير قلق المجموعة الدولية منذ عقد. وحذّر الرئيس الكونغرس المنقسم حول المسألة الإيرانية من أنه في حال التصويت على عقوبات إضافية خلال فترة المفاوضات، فإنه سيستخدم الفيتو الرئاسي. وقال حرفياً: «فليكن ذلك واضحاً: إن أرسل لي الكونغرس الآن قانون عقوبات جديداً من شأنه أن يهدد بإفشال هذه المفاوضات فسوف استخدم حقي في النقض ضده». وأضاف أن «هذه المفاوضات ستكون صعبة وقد لا تنجح».
يذكر أن إيران والقوى الكبرى ضمن مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين إلى جانب المانيا) وقّعت في 24 تشرين الثاني 2013 في جنيف اتفاقاً مرحلياً دخل حيز التنفيذ في 20 كانون الثاني لفترة ستة أشهر.
وستستأنف المفاوضات في منتصف شهر شباط القادم في نيويورك بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، ممثلة الدول الأوروبية ومن الجانب الأميركي ويندي شيرمان المسؤولة الثالثة في وزارة الخارجية الأميركية.
وأوضح أوباما أنه «مع شركائنا وحلفائنا، نخوض هذه المفاوضات لنرى ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى الهدف الذي نتقاسمه جميعاً: منع إيران من الحصول على سلاح نووي». وأكد أنه «إذا لم يقتنص القادة الإيرانيون هذه الفرصة، فسأكون حينئذ أول من يطالب بعقوبات إضافية»، مكرّراً القول إنه «مستعد للجوء إلى كل الخيارات للتأكد من أن إيران لا تصنع سلاحاً نووياً». وأردف: «لكن إذا اقتنص الإيرانيون هذه الفرصة، فسيمكن إيران حينئذ أن تقوم بخطوة مهمة للانضمام مجدداً إلى مجموعة الأمم، وسنكون قد تغلّبنا على أحد أبرز التحديات المعاصرة في مجال الأمن من دون المجازفة بشن حرب».
وعن تنظيم «القاعدة»، قال أوباما إن واشنطن تمكّنت من وضع القاعدة «على طريق الهزيمة»، لكن «التهديد تغيّر»، وهناك مجموعات تابعة للتنظيم تنتشر في «اليمن والصومال والعراق ومالي». لذا، فهو ذكّر بأن «الواقع هو أن الخطر لا يزال قائماً».
وعن الانسحاب من أفغانستان كما وعد في السابق، شرح أوباما أنه «إذا وقعت الحكومة الأفغانية الاتفاقية الأمنية التي تفاوضنا حولها، يمكن أن تبقى وحدة صغيرة من الأميركيين في أفغانستان مع الحلفاء من الأطلسي للقيام بمهمتين: تدريب القوات الأفغانية ومساعدتها والقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب من أجل ملاحقة فلول القاعدة». وبخصوص معتقل غوانتانامو أعلن أوباما أنه «يجب أن تكون هذه السنة، السنة التي يرفع فيها الكونغرس القيود الباقية على نقل المعتقلين، التي نغلق فيها سجن غوانتانامو».
أما بشأن الأزمة في أوكرانيا التي تشهد حركة احتجاج كبرى للمطالبين بالتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فقال إن «الشعب يجب أن يتمكّن من تقرير مستقبله».
وتناول أوباما في خطابه العديد من الملفات المتعلقة بالوضع الداخلي، منها الرعاية الصحية، وتحسين ظروف العمل ورفع الحد الأدنى للأجور وإصلاح نظام الهجرة، وفي أغلب تلك الملفات شدد أوباما على ضرورة تعاون الكونغرس من أجل النهوض بالاقتصاد وحلّ جزء كبير من المشاكل. اقتصادياً، توقّع أوباما أن يكون عام 2014 عام «الاختراق الاقتصادي» في الولايات المتحدة، محذّراً الكونغرس من أنه يمكن أن يتجاوزه إذا احتاج الأمر للعمل على خفض الفوارق الاجتماعية.
افتتاحية «ذي نيويورك تايمز» أشارت إلى تميّز هذا الخطاب عن الخطابات السابقة بتحوّل أوباما إلى موقع «الهجوم» بعد سنوات أمضاها يناشد الكونغرس التعاون معه ولا يلقى منه سوى التجاهل، ما خلّف ـ حسب الـ«تايمز» ـ تراكماً في الأزمات العالقة وضرباً للاقتصاد سيسعى البيت الأبيض إلى حلّها من خلال اتخاذ خطوات صغيرة لا تتطلب موافقة النواب. في المقابل، أثنت افتتاحية «ذي واشنطن بوست» على تشديد أوباما على «العمل معاً»، أي مع الكونغرس من أجل المضي قدماً في أكثر من ملف.
من جهة أخرى، لفت بعض المعلّقين الصحافيين إلى غياب أي ذكر لمصر وللسعودية في شقّ السياسة الخارجية من الخطاب، والتركيز على إيران كالملف الأبرز على رأس أولويات إدارة أوباما.
وكالعادة، بعيد إنهاء خطابه، وجّه الحزب الجمهوري انتقادات كثيرة للرئيس. وقالت كاثي ماك موريس، عضوة مجلس النواب عن ولاية واشنطن، إن أوباما «مطالَب بالاستماع للأميركيين لمعرفة مشاكلهم الحقيقية». وأضافت ماك موريس أن الحزب الجمهوري «يملك خططاً تعتمد على التقليل من الإنفاق، بديلة لتلك التي اقترحها أوباما في خطابه حول عدد من القضايا».
وعن قانون الهجرة الذي رافع أوباما لإصلاحه، قالت ماك موريس إن ما ينبغي للإدارة فعله هو «تأمين الحدود الأميركية أولاً، قبل الحديث عن إصلاح قانون الهجرة»، مضيفة أن الحزب الجمهوري «يحرص على جلب عمّال جيدين إلى الولايات المتحدة». وانتقدت ماك موريس قانون الرعاية الصحية قائلة إن هذا النظام «لا يعمل بالطريقة الملائمة».
(أ ف ب، الأخبار)