نواكشوط | وسط اهتمام غير مسبوق تناغم الإسلاميون الموريتانيون بشكل حزين مع سقوط حكم الإسلاميين في مصر، ومع معاناة رفاقهم في تونس، وبلغ هذا التناغم ذروته خلال الأسابيع الماضية من خلال كتابات متواصلة اتّسمت بالسبّ والقذف في حق كل من يعارض توجهات الجماعة.
وخرج البعض في انتقاداته لوزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي عن المألوف في موريتانيا، بل راح يوجه انتقادات للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو الرئيس الذي يُجمِع الموريتانيون على أنه قدّم للعرب ما لم تقدمه لهم أي من القيادات الأخرى.
وباتت سفارات مصر وتونس وكل من دعمهم على موعد مع تظاهرات منددة بعد أن كانت رمزاً لما يسمونه الصرح الشامخ للخلافة الراشدة.
ومع الاعتذار الذي قدمته الحكومة الموريتانية للدول التي عانت سفاراتها من التظاهرات الصاخبة خلال الشهر الماضي، أعربت الحكومة الموريتانية عن أسفها لتظاهر من سمّتهم «بعض المتاجرين بالدين أمام سفارات دول شقيقة»، منددة بـ«انتهاك حرماتهم».
وأعلنت أنها لا تكنّ لهذه الدول إلا مشاعر المحبة والاعتبار والاحترام التي تستحقها انطلاقاً من الروابط التاريخية والعلاقات الأخوية الوطيدة.
وقالت إن هذه التصرفات التي وصفتها بالطائشة غير مبررة وتسيء استخدام جو إشاعة الحريات العامة والخاصة الذي ينعم به الشعب الموريتاني.
في خضم هذه التطورات، باتت السفارات الغربية، وخصوصاً الأميركية والفرنسية، ملاذاً آمناً لقادة التيار الإسلامي لإجراء ما يسمونه مشاورات.
غير أن تردد قادة حزب «تواصل» الإسلامي بنحو لافت للأنظار على السفير الفرنسي لدى موريتانيا، هيرفي بيزانسينو، أثار انتقادات لاذعة وجهها صحافيون ومفكرون للسفير، مطالبين إياه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلادهم.
وحرص الموريتانيون على تذكير بيزانسينو بأن موريتانيا دولة ذات سيادة، وأن الموريتانيين ناضجون بما يكفي لتسيير شؤون بلدهم.
وتساءلت إحدى الصحف قائلة: «من حقنا أن نتساءل: أين نحن الآن؟ وفي أي قرن نعيش الآن؟ وهل يوجد قرن خاص اسمه قرن بيزانسينو؟».
من اللافت أن الإسلاميين يقولون في كل مرة إنهم ناقشوا مع السفير الفرنسي لدى نواكشوط الأوضاع السياسية للبلد والمنطقة، وتبادلا وجهات النظر حول أهم المواضيع المطروحة على الساحتين الوطنية والإقليمية.
من ناحية ثانية، حمل الإسلاميون بشدة على كل رموز مصر، وبدأ إعلام الجماعة في موريتانيا يوجّه أنيابه التي ظلت مبتسمة لبعض الوقت الى القيادات الدينية والمدنية في مصر، بدءاً بالمفتي المصري السابق علي جمعة الذي يصفه إعلام الإسلاميين في موريتانيا بالشيخ الجنرال.
وأفردت صحف الجماعة ومواقعها حيّزاً كبيراً لردود الداعية الإسلامي المصري الحاصل على الجنسية القطرية، يوسف القرضاوي، على الشيخ جمعة، مبرزة أهمية القرضاوي كمرجعية وحيدة، وكأنه معصوم من الخطأ.
إعلام الجماعة تجاهل استقالة عالم دين موريتاني هو الشيخ عبدالله ولد بيه، الأسبوع الماضي، من وظيفته كنائب للقرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المموّل قطرياً، بسبب فتاوى القرضاوي، خاصة تلك التي تدعو إلى سفك الدم العربي. وهو ما فسره أحد المراقبين بالقول إن مشكلة الجماعة هي أنها لا تؤمن بالدولة، بل تؤمن بالجماعة التي تأخذ كل شيء من قطر، بدءاً بالمال والتعليمات وأخيراً تسعى لأن تكون تكون قطر فاعلاً في السياسة الخارجية.
ولوحظ خلال الأسابيع الماضية تغيّر في وجهات الإسلاميين الموريتانيين الذين أصبحت زياراتهم الخارجية تقتصر على الدوحة وإسطنبول، مقابل مقاطعة تامة للقاهرة وتونس اللتين أصبح دوراهما من الماضي.