بغداد | تسود أجواء من الهدوء بين إدارتَي بغداد وأربيل، إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، قبل أيام، للعاصمة المركز، واجتماعه مع رئيسَي الوزراء والجمهورية وقيادات من القوى السياسية لمناقشة القضايا العالقة التي أحدثت شرخاً كبيراً بين الجانبين، ولا سيما آلية صرف رواتب موظفي الإقليم، واستئناف التصدير من كردستان عبر تركيا، واللذين جرى توافق في شأنهما. وتأتي هذه التهدئة في ظل مساعي رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لتخفيف الأزمات، سواء الداخلية أو على مستوى الإقليم، عشية زيارتين طال انتظارهما، الأولى له لواشنطن في 15 الجاري، والثانية للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان لبغداد، في نهاية نيسان. ويؤكد عضو «ائتلاف النصر» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، سلام الزبيدي، أن أجواء زيارة بارزاني لبغداد «كانت إيجابية، على العكس من جميع المرّات السابقة، وربما كان هدف السوداني من الهدوء كسب ودّ الإقليم بعد إحباطه الشديد من قرارات المحكمة الاتحادية بحقه». ويلفت الزبيدي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «السوداني أصرّ على أن تكون العلاقة مع الإقليم إيجابية، وكذلك طلب من بارزاني أن يتراجع "الحزب الديموقراطي الكردستاني" عن قراره عدم المشاركة في انتخابات برلمان كردستان، لكن الأمر يبدو سياسياً وله حساباته». ويتابع أن حضور بارزاني اجتماع «ائتلاف إدارة الدولة» يدلّ على أن «الإطار التنسيقي» اتفق على جملة من الأمور مع كردستان، ومنها تمرير الموازنة الشهرية التي تصل إلى 920 مليار دينار كرواتب للموظفين والمتقاعدين في الإقليم. لكن زيارة بارزاني ما زالت بعيدة جداً عن تصفير المشاكل بين الجانبين، إذ استمرّ الاختلاف على موازنة كردستان المالية من جهة، وإيرادات النفط والموانئ والمناطق المتنازع عليها في كركوك منذ سنوات، من جهة أخرى.

يستمرّ الخلاف بين بغداد والإقليم على الموازنة المالية وإيرادات النفط والموانئ وكركوك (أ ف ب)

من جانبه، يرى النائب عن «الديموقراطي الكردستاني»، محما خليل، أن «التواصل بين بغداد وأربيل مهمّ للغاية، وخاصة بعد التصعيد في المواقف من قبل الطرفين، إثر قرارات المحكمة الاتحادية بحقّ الإقليم وما سبّبته من تبعات سلبية على الشعب الكردي». ويقول خليل، لـ«الأخبار»، إن «بارزاني سبق أن زار الولايات المتحدة قبل شهرين تقريياً. ولهذا فإن الاتفاق مهم على الملفات التي سيطرحها رئيس الحكومة الاتحادية في البيت الأبيض، وهناك أمور مشتركة يجب الحديث عنها قبل الزيارة، كالمواقف التي تتعلّق بالسياسة الخارجية وعمل وتراخيص الشركات الأجنبية العاملة لاستخراج النفط». وفي ما يتعلق بانتخابات الإقليم، يؤكد خليل أنّ حزبه «اتخذ موقفه النهائي، ولا تراجع عن ذلك، لأنّ المحكمة الاتحادية العليا كانت قراراتها غير منصفة، وهناك أشياء مقصودة ضد الإقليم مثل إلغاء الكوتا التي تعطي الحزب عدداً من مقاعد البرلمان»، مستدركاً بأنّه «في حال التراجع عن القرار، فبالتأكيد نرغب في إجراء الانتخابات البرلمانية والمشاركة فيها لحماية الديموقراطية في الإقليم». ويشير إلى أن «التوصل إلى اتفاق مناسب على رواتب الإقليم وبقية الاستحقاقات يحسب للسوداني وبارزاني، لكن هل هذا سيكون مستمراً؟ أم سيصطدم بمزاج القوى السياسية في بغداد، والتي دائماً ما تشنّ هجمة ضد الإقليم؟».
ما يمضي به السوداني من حلول مع الإقليم قد يتعارض مع رغبة الأحزاب السياسية


في المقابل، تقول النائبة عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، سوزان منصور، إن «بقاء الإقليم من دون برلمان مشكلة كبيرة، ربما بدأت آثارها تتضح على حياة الأكراد»، معتبرة، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الإشكاليات السياسية لا تمنع من إجراء الانتخابات، ونحن كاتحاد وطني ندعم إجراءها في موعدها المحدّد، ولا نرغب في تأجيلها». وتؤكد أنّ «حزبها داعم لكلّ حوار يجري بين حكومتَي الإقليم والمركز، لأنّه في النتيجة، المتضرر هو المواطن سواء الكردي أو العربي، وبالتالي الاتفاق على حل أزمة الرواتب من خلال التوطين خطوة في الاتجاه الصحيح». وتطالب منصور بالابتعاد «عن النزاعات السياسية والركون إلى التفاهمات لحلّ جميع المشاكل المتعلقة بالرواتب والموازنة والنفط وحتى الانتخابات في الإقليم، والتي تستوجب من الحكومة الاتحادية التدخّل وحلّها فوراً بعيداً عن كل ما يصدر من قرارات سياسية أو اعتراضات».
أما المحلل السياسي، جودت كاظم، فيرى أنّ جميع الحلول التي تمخضت عن زيارة بارزاني لبغداد، شكلية وليست جذرية، عازياً ذلك إلى أن «الخلافات متجذّرة ومستمرة لعدم التزام جميع القوى السياسية بالدستور، وتعاملها مع القانون وفق مصلحتها وأهوائها الحزبية». ويعتقد كاظم أن «قوى الإطار التنسيقي تسعى إلى إرجاع الحزب الديموقراطي الكردستاني للمشاركة في انتخابات برلمان إقليم كردستان، لكون عدم مشاركته وربما انسحابه من العملية السياسية كما لوّح سابقاً قد يفقدها الشرعية الحقيقية في السلطة، على اعتبار أن الديموقراطي هو من المصوّتين على منح الثقة للحكومة، وربما في الدورة المقبلة يرفض ذلك». ويلفت إلى أن غياب قيادات كبيرة من الإطار كرئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، وزعيم «حركة عصائب أهل الحقّ»، قيس الخزعلي، ورئيس «حزب تقدّم»، محمد الحلبوسي، عن الاجتماعات، يعكس حجم الخلافات السياسية في ما بينهم، وبالتالي فإن ما يمضي به السوداني من حلول مع الإقليم، قد يتعارض مع رغبة الأحزاب.