بكين | «سوف نضع في أذهاننا ما عهد الينا هو جين تاو به، وندرس، وننشر، وننفذ بضمير مخلص روح المؤتمر الوطنى الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني». هذا ما تعهّده الامين العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني، رئيس اللجنة العسكرية المركزية، شي جينغ بينغ، بعد ظهر أمس خلال اجتماعه، برفقة سلفه، بالأعضاء الآخرين باللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية السابعة عشرة للحزب، واعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية الثامنة عشرة، و2600 مندوب لدى المؤتمر الوطني الذي اختتم أول من أمس.
وبذلك بعث القائد الجديد لأكبر حزب في العالم والرئيس القادم لثاني أكبر قوة اقتصادية برسالة واضحة الى محازبيه تؤكد أنه لن يحكم الصين بل ان دوره يقتصر على الاشراف على تطبيق توصيات اللجنة المركزية التي أعلنها هو جين تاو الاسبوع الفائت (راجع عدد «الأخبار» عدد 9 تشرين الثاني 2012).
طغى على الاجتماع الذي عقد أمس في «قاعة الشعب الكبرى» وسط بكين، جو من الارتياح بعد اسبوع من المناقشات الحادة بين أعضاء اللجنة المركزية خلف الابواب المغلقة. قيادات الحزب تدرك دقة المرحلة والصعوبات التي تواجهها خصوصاً لجهة التوفيق بين الايديولوجيا الماركسية، التي لا يزالون يتمسكون بها والحاجة الى الانفتاح والتعامل مع متطلبات الأسواق بعد انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية. وكان هو جين تاو قد شدد على ان الحزب الحاكم قادر، دون شكّ، على رفع معدل دخل الفرد الصيني والسير في مزيد من الانفتاح والحفاظ في نفس الوقت على «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، وذلك من خلال انتهاج «التطوّر على أساس علمي». وبالتالي لن تسمح القيادات العليا في الحزب الشيوعي الصيني لأي من القادة الصينيين بالتخلي، ولو تدريجياً، عن «الثوابت». ويشمل ذلك الامين العام الجديد للحزب شي جينغ بينغ، الذي انشغلت وسائل الاعلام الاميركية والبريطانية خصوصاً والغربية عموماً بوصفه «الرجل الذي سيغيّر الصين» (بحسب مجلة «ايكونوميست» البريطانية)، ملمحة الى نيته تحويل الصين خلال السنوات العشر المقبلة الى دولة تخضع للرأسمالية بشكل كامل. «ان دراسة وتطبيق روح مؤتمر الحزب هو المهمة السياسية الاولى في الوقت الحالي»، قال هو جين تاو خلال اجتماع أمس وكرّر ما كان قد أعلنه في تقريره الى اللجنة المركزية يوم افتتاح المؤتمر الثامن عشر للحزب، داعياً اعضاء الحزب والقوات العسكرية والشعب الصيني بمختلف مجموعاته العرقية، الى «اتباع قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وامينها العام شي جين بينغ»، مشدداً على وجوب «المضي بحزم على مسار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتحرير العقل، والقيام بالاصلاح والانفتاح وحشد القوة، والتغلب على الصعاب، والعمل الجاد من أجل بناء مجتمع متوسط الازدهار في كافة الأوجه، وتحقيق انتصارات جديدة». وأضاف ان «هذه الانتصارات تعود الى حزبنا العظيم، ووطننا الام العظيم، وشعبنا العظيم».
القيادات العليا في الحزب قررت تحديد حجم نفوذ شي جينغ بينغ، بعدما قام، بصفته نائباً للرئيس هو جين تاو، بجولة اوروبية وأميركية في ربيع العام الجاري. فخلال هذه الجولة التي شملت الولايات المتحدة الأميركية وايرلندا وتركيا، فسّر بعض المسؤولين الغربيين تركيز القيادي الصيني على الانفتاح والاصلاحات في بلده على أنه اشارة الى خطة لتخلي الصين بعد توليه القيادة، عن الايديولوجيا الماركسية وحكم الحزب الواحد. وانتشرت صور شي جينغ بينغ في الصحف الاوروبية والاميركية وتمّ التركيز على شخصه، وهو ما أثار حفيظة العديد من زملائه في الحزب الشيوعي. وفي مطلع أيلول الفائت «اختفى» شي جينغ بينغ وتغيّب عن حضور اجتماعات دبلوماسية وسياسية كانت مواعيدها محددة مسبقاً. ادى ذلك الى انتشار شائعات في وسائل اعلام غربية عن أسباب غيابه مفادها ان غيابه مرتبط بفضائح فساد تعني مسؤولين آخرين في الحزب. لكن يرجّح اليوم، بحسب ما شرحته أوساط الحزب الشيوعي الصيني لـ«الأخبار» أن الاسباب الحقيقية لغياب القيادي كانت تتعلق بخلافات بين اعضاء اللجنة المركزية وصناع القرار في الحزب بشأن بعض الخطوات التي اقترحها البعض للتأكد من «ان الصين لا يحكمها شخص واحد ولا حتى مجموعة أشخاص بل مصالح الشعب». ومن بين هذه الخطوات أولاً، تحديد الأشخاص الذين سيشكلون فريق عمل الامين العام المقبل للحزب. ثانياً، التخفيف من التركيز على شخصه. وثالثاً، التشديد على الاستمرارية في انتهاج الاشتراكية ذات الخصوصيات الصينية.
عاد شي جينغ بينغ الى الواجهة بعدما ساهم الرئيس السابق للحزب، جيانغ تسه مين، في حلحلة الخلافات بشأن فريق العمل، واستكمل النقاش بشأن الاعتبارات الاخرى خلال المؤتمر الثامن عشر للحزب الاسبوع الفائت. وكان لافتاً خلال المؤتمر التركيز على تقرير هو جين تاو لتحديد مستقبل الصين في اشارة واضحة الى الاستمرارية. أما بشأن التخفيف من التركيز على شخص الامين العام الجديد، فلاحظت «الأخبار» ان تعامل اعضاء اللجنة المركزية للحزب مع شي جينغ بينغ خلال جلسات المؤتمر العلنية لم يكن تعاملاً يدلّ على ان الرجل سيتولى قريباً قيادة الحزب. حيث ان معظم الحزبيين تجنّبوا مصافحته او اعطاءه أي أهمية، والذين صافحوه فعلوا ذلك بفتور واضح (وقائع الجلسة متوفرة على شريط فيديو خاص بـ«الأخبار»). وتبين في الجلسة الختامية أول من أمس ان التعامل مع شي جينغ بينغ بهذه الطريقة لم يكن سوى طريقة الحزب الشيوعي للاشارة الى «ان الصين ليست ديكتاتورية فردية بل ديكتاتورية شعبية».



استمرارية حكم الحزب الواحد

استجاب شي جين بينغ لتوجهات زملائه في اللجنة المركزية وقال أمس ان «قيادة الحزب الشيوعي الصيني وامينه العام هو جين تاو، وحشد الشعب الصيني بكافة مجموعاته العرقية، حققا انجازات رائعة جذبت اهتمام العالم». وأضاف ان تقاعد سلفه والاعضاء الآخرين «يظهر نبل اشخاصهم». وتعهد بتكثيف الجهود الرامية الى مكافحة الفساد الإداري وعدم السماح بتراجع الانضباط في صفوف الحزب. وشدد على أن «الحزب الشيوعي يخدم الشعب، ولذلك، على الرغم من إنجازاته العديدة، إلا أنه يجب أن يواصل العمل الدؤوب».
وكانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قد انتخبته خلال اجتماعها يوم أول من أمس أمينا عاما جديدا للحزب ليحل محل هو جين تاو الذي قاد الحزب على مدى السنوات العشر الماضية. ويشكل تولي شي جين بينغ زعامة الحزب مقدمة لإقراره في منصب الرئاسة خلال الدورة القادمة لمجلس نواب الشعب الصيني في آذار المقبل.