بغداد | لم يكن اللقاء التاريخي الذي جمع بابا الكنسية الكاثوليكية فرانسيس الثاني، والمرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني، في مدينة النجف (جنوب العاصمة العراقية بغداد)، أول من أمس، والذي دام أكثر من 40 دقيقة، خالياً من الرسائل السياسية، في ظلّ تمسُّك السيستاني بـ«لاءاته السبع»، بتعبير أكثر من مصدر متابع. وهذه اللاءات، المستوحاة من البيان الصادر عن مكتب السيستاني عقب اللقاء، هي: لا للحصار، لا للعنف، لا للظلم، لا للفقر، لا لكبت الحرّيات الدينية، لا لغياب العدالة الاجتماعية، ولا للتطبيع. البيان أشار إلى أن اللقاء تمحور حول «التحدّيات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية في هذا العصر ودور الإيمان بالله ورسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلُّب عليها»، مضيفاً أن السيستاني تَحدّث عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من «الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية، خصوصاً ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة». هذه اللفتة إلى فلسطين وشعبها حظيت بإشادة واسعة من مختلف القوى السياسية، خاصة تلك المحسوبة على محور المقاومة، التي عُدّ موقف المرجعية بالنسبة إليها متقدّماً جدّاً، ومواجهاً لرياح التطبيع التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وانحنت أمامها قيادات دينية وسياسية، بما يُمثّل أيضاً «ضربةً قاضية» لأحلام بعض القوى، الحالمة باللحاق بموكب التطبيع. وفي هذا الإطار، تَحدّث بعض المصادر عن أن وفد الفاتيكان «طلب غطاءً من النجف يُمَكّن أتباع الأديان الثلاثة من أداء حجّ سنوي إلى مدينة أور (المدينة الأثرية التي ولد فيها النبي إبراهيم، والواقعة في محافظة الناصرية جنوب البلاد)»، غير أن جواب المرجعية كان على عكس رغبة الضيوف، بحسب المصادر نفسها، التي امتنعت الأوساط المطّلعة على أجواء النجف عن تأكيد حديثها أو نفيه.
أعلن الكاظمي الـ6 من آذار/ مارس من كلّ عام «يوماً وطنياً للتسامح والتعايش»


السيستاني شدّد، أيضاً، على «الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحدّ من هذه المآسي، وحثّ الأطراف المعنيّين على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسُّع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة». كما شدّد على «أهمّية تضافر الجهود لتثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الإنساني في كلّ المجتمعات»، على أساس «رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية». ونوّه بـ«مكانة العراق وتاريخه وشعبه بمختلف انتماءاته»، مؤكّداً اهتمامه بأن يعيش «المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدستورية».
من جهته، ذكر الفاتيكان، في البيان الصادر عنه، أن «قداسة البابا زار في النجف آية الله السيستاني، وشدّد قداسته خلال الزيارة الودية على أهمية التعاون والصداقة بين الجماعات الدينية، حتى تتمكّن من المساهمة في خير العراق والمنطقة والبشرية جمعاء، من خلال تعزيز الاحترام المتبادل والحوار»، مضيفاً أن «هذا اللقاء كان فرصة لقداسة البابا حتى يشكر آيةَ الله السيستاني لأنه رفع صوته، مع الطائفة الشيعية، إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، مؤكّداً قدسية الحياة البشرية وأهمية وحدة الشعب العراقي».
على خطٍّ موازٍ، وعلى رغم الارتياح الذي خلّفته مواقف المرجعيّتَين، ثمّة من أراد استثمار زيارة البابا للتصويب على طهران، بالقول إن «الفاتيكان كرّس النجف كمقرّ للزعامة الشيعية على حساب حوزة قم» (مقرّ الحوزة الدينية في إيران). كما اعتبر هؤلاء أن الزيارة تسعى أيضاً إلى «تكريس أصوات الاعتدال الديني في مواجهة التطرّف، وهنا تكمن أهمية النجف والسيستاني، الذي يمثّل حاجزاً أمام مشاريع إيران في العراق». إزاء ذلك، تلفت مصادر مقرّبة من الدوائر الإيرانية المعنيّة بالملفّ العراقي إلى أن تلك الأحاديث كانت مُتوقّعة، خاصة أن الهجمة الإعلامية المستمرّة على إيران وحلفائها تفرض استثمار أيّ حدث في هذا السياق.
في هذا الوقت، كان لافتاً اقتناص رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الزيارة التاريخية للبابا، ليُعلن يوم الـ6 من آذار/ مارس من كل عام أنه «يوم وطني للتسامح والتعايش». وكان البابا استكمل جولته بزيارة مدينة أور الأثرية ومدينة الموصل ومدينة أربيل عاصمة «إقليم كردستان»، على أن يَختتم أنشطته اليوم بلقاء الكاظمي في بغداد.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا