برلين | اعتباراً من اليوم الخميس، سيسمح للمصارف في قبرص بفتح أبوابها أمام المواطنين، بعدما أقفلت منذ السادس عشر من الشهر الجاري، بسبب مخاوف السلطات القبرصية من أن يقدم المودعون على سحب أموالهم من المصارف المتعثرة، ما كان سيؤدي إلى إفلاس كامل وانهيار للقطاع المالي في الدولة. وقال رئيس البنك المركزي القبرصي بانيكوس ديمتريادس «كل يوم يمر والبنوك مغلقة، تتراجع فيها ثقة الناس وهم يرغبون في سحب أموالهم، لذلك نحن مضطرون إلى فرض قيود» على حركة الرساميل. لكن لم يصدر أي تصريح بشأن إعادة فتح بنك «قبرص»، أكبر بنوك الجزيرة الذي تقرر إعادة هيكلته، وثانيها بنك لايكي الذي تقررت تصفيته. وذكر مصدر أوروبي أن «من غير المرجح أن يفتح بنك لايكي وبنك قبرص الخميس». وأضاف المصدر «سيكون جيداً إذا أعيد فتح البنوك الاخرى، الامر شديد التعقيد»، موضحاً أنه في ما يخص بنك «لايكي» فإن الامر يتعلق «بتنظيم كيفية تمكين المودعين من التصرف بودائعهم التي تقل عن 100 ألف يورو، والتي ستنقل إلى بنك قبرص» في إطار قرار تشكيل «بنك صالح» يستوعبه بنك قبرص ويضم الودائع التي تقل عن 100 ألف يورو. أما ما هو فوق 100 ألف يورو فسيوضع مع الديون المتعثرة في «بنك سيّئ» يفترض أن تتم تسوية أوضاعه مع الوقت.
وبغض النظر عن تفاصيل خطتي الإنقاذ، الأولى التي رفضها البرلمان القبرصي والثانية التي تسلك طريقها للتنفيذ، فإن ثقة المودعين الأوروبيين في القطاع المصرفي والضمانات الحكومية للودائع قد تعرضت لهزة كبيرة.
فمن المعروف أن قيمة المبالغ النقدية الفعلية الموجودة في المصارف الأوروبية لا تتجاوز عشر التعاملات المالية المصرفية والتي تتم على شاشات الحواسيب وتظل عبارة عن أرقام يتم تبادلها. وهذا يعني أن المصارف الأوروبية لا تملك سيولة كافية تغطي حجم الودائع الموجودة لديها. ووفقاً للقوانين التي تنظم عمل المصارف، يعتبر المودعون بمثابة دائنين للمصرف، وأموالهم حق لهم، وهذا الحق تضمنه الدولة عادة. ولكن خطة الإنقاذ الأوروبية الأولى فرضت ضريبة إلزامية بنسبة مئوية على الأموال المودعة في المصارف القبرصية، وتفاوتت نسبة الضريبة بين صغار المودعين، الذين تقل أرصدتهم عن مئة الف يورو، وكبار المودعين وهم من تفوق ثرواتهم هذا المبلغ. وهذا يعني أن الدولة لم تمتنع عن ضمان حق المودعين في ودائعهم ومدخراتهم فقط، بل أجازت لنفسها اقتطاع جزء من هذه المدخرات دون موافقة أصحاب الأموال، ما يزعزع الثقة بالقطاع المصرفي، ويشجع على سحب الأموال من البنوك، الأمر الذي سيضعها أمام أزمة أكبر قد تؤدي إلى انهيار مالي يصيب المؤسسات المصرفية كقطع الدومينو.
ويتخوف الخبير في المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية في برلين، كونراد ميفس، من أن يكون لخطة الإنقاذ الأوروبية الجديدة مفعول عكسي، كأن يبادر أصحاب رؤوس الأموال إلى سحب أموالهم من المصارف الأوروبية، أو نقلها من بلد أوروبي مأزوم إلى بلد أكثر استقراراً، وإذا حدث ذلك فسيؤدي بالتأكيد إلى نتائج لا تحمد عقباها.
ويؤكد ميفس أنه لا خوف على اليورو كعملة، فهو مستقر ومضمون ونسبة التضخم متدنية جداً ولا تثير القلق، ولكن يجب البدء بالتفكير جدياً في إعادة هيكلة الأنظمة المالية والبحث عن نظام يؤمن التوازن والاستقرار ويشجع الاستثمار. .
بدورها شددت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني على أن إدارة منطقة اليورو المرتبكة لعملية إنقاذ قبرص تشكل مزيداً من الضغط على التصنيفات السيادية المهددة بالخفض، وتظهر أن صانعي السياسة يبالغون في قدرتهم على احتواء الأزمة.
وأوضح العضو المنتدب للمخاطر السيادية لدى موديز، بارت اوسترفلد، «أن صانعي السياسة واثقون جداً من أن الأوضاع في السوق مواتية بشكل كاف وأن لديهم الأدوات اللازمة لتفادي امتداد الأزمة إلى اقتصادات أخرى في أطراف المنطقة وقطاعاتها المصرفية»، مؤكداً أن تلك الثقة قد لا تكون في محلها. وشدد محللو موديز على أن قبرص ستظل عرضة «لفترة طويلة» لمخاطر التخلف عن سداد الديون والخروج من منطقة اليورو.
ومن الأمور التي تساهم في انعدام الثقة وتزايد النقمة لدى المواطنين ما تناقلته الصحف الأوروبية، ومنها صحيفة «فرانكفورتر الغماينة» الألمانية، عن حدوث عمليات تحويل مبالغ طائلة إلى خارج قبرص قبل قرار إقفال المصارف منتصف الشهر الجاري. وأعلن رئيس البرلمان القبرصي «ياناكيس أوميرو» عزمه على فتح تحقيق في ما إذا كان بعض كبار الموظفين في الدولة قد قاموا بهذه التحويلات أو سرّبوا معلومات عن قرار إقفال المصارف، ما أتاح الفرصة لتهريب مبالغ طائلة إلى خارج البلاد.
بانتظار ذلك، تقف قبرص أمام أزمة طويلة. فهذه الجزيرة في شرق المتوسط ستفقد دورها كواحة مصرفية تستقطب أموال الأثرياء من روسيا والعالم العربي، وفي هذا الإطار يرى المفوض الأوروبي للشؤون النقدية، أولي رين، أن على قبرص البحث مستقبلاً عن دور اقتصادي جديد، مشيراً إلى أن المستقبل القريب سيكون صعباً للغاية بالنسبة إلى الجزيرة المتوسطية.