لندن | بعد أكثر من عقدين على انتهاء الحرب الباردة، تبدو المؤسسة الأمنية الأميركية محصّنة من تداعيات الأزمة المالية الشديدة، بل تسيطر على كافة دوائر الدولة وتسخّرها لمصلحتها. ففي مركز بني اللون في صحراء ولاية أوتاه يجري تخزين تريليونات الرسائل الإلكترونية وعمليات البحث عبر الإنترنت والتعاملات التجارية الإلكترونية، فضلاً عن تريليونات الاتصالات الهاتفية، بحيث يجري تحليلها في مركز للتجسس على الأميركيين وغير الأميركيين لدواع «أمنية». المركز المعني بالتنصت الإلكتروني يبعد حوالى 40 كيلومتراً عن مدينة سولت لايك، بُني فوق مساحة مليون قدم مربع بكلفة 2 مليار دولار ويجمع مختلف البيانات عن اتصالات الأفراد الدولية، فيجري مثلاً تعقب اتصال أيّ شخص الى إيران ولو مرة واحدة، هذا ما كشفه تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أمس. ويقول التقرير إن هناك مركزاً مماثلاً يجري إنشاؤه في مدينة سان أنطونيو، في ولاية تكساس لتخزين البيانات.
ونسبت الصحيفة إلى جيمس بامفورد، وهو خبير يملك عدة مؤلفات عن وكالة الأمن الأميركية، قوله إنّ المركز سيجمع حتى عام 2015 سبتليون (وهو ما بعد التريليون ويعني الرقم 1 متبوعاً بـ 24 صفراً) من صفحات نصوص المعلومات. وأكدت الصحيفة أن القطاع الأمني الأميركي لم يتأثر بتاتاً بخطط التقشف على الرغم من الأزمة المالية الأميركية المستفحلة، بل على العكس، فالصناعة الأمنية التي تعرضت لانتكاسة في فترة التسعينيات عقب انهيار الاتحاد السوفياتي تشهد نمواً تاريخياً منذ الحادي عشر من أيلول 2001. وشبّهت الصحيفة الإنفاق الأمني بالحرب الباردة والعودة إلى مناخ نمو «مجمع الصناعة الحربية». وهو التعبير الذي استخدمه الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور في عام 1961، محذراً فيه من تعاظم «النفوذ الاقتصادي والسياسي وحتى الروحي» للمؤسسة الحربية الأميركية.
ولفتت الصحيفة الى أن وتيرة الهجمات الحربية الأميركية تسارعت في السنوات العشرين الماضية، حيث خاضت واشنطن خلال هذه الفترة القصيرة ثماني حروب، وهو أعلى بكثير من عدد الحروب التي خاضتها خلال ستين عاماً من الحرب الباردة. وقالت الصحيفة إنه في عام 2007 فقط، ووفق حسابات وزارة الدفاع الأميركية «بنتاغون»، نشر 190 ألف جندي أميركي، و115 ألف مدني في 909 مواقع عسكرية، في 46 دولة ومنطقة. هذه العسكرة باتت متأصلة في وعي المجتمع الأميركي، إلى حدّ أنها لم تعد تثير الاهتمام.
ونسبت الصحيفة إلى مؤلف كتاب «قوانين واشنطن: درب أميركا إلى الحرب الدائمة»، أندرو باتشيفيتش، الذي شارك في حرب فيتنام ويدرس في جامعة بوستون، قوله إن أي شخص يثير تساؤلات عن قوة الولايات المتحدة العسكرية، أو عن نفوذها الدولي وقدرتها على التدخل يجري تهميشه ويوصف بـ«الانعزالي المُذعن».
وقالت «فايننشال تايمز» إن سيد البيت الأبيض باراك أوباما لا يختلف عن سلفه جورج بوش في شيء، عندما يتعلق الأمر بالإنفاق الحربي. فمنذ توليه الحكم عام 2009 وسّع التزام أميركا بالحرب الأفغانية، قبل أن يطلق عملية انسحاب على مراحل بعدما قضى على أسامة بن لادن. ومع أن أوباما قلّم الإنفاق العسكري عند الأطراف، لكنه أبقى على كل ما فعله جورج بوش في الجوهر. فإلى جانب دائرة الأمن الداخلي، التي أنشئت بعد هجمات 2001، باتت الوكالات الواقعة خارج إطار الحرب على الإرهاب، مثل وزارتي المالية والعدل وتفرعاتهما، تضم أقساماً مختصة بمكافحة الإرهاب.