تختار باسكال لحود عباراتها بدقة، لكنها سرعان ما تجد الجسور لترصف عليها أفكارها. في «فلسفة العلوم بتوقيت بيروت: الحاج وحبشي ونصّار إزاء العلم وقضاياه» (منشورات جامعة روح القدس) الذي يتناول سيرة ثلاثة لبنانيين من المشتغلين في الفلسفة، تقدّم الأكاديمية والباحثة اللبنانية فرضية متماسكة عن علاقة بين الفلسفة والحيّز الجغرافي الذي تخرج منه. والفكرة إشكالية بالنسبة إلى العارفين في الفلسفة والمشتغلين فيها. لكن صاحبتها لا تتلطى خلف تصورات ايديولوجية، بل تحاول الوصول إلى حقيقة فرضياتها وفقاً لمنهجها الأصلي: «فلسفة العلوم». الكتاب ليس سوى حلقة في سلسلة اشتغالاتها الطويلة ونتاجها الكُتبي والبحثي، ولأن الفلسفة ملتزمة بقضايا المجتمع، وليست تنظيراً في الهواء، لدى لحود ما تقوله في بلاد واقفة على منعرج الحداثة، في الفلسفة نفسها وفي ما يتشعب منها، أو ما يدور حولها من قضايا كبيرة، كالحداثة والحرية والمرأة. بالنسبة إليها، الأسئلة أهم من الأجوبة. ربما لأنّ الطريق أهم من الوصول، لأنها أفضل من التسمر في فترة زمنية أكثر من اللزوم. الأسئلة تنبع من المكان ومن أرواح العصور، لكن الإجابات ليست في الماضي. وعلى هذا الأساس، تتحدث عن النص الديني. خلال المقابلة وبعدها، تشعر باسكال لحود دائماً بأنها تحتاج إلى مزيد من الشرح. بالنسبة إليها، فلسفة العلوم، أكثر من منهج، بل أسلوب حياة: لا يجب أن تتوقف الأسئلة.
سنبدأ الحديث عن كتابك الأخير: «فلسفة العلوم بتوقيت بيروت». قبل القراءة قد يكون السؤال البديهي عن شخوص الكتاب المختارين بعناية. وبعد القراءة سيوضح المنهج سريعاً ما يجمع كمال يوسف الحاج، ورينيه حبشي، وناصيف نصار وما قد يفرقهم. هل يحق الافتراض إذاً أن صفة التوقيت تعود إلى الزمن الذي تبلورت فيه الأفكار وظهرت، أي الفترة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية مباشرة، أكثر من كونها صفة تلازم المدينة نفسها؟ وإذا كان هذا صحيحاً أم خاطئاً، على المستوى النظري، هل كانت هذه الفلسفة أثراً ناجزاً لما سبق ولادة الكيان ومستفيداً من هوامش الحرية والتفكير، أم أنها مساهمات استثمرت في البناء الأيديولوجي خلال الحرب وبعدها؟
- يمكننا أن نتفق أن هؤلاء الفلاسفة الثلاثة استشعروا الأزمة. ناصيف نصار مثلاً بدأ كتاباته بالتزامن مع النكسة، وهو نفسه يقول إنه بدأ من اليأس. ولذلك لا يمكن أن يتجاوز هذا اليأس إلى يأس آخر. وقد سمّيته مولوداً في «برج الهزيمة» انطلاقاً من هنا. كل مشروعه الفلسفي للخروج من خرائب هزيمة 1967، والتي تعد الحرب اللبنانية، على الأقل في انطلاقتها، من الهزات الارتدادية للنكسة. ولكن بالنسبة إلى تأثير أعمال الأشخاص الثلاثة في الحرب، فهذا ليس صحيحاً برأيي. كمال الحاج الذي يصنّف يمينياً، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، كان منظراً للقومية العربية والأمة اللبنانية، وكان منظراً للغة العربية. رينيه حبشي كان منظراً للمتوسطية. لم يكن لديهم أفكار حادة متصلة مباشرةً بالمسألة اللبنانية. ربما كانت هناك محاولات لاستغلال اشتغالاتهم، لكني لا أعتقد أن هذه المحاولات ناجحة. في وسطنا، الفيلسوف الذي يعمل في الفلسفة ليس رمزاً، أو صاحب تأثير بما يكفي. المثقف المفضّل هو الشاعر ربما، أو أي مثقف آخر، لكن ليس الفيلسوف. دعني أستعير هنا وصف إلهام الحاج عن كمال الحاج في أطروحتها لتوضيح وجهة نظري: «الطربوش الفلسفي للبورجوازية اللبنانية». في الواقع، لم يكن كمال الحاج محبوباً في القاعدة المسيحية العامة، لأنه بالنسبة إليهم لم يكن لبنانوياً بما يكفي، وكان عروبياً. وبالنسبة إلى الطائفية التي أصرّ عليها ودافع عنها كشرط كياني، فهي تنتزع الآن من خطابه، بعد إعادة اكتشافه، وهذا بعد انتهاء الحرب بكثير. يمكنني القول إنه خلال الحرب، لم يكن هناك أي أثر للفلسفة.
لم يكن كمال الحاج محبوباً في القاعدة المسيحية العامة، لأنه بالنسبة إليهم لم يكن لبنانوياً بما يكفي، وكان عروبياً


تتحدثين عن حالة تشبه «اليقظة» أو الاستنفار، في حالة المتفلسفين الثلاثة، انطلاقاً من فهم وتصور جدي لحالة الفلسفة اللبنانية تاريخياً وموقع الفلسفة نفسها عبر أهلها وإنتاجهم في المجتمع. لكن من المآخذ المطروحة، هو مركزية القضية اللبنانية في الاختيار، وليس مركزية المجتمع الذي ترتبط الفلسفة بقضاياه وفي حالتنا يمكن القول إنه المجتمع اللبناني. فإذا كان شرط الاختيار هو «أصالة» علاقة المتفلسفة بالمجتمع، لماذا استبعاد أشخاص مثل مهدي عامل وحسين مروة من «توقيت بيروت» الذي نتحدث عنه؟
- بالتأكيد كان استحضار هذه الأسماء ممكناً. الاختيار ـ ورغم أني بررته ـــ مثل أي اختيار، يحتوي على نسبة معينة من الاعتباطية. ما قدمته هو نموذج. وقد ذكرت في كتابي أن هذا لا يعفي من ضرورة وجود دراسات أخرى عن آخرين. تالياً لا يمكنني الادعاء أن الشخصيات الثلاث رغم أهميتها هي تمثيلية. أوافقك أن هؤلاء الثلاثة لديهم مشتركات معينة، فثلاثتهم مسيحيون، وثلاثتهم درسوا في فرنسا.

حتى إن رينيه حبشي كتب بالفرنسية فقط، على عكس كمال الحاج الذي كان متمسكاً بالعربية...
- هناك تنوع بين الثلاثة لكنه تنوع ضمن فضاء واحد. لكن عندما اخترت «توقيت بيروت»، كان اختياراً رمزياً يقود إلى الجغرافيا لا إلى العصر. أما ارتباطهم ببيروت، فيأتي في سياق نقاش طويل عن الفلسفة اللبنانية وخصوصيتها. كما تعلم، هناك من يقول إنه ليس من فلسفة لبنانية خارج الفلسفة العربية والإسلامية، وهناك نقيض لهذه الفكرة، يمثلها من هم مثل كمال الحاج الذي يقول إن ثمة فلسفة لبنانية عبر العصور، ولديها شخصيتها الخاصة وإن نطقت بالعربية. الفكرة من «توقيت بيروت» بالنسبة إليّ تقع بين فكرتين: سواء اعترفنا بلبنان كوحدة قومية مستقلة، أو كغلطة تاريخية، فإن التفكير في بيروت مختلف عن التفكير في اليمن أو في الخرطوم. ولا أنطلق من الأيديولوجيا هنا إنما من الفلسفة، لأن شيئاً ما يأتي من المكان لا يمكن التغاضي عنه. وقد حاولت في الكتاب أن أبيّن أن ما يأتي من المكان، وهو بيروت بوصفها استعارة تدل على لبنان، هو مشترك في أعمال المفكرين الثلاثة على اختلاف مشاربهم. هناك مناخ من الحريات في لبنان وهناك اتصال بالغرب، لعب دوراً في تطور هذا النمط من التفكير، وإن كان مستورداً أو تنقصه الكثير من الجدية، وفي نشوء هذه الأفكار في لبنان، وليس في أي مكان آخر.

في معرض تفسيره لعلاقة الزمن بالأشياء، يقول هايدغر إن لفظة «الشيء» تطلق على كل ما هو ليس عدماً، ويشرح دور الهاجس في تحديد قرابة الأشياء من بعدها. هل يحق لنا الافتراض أن «الانخراط في طبقة التاريخ السميكة»، قد ينزلق للتمظهر كهاجس؟ يمكننا أن نعطي مثالاً عن ذلك الدمج بين مفهومي الدولة والمجتمع في فلسفة كمال يوسف الحاج، ما أدى إلى الانزلاق إلى موقف مدافع عن الطائفية، صار التراجع عنه صعباً؟
- كمال الحاج لم يكترث لهذا النقد طوال الوقت، فقد اعتبر الفلسفة معاناة ذاتية وتأريخاً ذاتياً. وبهذا المعنى كان يتحدث عن هواجسه الشخصية فعلاً، وهو لا يقيم وزناً للموضوعانية. بالنسبة له الفلسفة تعبير عن معضلاته وعن أوجاعه، وتالياً لا تنفصل عنه كشخص، وثانياً كمنتم إلى مجموعة، وهي تحقيق قومي وتحقيق سياسي، علماً أن الفلاسفة الآخرين لا يوافقون على ذلك.

سواء اعترفنا بلبنان كوحدة قومية مستقلة، أو كغلطة تاريخية، فإن التفكير في بيروت مختلف عن التفكير في اليمن أو في الخرطوم


يمكننا القول إذاً إن «تاريخية الفلسفة اللبنانية» التي يتحدث عنها كمال الحاج، ليست إلا «تاريخية الكيان اللبناني» نفسه، التي هي موضع سجال جدي بالنسبة إلى كثير من المؤرخين؟
- علينا أن نتفق على تعريف التاريخية أولاً. لكن الفلسفة اللبنانية بكل تأكيد مرتبطة بتصوره عن الكيان نفسه. عندما تضع الفينيقيين والإمام الأوزاعي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة في السياق نفسه، وتنظر إليهم كما لو أنهم في طريق واحد يقود إلى الحاضر، فأنت تقرأ التاريخ بطريقة استعادية، وبطريقة أيديولوجية أيضاً.

لسيرة المتفلسفة اللبنانيين، وانطلاقاً من الحدث الذي بات قريباً، بتكريم أدونيس ضمن سلسلة «اسم علم» (السادسة والنصف من بعد ظهر اليوم في مركز الجامعة الرئيس في الحدث) في الجامعة الأنطونية التي تشرفين عليها، وعلى مستوى المنهج والخلاصات، أين يتموضع أدونيس «العربي» في مواقفه الفلسفية والسياسية عموماً، خاصةً أنه سوري، إلى جانب من يمكن أن يجلس من المشتغلين في الفلسفة؟
- أدونيس قامة فريدة، وأعتقد أن اختياره لا يحتاج إلى تبرير، فهو حاضر في الثقافة العربية، ويقع في مركز تتقاطع فيه الفلسفة بالفنون. عندما بدأنا بإطلاق سلسلة «اسم علم»، كانت مرتبطة قطعاً بالفلسفة وبالعلوم الإنسانية، ولم تكن تذهب باتجاه الفنون. ليس هناك أي سبب مباشر لاختيار أدونيس هذا العام تحديداً. قفزنا هنا إلى فكرة جديدة ولكني أراها مهمة: مسألة الحدود بين الفلسفة والفنون. هذه فكرة مشتركة بين نصار والحاج وحبشي أيضاً. لقد سأل هؤلاء أنفسهم: هل ما نقوم به فعلاً هو فلسفة أو تفلسف؟ هناك رأي شائع أنك ما لم تعمل وفق منظومة فلسفية محددة وواضحة على غرار المنظومة الهيغلية، فإن ما تنتجه ليس فلسفة، وقد يكون شعراً أو أدباً أو أي نوع آخر من الفنون. أدونيس هو شِعر يفكر بنفسه، وهو صاحب مشروع فكري أيضاً، وهو صاحب موقف من التراث، الذي هو أحد المآزق الرئيسية للتفكير في منطقتنا. يمكننا هنا أن نذكر بدعوة ناصيف نصار لوفاء خلاق للتراث، لبناء موقف نقدي منه، قبل الانطلاق في أي مشروع فكري.

أدونيس هو شِعر يفكر بنفسه، وهو صاحب مشروع فكري، وهو صاحب موقف من التراث، الذي هو أحد المآزق الرئيسة للتفكير في منطقتنا


شاركت أخيراً في ندوة احتفائية بترجمة كتاب الشيخ شفيق جرادي (هل الدين نزعة إنسانية؟) إلى الفرنسية، وفي تعليق لك ذكرت أن الكتاب يعيد للتاريخية معناها كمجال للسؤال والتفكّر. برأيك هل تستخدم هذه النزعة التاريخية من الباحثين الإسلاميين عموماً كأداة محايدة دائماً؟
- أعتقد أن فكرة التاريخية لم تصل إلى مداها الصحيح في الإسلام. في حالة الكتاب الذي ذكرته، كنت أتحدث عن فصل محدد في الكتاب. وهذا الفصل يتحدث تحديداً عن «السؤال». وكما تعلم، في الفلسفة، عندما نتحدث عن السؤال، نكون قد رفعنا السقف كثيراً. لكن هذا السقف انخفض في بقية فصول الكتاب. في النهاية، إذا أردنا الذهاب بالتاريخية إلى أقصى درجة، فعليك أن تبدأ بتاريخ النص.

يعرف متابعك من دون الحاجة إلى البحث أنك من المهتمين بقضية المرأة، وأقصد تحرر المرأة من الهيمنة. هل تكفي الأسئلة والتفكّر للوصول إلى الحقيقة، أم أن الخطاب الأنتروبولوجي والسيميائي في مجتمعنا بات متقدماً على حضور الفلسفة في المجال العام؟ هل المرأة حاضرة داخله كذات في الخطاب الفلسفي العربي أو في نتاجه؟
- الفلسفة متعددة. هناك نصوص فلسفية يستحيل أن تكون كاتبها امرأة. جاك دريدا يفسر ذلك في أحد النصوص، حيث أن الذات المقصودة كانت ذاتاً ذكورية تلتقي ذاتاً أخرى هي امرأة. ولكن لا بد من التذكير طبعاً بتراث طويل من تهميش النساء في الفلسفة ابتداء بأفلاطون، والتذكير بأن عدم حضورها في الفلسفة هو شكل من أشكال عدم حضورها في الساحة الثقافية عموماً. ليس هناك شاعرات عربيات بقدر الشعراء العرب مثلاً. الفلسفة التي هي تعبير عقلاني عن شكل الوجود نسِبت في مجتمعاتنا الذكورية إلى الفحولة، وألزمت المرأة بالحديث في الأدب والشعر أو ضمن أي خيار آخر يحاول تأطير المرأة ككائن تابع أو خاضع للهيمنة.

انطلاقاً من خلفيتك الفلسفية، وعلى مستوى المجتمع وفي انعكاساته في السياسة وغيرها من المواقع، هل تعتقدين أن المرأة العربية واللبنانية تحقق المكاسب أم أن العالم الخارجي ما زال يتجاوزها كذات بسبب اضطرارنا الدائم للعودة للحديث في البديهيات؟
- كانطباع عام، وفي مسألة الحقوق، يمكنني الافتراض أنّ ثمة تقدماً على مستوى الرأي العام. مخجل الآن أن تقول إنك ضد منح المرأة جنسيتها لأولادها، وهناك رأي عام يرفض تزويج القاصرات، ويرفض العنف الزوجي. لا يمكننا القول إنه ليس هناك أي تقدم. ولكن نحن في القرن الحادي والعشرين، ويجاور هذا التقدم خطاب ديني يتقدم بدوره. نجد أنفسنا بحاجة إلى أن نبرهن أن العنف لا يمكن تبريره وأن المرأة إنسان. باختصار، تحاول أن يشدنا إلى الوراء خطوات تتجاوز الخطوات التي نتقدمها بكثير. الرأي العام تراكمي، وهذا يظهر بوضوح في السياسة، في لبنان مثلاً. المطالبات بحضور المرأة في المشهد السياسي انتهت بإجراءات شكلية تساير الرأي العام، لكن الخيار ليس سلبياً بالمطلق، وليس إيجابياً بالمطلق. لكن يجب الانتباه إلى أن أي ظواهر «فاقعة» بين السياسيات، لا تلغي ظواهر أشد فقعاً بكثير بين السياسيين الذكور. السياسة مأزومة في بلادنا. ولا يتوقف الأمر على لبنان، هناك صعود للخطاب الديني في المنطقة، وهناك تعامل إعلامي سطحي مع هذه القضايا. لا يلغي ذلك أن حداثتنا اللبنانية التي نتغنى بها هي مجرد قشرة وتوجد تحتها ظواهر مهولة.

في مقابلة سابقة، تحدثت بإيجابية عن النزعات الهرمنوطيقية في قراءة النص الديني، مثل علي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد. لكن يلمس القارئ تشاؤماً كبيراً في المشهد المعاصر. هل تعتقدين أن صعود العنف من النص إلى الواجهة، والحديث هنا عن التطرف والتفجيرات بمعزل عن الخوض في الأسباب السياسية المباشرة، سببه الانتصار على محاولات الإصلاح، أم أن ثمة اهتزازاً حقيقياً في القيم وتحولاً في النظرة إلى الأخلاق، بسبب التدخل الغربي؟
- برأيي، لا علاقة خطية - أفقية بين النص والسلوك على بُعد 1400 عام. النصوص الدينية مثل أي نص، تحتوي التعدد. ما نعرفه من القرآن مثل ما نعرفه من التوراة أو من الإنجيل وهو جزء يسير. الاختيارات تحدث تبعاً للحظات الإيديولوجياً، وعلى أساس خيارات سلطوية، تضيء على ما ترغب به من النص. وهذا حدث في المسيحية، فالمسيحية لم تخترع «ما لقيصر لقيصر وما لله لله» عندما دخلت العلمانية، كان هذا موجوداً من قبل، لكن بلا ضوء كاف. لكن بصراحة أيضاً، لدينا مشكلة مع النص. النص بحاجة إلى تأويل وإلى مساءلة. هل يجب أن نبقي على مفهوم «اضربوهن» أم نذهب للبحث عند ابن منظور عن معنى آخر؟ هل نبحث في سياقات النص؟ يجب أن نأخذ موقفاً في النهاية. هل هناك ما ملكت أيمانكم؟ هل هناك جن؟ وسورة الكهف كيف نفسرها؟ يجب ترتيب العلاقة مع النص لأنه أحد المبررات الأساسية للعنف. ولا يمكن أن يظهر من يقول «لا يمكننا تكفيره»، فتصير هذه اللازمة كعباءة دينية للعنف.

يجب ترتيب العلاقة مع النص لأنه أحد المبررات الأساسية للعنف


ننتبه إلى هذا عندما نواجه عنفاً يفيض عن الواقع، ماذا عن التجارب الإسلامية الأخرى التي تندمج في الدولة، لكنها تلتزم بالنص وتحتمي به كمرجعية؟
- العنف يربط نفسه بالنص ويمنح المشروعية لهذا العنف. هذه الورشة يجب أن تبدأ، وأقصد مواجهة النص بالأسئلة. وقد ذكرت في مقابلة سابقة أن الأجوبة ليست في الماضي. النص من الماضي مهما كان مقدساً.

هل ثمة علاقة بين كل هذه المسائل ومسألة تراجع الحريات في لبنان أخيراً؟
- الحريات في لبنان تشهد تراجعاً مستمراً منذ فترة. لكن لدي شعور، منذ بداية وعيي بالرأي العام، أن ما نقوله في لبنان عن الحرية مبالغ فيه. ثقافة الحرية عندنا متدنية وهشة. هناك سلسلة شروط يجب أن تحترمها في لبنان كي تقول رأيك من المقدّس وغيره. لا يبقى من الحرية شيء في هذه الحالة. الحرية هي أن تكون حراً، حتى في أن تطلق نكتة سفيهة، أو أي شيء. في بريطانيا، هناك مدرسة في انتقاد شكسبير إلى درجة القول إنه مخترع، ولم يؤثر ذلك في مرجعيته. نقد الديكارتية القاسي في فرنسا لعب دوراً في أسطرة ديكارت للفرنسيين. نحن ما زلنا هنا نخترع الرموز ولا يمكننا انتقادها.

الحديث عن الديموقراطية والدولة والإسلام والحرية ليس جديداً، وكما تعلمين صار مستهلكاً. لكن الإنسان الذي وجد نفسه «مرمياً» في هذا العالم، وبعد أن ينتبه إلى أنه كان معلقاً بشيء ما، يحق له ربما الأمل، مع أن العاملين في الفلسفة لا يحبّون الأمل، لكن هل يوجد أي أمل؟
- يمكنني الحديث عن لبنان. ولا أجد أي أفق، هناك اهتزاز كبير في هذه المسألة. أضف إلى ذلك، الديموقراطية مأزومة في المنطقة بأسرها. لبنان مرتبط بالمنطقة، والأصوليات في حالة صعود يوازيها تراجع في الديموقراطية كثقافة.