ليس هناك ما هو أغرب من العلاقة الأميركية الباكستانية. الدولتان تتبادلان الاتهامات، ثم تتعاونان وتتآمران في السرّ والعلن. فها هي واشنطن تستعد لتقديم مساعدات مالية جديدة ثمن تعاونهارغم مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» وما سبّبه من ارتفاع حالة التوتر المرتفعة أصلاً بين واشنطن وإسلام آباد، قال مسؤولون أميركيون إن باكستان قد تحصل على 300 مليون دولار من الولايات المتحدة كتعويضات عن التكاليف التي تكبّدتها في حربها ضدّ التشدّد، فيما استدعت إسلام آباد السفير الأميركي لديها احتجاجاً على مقتل بن لادن.
ومبلغ الـ300 مليون دولار جزء ممّا يعرف باسم «صندوق دعم التحالف»، وهو برنامج أميركي للتعويض للدول التي لحقت بها خسائر نظير دعمها لمكافحة الإرهاب وعمليات مكافحة التشدّد.
وكانت الولايات المتحدة قد عوّضت لباكستان بمبلغ 7.4 مليارات دولار بموجب صندوق دعم التحالف منذ عام 2001، في إطار الحرب على الإرهاب. ولا تُدرج الأموال التي تسلّم عبر الصندوق رسمياً في إطار المساعدات الأميركية. ومن المقرر أن تصل التعويضات الأميركية إلى باكستان التي تواجه أزمة نقدية، بينما تتفاوض إسلام آباد مع صندوق النقد الدولي حتى يفرج عن الدفعة التالية من قرض بقيمة 11.3 مليار دولار.
من جهة ثانية، استدعت الخارجية الباكستانية السفير الأميركي لديها، كاميرون مانتر، احتجاجاً على العملية الأميركية الأحادية الجانب، التي قتلت بن لادن في أبوت آباد. وكانت الوزارة قد أعربت عن قلقها العميق من العملية الأميركية، وأصرّت على أن العمل من جانب واحد لا ينبغي أن يصبح المعيار.
وفي آخر أنباء مقتل زعيم «القاعدة»، قال وزير العدل الأميركي إريك هولدر إن العملية التي استهدفت بن لادن لم تكن اغتيالاً، بل كان يمكن القبول باعتقاله حياً إذا توافر ذلك. وأوضح هولدر في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن العملية كانت تنص على «قتل أو اعتقال». وشدّد على أن الإدارة الأميركية كانت تحرص في الدرجة الأولى على سلامة فريق «سيل» الذي نفّذ العملية. وقال إن القوات تصرّفت بطريقة ملائمة في غياب أي إشارة واضحة إلى أن بن لادن سيستسلم. وأضاف «لم يتوافر ذلك الاحتمال، ولو توافر احتمال أن يستسلم، لكان ذلك سيحصل».
وقد أطلعت الإدارة الأميركية نوابها على صور بن لادن بعد مقتله. وقال عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري جيمس إينهوفي لشبكة «سي أن أن»، إنه رأى قرابة 15 صورة لجثمان بن لادن التُقط معظمها في المجمع السكني في أبوت آباد، و3 منها التُقطت على متن السفينة التابعة للبحرية الأميركية التي ألقت بالجثمان في البحر.
ووصف إينهوفي الصور بالمرعبة، مضيفاً أن بعضها أظهرت أجزاءً من دماغ بن لادن خارجة من محجر عينه، لافتاً إلى أن الرصاصة إما دخلت وإما خرجت من أذنه. وقال إنه متأكد من أن الشخص المقتول هو بن لادن، «كان هو. لقد رحل. بات من التاريخ».
إلى ذلك، ذكر مسؤولون أميركيون وغربيون في مجال مكافحة الإرهاب أن الولايات المتحدة أرسلت معلومات استخبارية استخلصتها من مواد موجودة في مخبأ بن لادن إلى عدة حكومات أجنبية. ومن بين المواد «كتيّب بخط اليد» يعتقد خبراء أن بن لادن كتبه. ووصف المسؤول الكتيّب بأنه دفتر أفكار يعرض فيه بن لادن تأملاته في التكتيكات والأهداف المحتملة لهجمات في المستقبل. وأوضح المسؤولون أن الولايات المتحدة والحكومات التي اطّلعت على البيانات لم تعثر على أي دليل لمخططات محددة وشيكة ضد أهداف أميركية أو غربية.
لكن صحيفة «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤولين قولهم إن المواد المكتوبة بخط اليد والأخرى المحفوظة في كمبيوتر، أظهرت أن بن لادن كان يبحث دائماً عن طريقة لتنفيذ ضربة كبيرة في الولايات المتحدة. وأضافوا أن زعيم «القاعدة» حثّ أتباعه على إيجاد سبل لتجنيد غير مسلمين مقموعين في الولايات المتحدة، وخصوصاً من أصول أفريقية ولاتينية، إضافة إلى وضع مخطط لتنفيذه بالتزامن مع الذكرى العاشرة لهجمات 11 أيلول.
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز)