رغم الفشل الذي خيم على نتائج جولته المكوكية التي استمرت ثلاثة أيام بين رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إضفاء طابع تفاؤلي على النتائج التي حققها بالقول إن المشوار «بدأ بخلافات كبيرة للغاية، إلا أنه تم تضييقها بدرجة ملموسة».
وأضاف كيري، خلال مؤتمر صحافي عقده في مطار بن غوريون قبيل مغادرته فلسطين المحتلة، أنه مع «قليل من العمل الاضافي، فإن استئناف المفاوضات في متناول اليد». وقال «لدينا تفاصيل محددة ونعمل لمواصلتها، ولكنني واثق بأننا على الطريق الصحيح وبأن كافة الاطراف تعمل بإيمان شديد بأننا سنصل الى المكان الصحيح». لكن إذاعة الجيش الاسرائيلي وصفت نتائج جولة كيري التفاوضية بالفاشلة، وهو نفس الانطباع والتقييم الذي حضر لدى العديد من الأوساط الاسرائيلية.
وفيما شدد كيري على أن الهدف هو استئناف المفاوضات حول التسوية الدائمة وليس إجراء التحاور على المنوال نفسه، أكد أنه ينوي العودة الى المنطقة لإنجاز مهمته، موضحاً أنه أبقى خلفه مستشاريه من أجل مواصلة العمل مع الطرفين حول الصيغة التي تسمح باستئناف المفاوضات.
وكانت مصادر إسرائيلية قد توقعت حتى اللحظات الأخيرة من جولة كيري أن يعلن قبيل مغادرته المنطقة عن اجتماع قمة رباعي في الأردن الأسبوع المقبل يحضره كيري ونتنياهو وعباس والملك الأردني عبدالله. وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الى توافد خبراء في حماية الشخصيات إلى الأردن للبدء بالإعداد لعقد القمة. لكن بحسب الصحيفة، أدى تصلب الرئيس الفلسطيني في قضية الأسرى إلى عرقلة هذا الأمر.
وقالت الصحيفة إن عباس أصرّ على تحرير 127 أسيراً فلسطينياً كشرط لحضور القمة، من بينهم 25 من سكان القدس الشرقية ومن فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48. ووفقاً لـ«يديعوت»، فإن نتنياهو وافق على أن يتم إطلاق سراح هؤلاء على دفعات، وفقط بعد استئناف المفاوضات وربطاً بتقدمها.
وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو يرفض أيضاً شرطين فلسطينيين آخرين لاستئناف المفاوضات، هما التعهد خطياً بوقف الاستيطان، وكذلك التعهد بأن تجري المفاوضات على أساس حدود عام 1967. لكنها ذكرت أن نتنياهو أعرب عن استعداده للالتزام شفهياً بوقف الاستيطان، في حين قد يتم التوصل إلى تسوية في الشرط الثاني بأن تتم الإشارة إلى حدود الـ67 في الإعلان الأميركي عن استئناف المفاوضات.
في موازاة ذلك، حرص كل من الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني على تبرئة ساحته ومحاولة إلقاء المسؤولية على الآخر، إذ أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي، خلال افتتاح جلسة الحكومة، أن إسرائيل ليست هي التي تمنع استئناف مفاوضات السلام، مؤكداً أنها «مستعدة للدخول في مفاوضات بدون تأجيل وبدون شروط مسبقة، ولا نراكم أي عقبات أمام استئناف المحادثات حول الوضع النهائي بيننا وبين الفلسطينيين». وتابع أن «هناك أموراً سنطرحها عليهم بقوة وعلى رأسها الامن». ولفت الى أنه يؤمن بضرورة أن يتم عرض أي اتفاق على استفتاء شعبي.
في المقابل، أكد رئيس الطاقم الفلسطيني للمفاوضات، صائب عريقات، «نحن من طرفنا الفلسطيني بذلنا كل جهد ممكن لإنجاح كيري، لكن من الواضح أن نتنياهو وضع اليوم، من خلال قرار بناء 930 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم في القدس الشرقية، 930 عقبة في طريق جهود الوزير كيري».
وفي الوقت الذي يبذل فيه كيري جهوده لاستئناف المفاوضات بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، ذكرت صحيفة «معاريف» أن خطة بناء 940 وحدة سكنية، المعروفة باسم «خطة هار حوما (ج)، ستصل الى لجنة المالية في بلدية القدس اليوم (أمس)»، وأن «اللجنة ستقرّ اتفاقاً في هذا الشأن مع وزارة الاسكان، الأمر الذي يفترض أن يشق الطريق لبناء هذه الوحدات». وتجدر الاشارة الى أن البناء في هذه المنطقة يعتبر من أكثر الامور إشكالية في نظر الاميركيين والفلسطينيين لجهة امكانية تأثيره على العملية السياسية لكونه سيخلق تواصلاً جغرافياً يهودياً في المنطقة ويمنع الفلسطينيين من تحقيق تواصل بين حي صور باهر، في القدس المحتلة، وبين الجزء الشمالي من مدينة بيت لحم. ونقلت رئيسة كتلة «الليكود» في مجلس بلدية القدس، وعضو لجنة المالية في البلدية، المحامية اليشع بيلغ، أن «إقرار الاتفاق بين البلدية والحكومة يثبت أن التجميد المؤقت للبناء خلف الخط الاخضر قد انتهى».
في المقابل، دانت الادارة الاميركية خطة البناء التي كشفتها وسائل الاعلام الاسرائيلية، ورأت أن على إسرائيل، «كما قال الرئيس (باراك) أوباما، أن تعترف بأن البناء الاستيطاني ما وراء الخط الاخضر لا يفيد ويعرقل عملية السلام، وأن الدولة الفلسطينية التي ستقام ينبغي أن تكون قابلة للاستمرار مع حدود حقيقية». ونقلت تقارير إسرائيلية عن مسؤولين في الادارة الاميركية قولهم إن هذه الخطوات يمكن أن تؤدي الى إحباط الجهود للسلام وتتناقض مع الالتزامات والواجبات الملقاة على إسرائيل.