ترجمة وتقديم: محمد العرابيولد أدريان ألوي غيورغي في عام 1958 في رومانيا. في عام 2004 حصل على درجة الدكتوراه في فقه اللغة. نشر مجموعة من القصائد للمرة الأولى عام 1974 في مجلة «كرونيكا». صدر ديوانه الأول «احتفالات خبيثة» عام 1985. واصل كتابة القصائد، ونشر ديوانه الثاني «قصائد بالأبيض والأسود» بعد ذلك بعامين. ثم تتابعت مجموعاته الشعرية: «حميمية الغياب» (1992)، «أغاني لدفن الأحياء» (1993)، «أخي، الغريب» (1995)، «الناجي وقصائد أخرى»، «تيتانيك سوايزر»، «التواطؤ»، «جالوت»، «الملاك المخلوع»، «الغريب»، «الرجل العجوز ومارثا»، «رومانيا في متناول الجميع»، «مجد الشفقة»، «ما الهدف من العيش في رومانيا؟»، «الشباب بدون شيخوخة والشعور المأساوي بالوقت»، «الأب جاستن بارفو وأخلاق الحياة المكتسبة» «الجسر»، «قصائد مختارة»، «مع الأب جاستن بارفو حول الموت، التضحية والحب»... قاد السلسلة الأدبية «شباب بلا شيخوخة» وعمل في مجال التدريس. كما شغل مناصب قيادية، كمدير لمفتشية الثقافة في مقاطعة نيم. تعامل مع أهم المجلات في البلاد. وهو من المؤسسين للعديد من المنشورات الأدبية في مدينة نيامت. واعترافاً بمزاياه ومساهماته، حصل على الجائزة الوطنية لاتحاد الكتاب الروماني ووسام الاستحقاق الثقافي برتبة فارس وضابط. من إغواء الواقع اليومي، ابتدع أدريان ألوي غيورغي منهجاً خاصاً للخروج من المشترك. إذ تمكن بموهبة، أن ينتقل من المبتذل، من حياة كل يوم، ليجعل لغته تضيء برمزية شفافة لا تعوزها «وقاحة السرياليين». العالم الذي ينسج خيوطه تعبره مسحة ساخرة لا تخطئها العين، إذ يستطيع بسهولة أن يعبر بين عالم من المرايا، المشوّهة والفاتنة، المليئة بالخدوش والآهلة بالصور والأسماء التراثية، تجعل من الكوة «التي ينظر من خلالها إلى العالم تتمتع بشفافية» أكيدة. أدريان ألوي غيورغي يفهم العالم على أنه كتابة إلهية، وهو ليس مستعداً بعد لفصل نفسه عنها بالنسيان - بمجرد إعادة إنشائها من خلال الشعر. شعر العالم. يضع الشاعر هذا التحذير في مستهل أحد كتبه: «إنه منزل مليء بالقصائد»، وهذا التنبيه شديد الدلالة، إذ يخبرنا عن المصادر التي يمكن أن نستعير منها الشعر، ممثلة في اليومي، والحوار العابر الذي يجري بين كل الناس، ولا يمكن أن نتوقع منه أن يحملنا إلى مقام غير التواصل وإبلاغ المعنى: «جاء طفل الجار/ ليستعير قصيدتين/ «فقط حتى الثلاثاء»، قال أبي!».



أحببت القدم حينما لم أكن أعرف أنّها
قدم
وبشرة اليدين أحببتها
حينما لم أكن أعرف أنّها تشبه ورقة صبّار رماديّة
أحببت القلب، يا إلهي! كان يقفز بين
أضلعي مثل مصاب بالصّرع،
مثل ضفدع مصعوق على مهل مع جذور
النّعناع،
مع خيطين من موسيقى،
عضضت لساني وألفيت مذاقه لذيذاً
ابتلعت دموعي
وبدت لي كأنّها حبّات عيون
كأنّها أهداب عيون ثقيلة للغاية
عبرها، ليل نهار، تغادر الأوهام العالم
وفي هذه اللّحظة صادفت أوّل إنسان.
مخلوق
يشبه الشّمس التي تخرج صباحاً من الرّمل عن طريق هزّ
الشّرائط التي تحملها في خصلات شعرها
وبعدها تزاوج
مع كلّ الحيوانات.
مخادع مثل الأهرامات التي
تلهي الموت بأسرارها،
ولقد وبّخته:
المجد للشّفقة!
وبّخته: كيف أمكنك ربط كوكبتين من نجوم الدّم
بهذه العروق الشّبيهة بأسلاك الحديد؟
كيف تسمّي المطر
إذا لم تكن تعرف إلّا اسم
ماء ديدان الأرض في دلو القمر؟
ماذا نسمّي الشّجرة؟
شجرة.
ماذا نسمّي العشب؟
عشباً.
ماذا نسمّي الماء؟
ماء.
ماذا نسمّي الخمر؟
خمراً.
ماذا نسمّي اليد؟
يداً.
ماذا نسمّي الفم؟
فماً.
(وفي وقت لاحق، جالساً كوحوش
متخمة شبعاً بقطعة لحم ممزّقة أشلاء
يمكنه أن يفسّر لماذا يكون الشّعور باليأس المستجدّ تخريبياً:)
ماذا نسمّي الحياة؟
ترامواي.
ماذا نسمّي الموت؟
ترامواي.
ماذا نسمّي الحبّ؟
ترامواي.
ماذا نسمّي الزّمن؟
ترامواي.
ماذا نسمّي النّسيان؟
ترامواي.
ماذا نسمّي الضّحك؟
ترامواي.
حسناً! لنوجز.
ماذا نسمّي السّنّ؟
خبزاً.
ماذا نسمّي الحزن؟
قرطاً.
ماذا نسمّي القدر؟
سجيناً.
ماذا نسمّي الرّجل الّذي يرفل في أردافه؟
قمراً.
وماذا عن البشرة التي لا تخدشها بثرة؟
راية.
وماذا عن ذلك الذي يغادر؟
صيّاد سمك!
مجد الشّفقة مجد الشّفقة مجد الشّفقة
كذا عبور كريه الرّائحة مثل الكلمة الفاسدة
مثل العجينة المائلة إلى الصّفرة
الّتي تسبح فيها الجوهرة
الّتي لم تلمع أبداً لأجل الحقيقة
منذ أن استعمل الإنسان الكلمات
مكان الخبز لم يعانق بعد ذراعا الصّليب
نفسهما أحداً.
أخذت صلاة
شكل جسد
في طرفه أعرف:
لقد وهبت لك الحياة بطولها كي تقطع عنق بجعة.
مجد الشّفقة مجد الشّفقة مجد الشّفقة
إذا لم تركب أيّ مجازفة، في المعرض الشّعبيّ
تستطيع أن تربح، عن طريق تدوير عجلة الحظّ،
هذا المصباح المصاب بتشنّجات
عصر هذا اليوم في القبو الغارق بالماء
هذا الشّيطان الذي تمتطيه منفرج السّاقين
كي تذهب إلى السّوق.
من المهمّ حقّاً ألّا تسأل لماذا
تملك العناية ذراعين قصيرتين
شبيهتين بذراعي طفل.
أسمعه يصفق باليدين، غامراً بالإثارة،
إزاء أغنية يسلخها جناح فراشة بصورة منهجيّة
ويقطّع الكون بأسره إرباً إرباً
القطعة الأولى هي الأصعب
الجناح يزداد حدّة مع كلّ جرح
يصبح نحيلاً للغاية بحيث يختفي في الفجوة
التي تعاد إلى ما لانهاية.
المجد للشّفقة المجد للشّفقة المجد للشّفقة
لثوان مع غضاريف أرمي إلى الجمال
كي يتركني أمرّ
عيناً بسنّ
موتاً بليال، نجومها منتفخة بكثير من الأبديّة
سنّا
بدموع تتزحلق عليها روح
ولحمي سأرميه للجمال
وسأمزّقه قطعة بعد قطعة على عظامي
حتّى أنّي سأسحق العظام في النّهاية
وإذا وضعتها في الصّباح
على طريقه كطعم كي يقول لي
فقط كي يقول لي
إن كنت أستحقّ كلّ ما أبدّده
إن كانت غضاريف الأحلام
لا تصبح صلبة في لحظة معيّنة حدّ
أن أبقى متجمّداً بين عالمين
كالله
مشبّكاً وسط خيوط الأمواج
بين النّوافذ التي يبصق بعضها على بعض
بكلّ الألوان البرّاقة
بكلّ الكلمات الميّتة.

* النص مأخوذ من أنطولوجيا «الأدب والمنفى» لـ «المهرجان الدولي: نهارات وليالي الأدب»، اتحاد الكتاب الرومانيين