تقرير |
بغداد | توّجت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لبغداد، أمس، أشهراً من التحضيرات التي شملت معظم الملفّات الخلافية بين البلدين، وأبرزها موضوع "حزب العمال الكردستاني" من الجانب التركي، وموضوع المياه من الجانب العراقي، لتأتي الاتفاقات التي وُقّعت بين البلدين خلالها، وتعكس التوصل إلى مقاربة مشتركة لهذه القضايا، بما يُفترض أن ينقل العلاقات من الوضع الإشكالي الذي سادها على مدى سنين طويلة، إلى وضع أكثر استقراراً. وكان إردوغان قد وصل إلى بغداد، صباح أمس، في زيارة هي الأولى منذ 13 عاماً، ثم انتقل في ختامها إلى أربيل لإجراء محادثات مع مسؤولي إقليم كردستان حول «حزب العمال»، وقضية تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، والذي كان قد توقّف نتيجة قرار من المحكمة الاتحادية العراقية.
ورعى محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، وإردوغان توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون في مشروع «طريق التنمية» الاستراتيجي، والذي تعوّل عليه أطرافه لتعزيز النموّ لديها. وجاء المؤتمر الصحافي المشترك في ختام الزيارة، ليؤكد حصول كل طرف على ما أراده منها، إذ أكد إردوغان خلاله أنه «تم توقيع اتفاق مع العراق لاعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية من أجل مكافحتها والقضاء عليها بشكل نهائي لما تشكّله من خطر على بلادنا وعلى المنطقة. والعراق أبدى استعداده لذلك»، وهو ما علّق عليه السوداني بالقول: «إننا ننطلق من دستور العراق، ونتمسّك بعدم السماح لأي قوة بأن تستخدم أرض العراق منطلقاً للاعتداء على الجوار». في المقابل، وفي ملف المياه الذي يشهد خلافاً مزمناً نتيجة تحكّم تركيا بالكمية التي تسمح بتدفّقها إلى العراق من مياه نهرَي دجلة والفرات، أعلن السوداني «توقيع اتفاقات من شأنها تحديث منظومات الريّ، ستستمر 10 سنوات، وسيلمس العراقيون أثرها بشكل واضح، ولا سيما في ما يتعلق بحصة العراق المائية».
مذكرة تفاهم رباعيّة بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون في مشروع «طريق التنمية» الاستراتيجي


ويؤكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «الزيارة ستفتح أبواباً جديدة للعلاقات بين البلدين أساسها المصالح المشتركة، وأهمها معالجة الملف الأمني ووجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبالأخصّ في منطقة سنجار. وبناءً على نص الدستور العراقي، فإنه يُحظر أيّ نشاط لأيّ طرف داخل العراق وخارجه يستخدم الأراضي العراقية للإضرار بدول الجوار». ويتابع العوادي أن «مشروع طريق التنمية الذي حرصت بغداد على توقيعه أخذ حيّزاً كبيراً من الحديث، كونه يُعدّ من المشاريع الكبيرة بالنسبة إلى العراق وتركيا»، لافتاً إلى أن «هناك رسائل دولية إلى العراق وتركيا بأن يمضيا في هذا المشروع، وهناك رغبة عراقية - تركية قوية في استكماله». أما في ملف المياه، فيؤكد أن «هذا الملف يهمّ العراق كثيراً، وبالتالي حصل اتفاق استراتيجي بالنسبة إلينا». ويشير العوادي إلى أن «العراق يسعى إلى تصفير المشاكل مع كل دول الجوار، ويتعامل مع هواجس هذه الأخيرة. وبالنسبة إلى إيران وتركيا، الهاجس هو الملف الأمني، ولذلك يتحرك العراق بشكل حذر جداً، وكذلك بموضوعية ليطمئن جيرانه».
من جانبه، يصف النائب في البرلمان العراقي عن المكوّن التركماني، غريب عسكري، زيارة إردوغان بـ«التاريخية»، معتبراً أن «فيها اتفاقات قد تقود العراق إلى التعافي الاقتصادي، فضلاً عن حل المشكلات الكبيرة بين البلدين، ولا سيما وجود حزب العمال الكردستاني». ويقول عسكري، لـ«الأخبار»، إنّ «هناك تفاؤلاً كبيراً لدى العراقيين بالنسبة إلى تحركات الحكومة الاتحادية، وهي تفتح آفاق العلاقات مع جميع الدول، ومنها تركيا. ولذا، نحن كمكوّن تركماني، ندعو إلى تجنب الخلافات والتفكير في مصلحة البلدين اقتصادياً وأمنياً وغير ذلك». ويضيف أن «أزمة المياه ستُعالج، بعد حصول اتفاق ثنائي وهناك جديّة من الرئيس التركي للتعاون مع العراق».
أما الباحث في الشأن العراقي، علي جواد، فيرى أن «زيارة الرئيس التركي ضرورية للجانبين العراقي والتركي، لكن إردوغان شخصياً بحاجة إلى تحرّكات كهذه. وفضلاً عن ذلك، هناك مصالح مشتركة بين البلدين على كلّ المستويات الأمنية والاقتصادية والتجارية وحتى السياسية». ويرى أنّ «المفاوض العراقي ينبغي عليه كسب فرصة الزيارة لحلّ المشكلات الشائكة، ومنها توقف صادرات نفط إقليم كردستان عبر تركيا والمياه، وقصف أنقرة لقرى وبلدات عراقية» بحجّة وجود مقاتلي «حزب العمال» فيها، معتبراً أن «هذه الزيارة ستجعل علاقة العراق بتركيا أقوى». ويتابع أنّ «التركيز على إكمال مشروع طريق التنمية خلال الاجتماعات، هو دليل واضح على حاجة البلدان الأربعة التي يشملها، إلى اقتصاد قوي ومستدام ومتطوّر، والتنافس للدخول إلى السوق العالمية، وخاصة من قبل تركيا التي تطمح إلى ذلك».