باريس ــ إذا اعتمدنا على «بوصلة الشباب التونسي»، يمكن القول إن الثورة لم تجد حلاً لأحد أهم دوافعها، ألا وهي العطالة من العمل. أفضل إشارة إلى ذلك «آلاف الشباب التونسيين» الذين نزلوا على الشواطئ الإيطالية المواجهة للساحل التونسي طوال عطلة الأسبوع الماضي. كل الذين التقوا مع وسائل الإعلام التي هرعت إلى المناطق التي وصلت إليها قوارب المهاجرين صرحوا بما لا لبس فيه بأن «الدوافع الاقتصادية هي التي ساقت هذا الدفق البشري، ما دفع بالسلطات الإيطالية إلى إعلان «حالة طوارئ إنسانية»، ونالت وعوداً من الاتحاد الأوروبي بمساعدات عاجلة.في جزيرة لامبيدوس فقط، التي لا تبعد أكثر من ١٣٠ كيلومتراً عن الشواطئ التونسية، وصل ٥٠٠٠ آلاف مهاجر غير شرعي خلال أيام. وأكد مسؤول المرفأ أن «الوضع صعب جداً». وتوقع وصول أعداد أكبر مع عودة الحياة في تونس إلى طبيعتها من الناحية الأمنية، بموازاة تراجع الأوضاع الاقتصادية بسبب توقف الحركة السياحية التي كانت تمثّل مصدراً رئيسياً لرفد الناتج القومي.
وكانت إيطاليا قد أطلقت نداءً بصوت وزير الخارجية فرانكو فراتيني لطلب مساعدة دولية لمواجهة هذه الموجات الزاحفة إلى شواطئها. ولم يتردد وزير الداخلية روبرتو ماروني في اقتراح «إرسال قوات شرطة إيطالية» إلى تونس للتدخل لوقف تدفق اللاجئين، وهو ما قوبل برفض من الحكومة التونسية.
وقد رأى المراقبون أن مسألة الهجرة تأتي في وقت حرج جداً بالنسبة إلى الوضع السياسي الإيطالي، وأنها فتحت أفقاً لليمين المتطرف الشعبوي كي يلج عبره نحو «الشعارات القوية التي تشحذ همة الناخبين». واتهم ماروني، وهو عضو في رابطة الشمال المتطرفة، الاتحاد الأوروبي بأنه «كالعادة ترك إيطاليا وحيدة لتواجه جحافل المهاجرين». وطالب بتدخل سريع، ليس فقط على الصعيد الإنساني، بل المالي؛ إذ إن روما وضعت عدداً كبيراً من الطائرات لإعادة التونسيين إلى بلادهم متبعة «إجراءات استثنائية»، و مخالفة للقوانين الأوروبية التي تحتم «دراسة ملفات المبعدين» قبل ترحيلهم. وأكدت المفوضية الأوروبية أنها تدرس أفضل الطرق لمساعدة إيطاليا.
وقبل توجهه إلى دمشق، أعلن فراتيني، أمس، أن تونس وإيطاليا «لديهما مصلحة مشتركة في وقف» الهجرة غير المشروعة. وجدّد الحديث عن «مساعدة لوجستية في معدات قوات الشرطة ووضع وسائل مهمة برية وبحرية لمراقبة السواحل التونسية» بتصرف تونس.
وقال فراتيني، عند وصوله إلى دمشق: «حتى الآن كانت الدوريات على سواحل شمال أفريقيا فعالة، ونريد استئناف هذه الدوريات التي خفضت قبل شهر واحد الهجرة السرية إلى الصفر».
وللغاية نفسها، بدأت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون زيارة لتونس، قالت مصادر إنها «لتأكيد دعم أوروبا للعملية الانتقالية وبحث سبل وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين».