خلال الأسابيع الماضية باشر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشراء الدولارات، تمهيداً لتحويل حصّة وازنة من موجودات فرع تعويضات نهاية الخدمة المجمّدة لدى المصارف من الليرة إلى الدولار، ضمن الحدود المسموح له القيام بها لحمايتها من احتمالات انخفاض قيمة الليرة. بحسب المعطيات، اشترى الصندوق نحو 66 مليون دولار من المصارف، في خطوة ستلوها عمليات شراء إضافية قد تستعمل فيها أكثر من 2000 مليار ليرة من سيولة أموال نهاية الخدمة لتمويل عمليات شراء الدولارات وتجميدها في حسابات مصرفية، بدلاً من تجميدها في حسابات بالليرة اللبنانية. ويعتزم الصندوق زيادة حصّة الدولارات من موجودات فرع نهاية الخدمة إلى 20% بدلاً من صفر في المئة.

نُفّذت هذه العملية بسعر الصرف المعلن من مصرف لبنان، وهي تأتي بعد انخفاض قيمة الليرة اللبنانية في السوق الموازية وارتفاع احتمالات حصول خفض رسمي لقيمتها، ما سيجعل التعويضات المجمّعة في هذا الفرع تفقد نسبة كبيرة من قيمتها الاسمية. وتستند هذه العملية إلى قرار اللجنة المالية الصادر في عام 2012 والذي لم يطبّق بخصوص الجزء المتعلق بتحويل 20% من موجودات الفرع إلى دولارات.
هذه الآلية تنصّ على الآتي:
ــ يوظّف 80% كحدّ أدنى من أموال الضمان المتجمّعة تدريجياً من الإيرادات ومن استحقاقات التوظيفات بالليرة اللبنانية على أن تكون ما نسبته 50% كحدّ أقصى في المصارف لآجال قصيرة لمدة 12 شهراً، و50% كحدّ أدنى في سندات خزينة الدولة اللبنانية.
ــ 20% أقصاها بالعملات الأجنبية وفق الأولويات تتضمن ودائع بالعملات الأجنبية لآجال قصيرة أقصاها 12 شهراً، وإصداراً خاصاً من وزارة المال للضمان الاجتماعي، الاكتتاب بالإصدارات الجديدة في العملات الأجنبية، والشراء مباشرة من سوق اليوروبوندز الثانوي.
مواصلة الضمان القيام بهذه العملية، لا يستنزف احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، فالدولارات التي سيحصل عليها الضمان ستبقى في حسابات مجمّدة لدى المصارف لمدّة سنة، ما يعني أن الدولارات لن تخرج من السوق المحلية وسيتاح لمصرف لبنان امتصاصها مجدداً. إنما ما سيتغيّر فعلياً يكمن في بنية تركيب العملات المحليّة والأجنبية لدى المصارف التي ستقوم بهذه العملية وتوزّع المخاطر. أما بالنسبة إلى الضمان، فإن التغيّر الأساسي الذي سيطرأ عليه يتعلق بكمية المبالغ الموظّفة في حسابات مجمّدة في المصارف. ففي نهاية 2018 كان الضمان يوظّف نحو 4813 مليار ليرة في حسابات مجمّدة لدى المصارف التجارية مقابل 6089 مليار ليرة في سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. الفائدة الوسطية المثقلة على كامل توظيفات الفرع تبلغ 8.2%، ولدى الفرع ديون بقيمة تفوق 4000 مليار ليرة من ضمنها سلف المستشفيات البالغة 1200 مليار ليرة وديون سابقة على فرع ضمان المرض والأمومة بقيمة تفوق 2000 مليار ليرة وفواتير متراكمة يبلغ عددها 7.5 ملايين معاملة تُقدر قيمتها بنحو 960 مليار لغاية نهاية 2018.
جاءت هذه العملية لتكون أول إجراء يهدف إلى منح تعويضات العمال المتراكمة في فرع نهاية الخدمة نوعاً من الحماية تجاه تقلبات سعر الصرف واحتمالات انخفاض سعر قيمة الليرة تجاه الدولار بشكل رسمي، إلا أنه لا يقدّم أي نوع من الحماية تجاه مخاطر اقتطاع من الودائع أو من سندات الدين السيادية. وفي حال حصول أمر كهذا، فإن هذه الأموال ستتآكل كونها ليست مستثناة أو تحمل صفة امتياز يُعفيها من عمليات كهذه.
وأثارت هذه الخطوة الكثير من التساؤلات عمّا إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية تعويضات العمال في الضمان.
يعتزم الضمان تحويل 2000 مليار ليرة إلى دولارات يجري توظيفها في حسابات مصرفية مجمّدة


ثمة من يقترح ألا يتم حصر إجراءات حماية هذه الأموال بشراء الدولارات، ولا سيما أن قدرة الضمان على شراء الدولارات محدودة بقرار اللجنة المالية التي لم يتم تشكيلها منذ نهاية ولايتها، أي منذ عام 2012 إلى اليوم، وبالتالي لا يمكن زيادة حصّة الضمان في هذا الأمر. لذا، يجب التفكير بصورة أعمق تتضمن تنويع المخاطر عبر سلّة استثمارات. ربما يتطلب الأمر أن تكون هناك لجنة مالية لتحدّد ما هي الاستثمارات ذات المخاطر الأدنى والأعلى، إلا أن الأمر يوجب إعطاء الفرصة للضمان من أجل استثمارات في مجالات منتجة وليس تركيز استثماراته في الأدوات المالية السيادية والحسابات المصرفية المجمّدة. يمكن توظيف أموال الضمان في عمليات تحرير بعض القطاعات المطلوبة من لبنان والتي يسوّق لها من قبل مؤسسات دولية ومن قبل القطاع الخاص، مثل شراء أسهم في شركات الاتصالات، أو شراء أسهم في مؤسسة إدارة حصر التبغ والتنباك "الريجي"، أو شراء أسهم في شركة الميدل إيست التي ينوي مصرف لبنان بيعها، أو في كازينو لبنان، أو أي من المؤسسات المملوكة من القطاع العام والتي يروّج لبيعها رغم أنها تحقق أرباحاً.
دخول الضمان على خطّ هذا النوع من الخصخصة، قد يكون مفيداً. فهذه الاستثمارات تنطوي على مخاطر باتت أقلّ من مخاطر توظيف الأموال في الحسابات المجمّدة لدى المصارف بأي عملة كانت أو في سندات الخزينة. صحيح أن مردود بعض هذه الشركات سيتراجع، إلا أن ذلك لا يعني أنه سينقلب إلى خسائر، على الأقل في المدى المنظور. فشركة الميدل إيست على سبيل المثال تملك احتكاراً في عمليات الطيران انطلاقاً من لبنان، ومبيعات شركة الريجي ازدادت في الفترة الأخيرة بدلاً من انخفاضها بعد لجوء مستهلكي السجائر إلى الأصناف المصنّعة محلياً الأرخص ثمناً من تلك المستوردة، وإيرادات الخلوي لا تزال مرتفعة قياساً على التدهور الحاصل في الاقتصاد.