بغداد | غابت مسألة انسحاب القوات الأميركية من العراق، والتي يطالب بها كثير من القوى السياسية العراقية، إلى حدّ كبير، عن زيارة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، المستمرّة حتى يوم غد إلى الولايات المتحدة، وحضر بدلاً منها «تفاؤل» المرافقين له، بفتح آفاق جديدة للشراكة مع الولايات المتحدة، تتجاوز العلاقات الأمنية إلى علاقات ترتكز على الاقتصاد والاستثمار. وجاءت الزيارة التي تدوم أسبوعاً كاملاً والتقى خلالها السوداني الرئيس جو بايدن، وعدداً من المسؤولين الأميركيين، في ظل توتّرات إقليمية، وخاصة بين إسرائيل وأميركا من جهة، وإيران من جهة ثانية. غير أنّ السوداني سعى إلى إبعاد الزيارة عن ذلك التوتّر ليركّز على إقامة علاقة متينة مع جميع الأطراف بما فيها إيران وأميركا، فضلاً عن رغبته في لعب دور محوري في تقريب وجهات النظر بين الأخيرتين.وإذ لم يَرد في كلام السوداني ما يشير إلى حضور قضية انسحاب القوات الأميركية من العراق كبند أساسي على جدول المحادثات، فإن من المتوقّع أن يكون لفصائل المقاومة موقف من ذلك، بخاصة أن الهدنة التي التزمت بها مع القوات الأميركية، مشروطة بتحقيق تقدّم في ملف الانسحاب الذي يجري التفاوض بشأنه. ومع هذا، يَرى عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عامر الفايز، الذي كان ضمن الوفد الزائر لواشنطن، أن «هذه الزيارة كانت تعزيزاً للحديث عن خروج القوات الأميركية من البلاد، وتأكيداً من العراق للولايات المتحدة بأن قواته الأمنية قادرة على إمساك زمام الأمور وبجاهزية عالية». ولكنه يقول، في تصريح إلى «الأخبار»، إنّ «الزيارة تهدف في المقام الأول إلى توثيق العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية والسياسية وغيرها»، لافتاً إلى أن «محاورها تركّزت على الجانب الاقتصادي وتطوير البنى التحتية عبر التعاون المشترك، وكذلك الاستثمار (...) وستكون عامل استقرار عبر توضيح رئيس الوزراء جميع الأمور الملتبسة، ومنها سعر الدولار وقضية المصارف المُعاقَبة وبقية الملفّات الحساسة، أمام الحكومة الأميركية».
ومن جهته، يرى عضو مجلس النواب، رعد الدهلكي، وهو كان أيضاً ضمن الوفد، أنّ «رئيس الوزراء يتحدّث مع الجانب الأميركي برؤية جديدة، وخاصة في قضية انتقال العلاقة بين العراق والولايات المتحدة من أن تكون مقتصرة فقط على الوضع الأمني واللوجستي، إلى محور جديد وهو الاقتصاد والاستثمار والنمو. ولذا، نحن سنعمل كأعضاء مجلس نواب على تشريع قوانين مهمة لتخفيف البيروقراطية والعقبات أمام الاقتصاد وإعمار مناطق العراق». ويضيف الدهلكي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هناك إصراراً حكومياً على الخروج من التعامل النمطي الذي اعتاد عليه العراق منذ عام 2003 وهو تعامل أمني - عسكري، إلى تعامل سياسي اقتصادي استثماري، وهذه نقلة نوعية».
بعض الاتفاقات هدفه تقليل الاستيراد الذي يؤدي إلى خروج العملة الصعبة، وما يرافق ذلك من مشكلات تخصّ تهريبها


وفي المقابل، يأمل النائب عن «الإطار التنسيقي»، معين الكاظمي، في أنّ «تكون نتائج الزيارة كما اتُفق عليها قبلها»، لافتاً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «الإطار يعوّل كثيراً على الزيارة، وفي الوقت نفسه نريد معرفة ما تضمّنه الحوار حول الانسحاب الأميركي من البلاد». إلا أن الكاظمي يرى أنّ «الأميركيين يريدون البقاء ويعتبرون أن هدف اللجان العسكرية المشكّلة بين الجانبين، هو تنظيم العلاقة وليس الانسحاب، وهذه فيها إشكالية كبيرة بين الولايات المتحدة والعراق».
ويشير إلى أنّ «هناك أطرافاً عراقية داعمة لخطوات السوداني في حواره مع بايدن وتعامله الديبلوماسي مع القضايا الثنائية، وأخرى تطالب بتفعيل الاتفاقيات التي تعجّل خروج الأميركيين من البلاد، وفقاً لجدول زمني معلوم ومتفق عليه بشكل رسمي بين الطرفين».
أما وزير النفط العراقي، حيّان عبد الغني، فيقول، لـ«الأخبار»، إن «مفاوضاتنا مع الحكومة الأميركية تناولت خطوات العراق في ما يخص استخدام الغاز وإيقاف عملية حرقه وتأثيراته على البيئة والمناخ»، لافتاً إلى أنّ «العراق يُعتبر من الدول التي أسهمت مساهمة كبيرة في خفض الانبعاثات الحرارية، إذ وضعنا نحن كوزارة خطة لإيقاف حرق الغاز كمرحلة أولى، على أن يتم استثمار كمياته التي تُحرق حالياً، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي». ويضيف أن «ثمة 20 شركة أميركية لديها الرغبة في المشاركة في جولة التراخيص الخامسة التكميلية، وكذلك جولة التراخيص السادسة والتي تتضمن 14 رقعة استكشافية غازية تقع في معظمها على الحدود الغربية للبلاد، والتي تبدأ من محافظة نينوى نزولاً إلى الأنبار». ويرى أن «الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس على مستوى الطاقة وإنتاج الغاز».
وبدوره، يرى المستشار الفنّي لرئيس الوزراء، محمد صاحب الدراجي، أنّ «الاجتماعات التي حدثت على هامش الزيارة كانت مهمة جداً، ووقّعنا تقريباً 15 اتفاقاً في مختلف المجالات ومنها الاستثمار والتعليم. وكذلك اجتمع رجال أعمال من الطرفين في غرفة التجارة الأميركية، وناقشوا كيفية الاستفادة من مؤسسات التمويل الأميركية، كمؤسسة التمويل الفيدرالية، لدعم القطاع الخاص العراقي وبناء مصانع وزيادة الناتج المحلي». ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الهدف من الاتفاقات هو تقليل الاستيراد الذي يؤدي إلى خروج العملة الصعبة من البلاد، وما يرافق ذلك من مشكلات تخصّ حركة الدولار وتهريبه، ولذلك لاقت دعوتنا ترحيباً من المؤسسات الأميركية. وفي المقابل، سنعطي ضمانات سيادية مقابل واردات القطاع الخاص إلى المصانع العراقية».