عرفت النروج، أمس، ما قد يكون أسوأ يوم تعيشه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ أوقعت سلسلة هجمات نحو 27 قتيلاً وعشرات الجرحى على الأقل. المعطيات قليلة ومتضاربة مع تبنّي منظمة مجهولة تدعى «مساندو الجهاد العالمي» الهجماتبات للنروج ما يشبه 11 أيلول خاصاً بها. هكذا يمكن مقارنة الأجواء التي سادت، أمس، الدولة الاسكاندينافية الهادئة عادةً، بتلك التي عرفتها الإمبراطورية الأميركية في الساعات الأولى لهجمات 11 أيلول 2001؛ تفجير هائل دوّى في قلب العاصمة أوسلو، مستهدفاً المبنى المركزي للحكومة، أدّى في حصيلة أولية إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة اثنين حالتهما خطيرة، تلاه بعد وقف قصير هجوم مسلح على مخيم لشبيبة الحزب الحاكم في ضواحي العاصمة أوقع في حصيلة أولية أيضاً 20 قتيلاً، بحسب شهود عيان. في المحصّلة، عرفت النروج، أمس، أسوأ اعتداء في تاريخها الحديث منذ الحرب العالمية الثانية ربما. ووسط الصدمة، ظلّت الصورة أكثر من غامضة عن التفجير ومن الهجوم المسلح، وهو ما ظهر في حملة التنديد التي سارع معظم زعماء العالم إلى إعلانها، إضافة إلى عدم تمكن رئيس الحكومة النروجية نفسه، ينس شتولتنبرغ، أحد المستهدفين بالهجمات، من فهم ما حصل وخلفياته وأسبابه. وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس، ظلت المعطيات بشأن الحدث النروجي قليلة، اقتصرت على ترجيح الشرطة النروجية أن يكون المشتبه فيه في جريمة مخيم الشبيبة (20 قتيلاً) متورطاً في تفجير أوسلو، إضافة إلى إعلان منظمة مجهولة تماماً تُدعى منظمة «مساندو الجهاد العالمي» مسؤوليتها عن الهجومين، بحسب مصادر إعلامية نروجية.
في تفاصيل ما حدث أن انفجاراً هائلاً ضرب وسط أوسلو، وتحديداً مجمع المباني الحكومية فيها، عند الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر تقريباً بتوقيت النروج. تفجير أدى إلى تحطم جميع نوافذ المبنى المكون من 17 طابقاً ويضم مكتب رئيس الوزراء، ينس شتولتنبرغ، فضلاً عن عدة وزارات قريبة، من بينها وزارة النفط، التي اشتعلت فيها النيران. وتناثرت شظايا معدنية وحطام على مسافة مئات الأمتار، وارتفعت سحابة من الدخان فوق وسط المدينة. وأعلن رئيس الوزراء، في اتصال هاتفي مع إحدى المحطات التلفزيونية المحلية، أن كل الوزراء في حكومته يبدو أنهم سالمون، مضيفاً إن الانفجار ليس عادياً، بل «خطير جداً». وأشار إلى أن الشرطة طلبت منه عدم كشف المكان الذي يتحدث منه حرصاً على سلامته، إذ بدا أنه كان المستهدف الرئيسي.
وقال أحد الصحافيين الذي كان في المكان لحظة وقوع الانفجار إنه رأى «أشخاصاً يقفزون من المبنى، وكان ما يقارب الأربعين شخصاً ملقين على الأرض». وتابع: «وصل مدى تأثير الانفجار الى 25 كيلومتراً». وبعد دقائق من حصول التفجير، أطلق رجل يرتدي زي الشرطة النار على تجمع لشباب من حزب العمال الحاكم في جزيرة يوتويا الواقعة على مشارف العاصمة أوسلو، ما أوقع 20 قتيلاً على الأقل. وكشفت الشرطة أن رئيس الوزراء كان من المقرر أن ينضم إلى المخيم. وفيما ألقت الشرطة القبض على مطلق النار، فإنها أعلنت مساءً أن المشتبه فيه على علاقة بانفجار العاصمة.
وكدليل على الرعب والصدمة اللذين سيطرتا على الوضع، طلبت الشرطة النروجية من سكان العاصمة تجنُّب التجمعات الكبيرة، والبقاء في منازلهم، إذ صرح ضابط في الشرطة للصحافيين «يجب تجنب التجمعات الكبيرة والعودة الى المنازل وعدم مغادرتها».
ورغم إعلان المنظمة المجهولة «مساندو الجهاد العالمي» مسؤوليتها، نقلت وسائل الإعلام النروجية شهادات عن شهود عيان أكدوا أن الرجل الذي كان متنكراً بملابس الشرطة، ومسلحاً ببندقية رشاشة «مظهره يدل على أنه متحدر من شمال أوروبا».
يُذكَر أن حزب العمال النروجي الحاكم يصنَّف في خانة أحزاب اليسار الديموقراطي بالمعايير الأوروبية، وهو يحكم البلاد من خلال حكومة ائتلافية منذ عام 2009 مع كل من حزب الوسط النروجي والحزب الاشتراكي اليساري النروجي. والنروج، عضو في حلف الشمال الأطلسي، كانت مستهدفة بتهديدات وإن لم يكن بتفجيرات من قبل، وخاصة منذ مشاركتها في حربَي أفغانستان وليبيا.
وتسابق الزعماء العالميون للتنديد بالهجمات، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي ندد بـ «الاعتداء المقيت»، واضعاً خدمات بلاده في مكافحة الإرهاب بخدمة أوسلو، ومعترفاً بأنه لا معلومات لديه عن خلفيات الهجوم. وفي السياق، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في رسالة إلى رئيس الوزراء النروجي «لقد تأثرت بعدما أبلغت للتو بالانفجار الدامي الذي استهدف وسط أوسلو بعد الظهر»، مضيفاً «أدين بأشد العبارات هذا العمل الشائن وغير المقبول». كذلك دان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الهجوم التفجيري «المروع»، وهو ما فعله كل من رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبي ورئيس البرلمان الأوروبي يرزي بوزيك والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، اندريس فوغ راسموسين وعواصم غربية وعالمية أخرى.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)