أسمعُ ضجيج الموسيقى ولا أفهمُ شيئاً، إلّا أنّ شهوة الجمال في داخلي تلتقطُ سرّ الألحان بسحرٍ رهيب...أصفّق بيديَّ الصغيرتَين كما رأيتُ الطفل الصغير يفعلُ في التلفاز... أشعر بالبرد الشديد وبالحاجة إلى أحضانٍ اعتدتها يوميّاً ولكنّني لم أرَها اليوم... حتى طبقُ الطعام الذي جاءني اليوم كان طعمه مختلفاً كليّاً: ثمَّة نكهةٌ مِن الحب والعطاء غير موجودة فيه...
ما الذي يحدث اليوم أيها الكون الكبير؟

خوسيه مَانْوِيلْ ميريّو ـــ «طفولةٌ» (زيت على قماش، 2007 ــ تفصيل)

تزور الحرارة جسمي فجأةً فأبكي، ولكنّ المرأة أمامي لا تلقي إليَّ بالاً، وتبقى منشغلة بشيء صغير لا أعرفه تحمله بين يديها. أحسُّ بخيبة الأمل لأنّ هُناك في هذا الكون الكبير ما هو أصغر منّي ويحتاج أكثر منّي إلى الاهتمام. أبكي حتى أشعر بالتعب، فتنتشلني يدٌ خشنةٌ أحسُّ بقساوتها. ترفعني عن الأرض بشدّة وهي تتمتم بكلماتٍ متذمّرة غير مفهومة...
سابقاً، لم أكن أشعر بالوقت. كان اليوم يمرّ عليّ بخفة النسيم وطلاقة فراشةٍ حرّة تسبحُ في هذا الوجود...
فما الذي يحدث اليوم أيها الكون الكبير؟
أشعر أنّ عمري صار مئة عام... لا أستطيع التمييز بين الضوء والظلام... هُناك حلقةٌ مفقودةٌ في داخلي... صوتٌ أفتقدُ سماعه... رائحةٌ تُشبه رائحة الطعام الذي أحبّه جدّاً مُغيّبة عن أنفاسي هذا النهار!
فجأة أشعر وكأنّني نهضتُ مِن سباتٍ عميق... ضجيج أولادٍ ينبعثُ من المكان الذي أنا فيه...
كثيرون يُشبهونني هنا ولستُ وحيداً... يغريني المشهدُ كثيراً فترتسم بسمةٌ بريئة على شفتيَّ الصغيرتَين. لكنّ صوتاً غضوباً يلعلع في القاعة يقطع سِحر ابتسامتي، وتخفيها تماماً كفٌّ ضخمةٌ تضربُ خدّ طفلةٍ وجهها كالقمر!
تزداد ضرباتُ قلبي شدّة... ويرقص الخوف في داخلِي كما رقص الطفل الذي رأيته في التلفاز.
لا أجد مهرباً غير النوم. أغفو. أنام بعمقٍ لأوّل مرة منذ قدومي إلى هذه الحياة، ولكنّ عمق نومي ليس راحةً بل هُروب مِن عالمٍ مظلمٍ مُخيف...
يطلع الصباحُ والوقت لم يسعفني كي أحظى بحضن مَن أفتقدها... كي أستلذَّ بسماعِ صوتها... كَي تُسكرني ضحكاتها وتسقيني مِن شهد الأمومة الذي لا يُضاهيه شيء...
ها أنا مُجدّداً في تلك القاعة المزدحمة بالأطفال، إلّا أنّها تفتقدُ لبهجة الأطفال...
ماما، اشتقتُ أن أكون طفلكِ!

* فريتاون/لبنان