«لعنة برلوسكوني تلاحق ايطاليا»، قد يكون هذا التوصيف الأكثر تعبيراً للحالة التي تعيشها ايطاليا بعد انتهاء «شهر العسل» بين حزب «شعب الحرية» برئاسة رئيس الوزراء الاسبق سيلفيو برلوسكوني ويسار الوسط الذي لم يكمل بعد عامه الاول. لم تكد حكومة رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي «تفلت» من حجب الثقة عنها الاسبوع الماضي، بعدما انسحب حزب شعب الحرية من الجلسة التي كانت مقررة لمناقشة اجراءاتها الاقتصادية، ما وضع حداً للدعم الذي ابداه معسكر برلوسكوني منذ عام لحكومة مونتي، في اطار تحالف قسري وغير مسبوق مع يسار الوسط، حتى فاجأ رئيسها الايطاليين بإعلان عزمه على الاستقالة فور اقرار الموازنة الجديدة في 18 كانون الاول المقبل.
التطورات المفاجأة اعادت «شبح» برلوسكوني إلى الظهور من جديد على الساحة السياسية، فالرجل السبعيني الذي خرج مطلع العام من الباب الضيق من رئاسة الوزراء «مطأطئ الرأس» عاد ليعلن ترشحه للرئاسة بعد اقل من شهر ونصف الشهر من تأكيده عدم الترشح.
هذه التطورات السياسية اعادت المخاوف على وضع البلد الذي يعاني من مشكلة البطالة وتفاقم الديون، واكثر ما يؤرق الايطاليين اليوم ليس التداعيات الاقتصادية لاعلان مونتي فقط، بل أضيف إلى هواجسهم مسألة عودة برلوسكوني. «ليست الازمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد وما رافقها من تدابير تقشفية قاسية ما يخيفينا، وانما نحن خائفون من عودة هذا الاحمق، في اشارة إلى برلوسكوني، اتمنى أن يتلقى صفعة على وجهه ليغادر بلا رجعة إلى جزر الكايمان»، قد يكون هذا التعليق لسيدة ايطالية لتلفزيون «euro news» ملخصاً لمشاعر الايطاليين من اعلان برلوسكوني عن رغبته لقيادة البلاد من جديد.
اقتصادياً، اعاد اعلان مونتي انتشار القلق في صفوف المستثمرين، فبورصة ميلان أغلقت على تراجع فاق الإثنين بالمئة يوم الاثنين، والفوائد على سندات الدين الإيطالية سجلت ارتفاعاً كبيراً، وهنالك تخوف من انتقال عدم الاستقرار إلى اسبانيا. كذلك سجل اليورو تراجعاً أمام الدولار اول من أمس الاثنين متأثراً بالأزمة السياسية في ايطاليا وبيانات ألمانية ضعيفة، ما أثار مخاوف من تراجع التوقعات في منطقة اليورو في الأجل القريب. ومن المتوقع أن يواصل اليورو تراجعه مع اتساع الفارق بين عائدات السندات في دول جنوب منطقة اليورو وبين عائدات السندات الألمانية. كذلك سجلت الاسهم الاوروبية تراجعاً ونزل المؤشر الرئيسي من أعلى مستوى في 18 شهراً الذي سجله الأسبوع الماضي.
مونتي «المصدوم» من تصرف حزب «شعب الحرية»، بدا واثقاً من قدرة البلاد على الاستمرار، وحاول أن يطمئن الاسواق عبر تأكيده أنه لا يوجد خطر من «فراغ» سياسي في بلاده. وشدد للصحافة الايطالية على «أنه امر طبيعي أن تكون هناك ردود فعل في الاسواق وأعتقد أنها ستكون معتدلة».
مونتي، الذي تجنب الاعلان إن كان سيترشح للانتخابات المقبلة في نيسان المقبل، لاقى موجةً دعم كبيرة، فيكفي مثلاً أن يقول رئيس المجلس الاوروبي، هرمان فان رومبوي، إن «مونتي كان ولا يزال رئيس حكومة ممتازاً. والاصلاحات التي اقرها في مختلف المجالات كانت اكثر من ضرورية». وطالب رومبوي الحكومة الايطالية المقبلة بالمضي قدماً في نهج مونتي لخفض العجز في الميزانية، ليظهر الاثر الايجابي الذي قامت به حكومته خلال عام فقط. لكن المرشح الأول للمنصب، سيلفيو برلوسكوني يعارض إجراءات مونتي، معتبراً أنها أدخلت إيطاليا في ركود.
اما على الصعيد السياسي، وعلى الرغم من أن المحللين لا يستبعدون استمرار مونتي في الساحة السياسية إما كمرشح أو كداعم للفريق الوسطي الذي يؤيد، إلا أن يسار الوسط مطالب بأن يقدم مرشحه القادر على الاستمرار بنهج مونتي ومقارعة برلوسكوني ومنعه من العودة لقيادة البلاد التي اوصلها بفضل سياساتها الاقتصادية «إلى حافة الهاوية»، على حد توصيف المحللين.
مونتي حذر من تأثير عودة برلوسكوني على منطقة اليورو. وقال «ايطاليا مطالبة بعدم الوقوع مرة اخرى في الصاعق الذي قد يهدد اليورو».
بدوره، اعطى رئيس مؤتمر الاساقفة، الكاردينال انجيلو باغنوزو، دعمه القوي لماريو مونتي، فيما اكد رفضه لعودة برلوسكوني. ونقل مدير مكتب «الغارديان» في ايطاليا، جون هوبر، عن الكاردينال قوله «سيكون من الخطأ في المستقبل عدم الاستفادة من شخص ساهم بطريقة صارمة ومختصة في عودة الصدقية لبلدنا».
الاسقف، الذي لا تزال كنيسته تتمتع بنفوذ جيد، شدد أعلى نه لا ينبغي عودة «من يهتمون بمصالحهم الخاصة لقيادة البلاد»، في اشارة لبرلوسكوني من دون أن يسميه.
بناء عليه فإن طريق برلوسكوني، الذي سيترشح للمرة السادسة في حياته لمنصب رئيس الوزراء، لن يكون سهلاً لعودته إلى السلطة في وجه منافسه زعيم يسار الوسط بيار لويجي بيرساني. فعلى الرغم من عزمه الكبير على «الفوز»، وتأكيده أن عودته جاءت تلبية لرغبات انصاره في انقاذ البلاد من «حافة الهاوية»، الا أن حزب برلوسكوني «شعب الحرية» على شفير انقسام بين المعتدلين والجناح اليميني. واظهر استطلاع للرأي اجراه معهد «اس دبليو جي» أخيراً أن نسبة الاصوات التي سيحصدها في الانتخابات المقبلة لن تتجاوز 13,8 في المئة بعدما كان حقق نسبة 38 في المئة العام 2008، وهو ما سيضطر برلوسكوني إلى التفكير في استرجاع حلفه السابق حزب رابطة الشمال شعب الحرية، آملاً «التوصل إلى قرار يتيح لنا أن نصوت معاً للمرشح نفسه» في محاولة لتقسيم تحالف اليسار، في وقت ترجح استطلاعات الرأي فوز بيرساني بفارق كبير في حال اجراء انتخابات تشريعية في الربيع المقبل.