1. حربُ المدنإلى محمد أحداد
أفكِّر دائماً في ذلك المقاتل الشَّرس
أيّاً كان صفُّه
وكيفما كانت عقيدتُه.
كيف يتدبَّر أمره بستِّ رصاصاتٍ
وهو مُحاصَرٌ بجيشٍ منَ الأعداء؟
أفكِّر في ذلك المقاتل
وأحاول أن أتخيَّل نفسي مكانه.
أحاول أن أفهم
كيف بفكرةٍ بسيطةٍ
أو حيلةٍ
تنقلبُ المعادلة فجأةً
وتجهز على أرتالٍ منَ المهاجمين
وتحسم معركةً لم تسع إليها أبداً.
أنا أيضاً محاصَرٌ بجيشٍ منَ الأعداء
وعندي ستُّ بيراتٍ
ستٌّ لا غير
والطَّقس باردٌ
ولا شيء يلوِّح من وراء تلك الكثبان
في السِّماء ينعق سربٌ منَ الغربان
وعلى الأرض يسيل بوْلٌ أصفر
تنبعث منه روائح بعض الأصدقاء

عيني لا ترمش
ويدي على الزِّناد
وأشرب بيرةً بعد الأخرى
متمنِّياً أن ينهار الأعداء
أو يعلن مَثَلاً عن هدنةٍ بإشراف وفدٍ من ملائكةٍ يحرصون
على الهدوء
وراحة الله ليلة السَّبت.

سِتُّ رصاصاتٍ
سِتُّ بيراتٍ
يدٌ في الجيبِ
وأخرى على الزِّناد..

2. التحرر منَ الحب
إلى محمد بنميلود
ما أجملَ أن تتحرَّرَ منَ الحبِّ
وتجلسَ في حديقةٍ
وتشربَ بيرةً من دون تفكيرٍ
في مَن أحببت.
ما أجملَ أن تسلكَ طرقاً فرعيةً
تُفضي إلى حصنٍ مهملٍ على الحدود
والحديقة تبقى حديقةً إلى الأبد.
ما أجمل أن يرتاحَ قلبكَ
ويدقَّ بحيادٍ.

ما أجمل أن تتفرَّغ عاماً كاملاً للسماء
وتنشغل برجلٍ يعبرُ الشَّارعَ بتثاقلٍ وفي يده كتابٌ.

ما أجملَ أن ترى العدم بلا نظَّاراتٍ
في هاتفك النقال.

ما أجمل أن تتحرَّر
وتفكِّر فقط
في جدَّةٍ تحتضر في مصحَّةٍ بعيدةٍ
وقلبها يكاد ينفجر من شدَّة الخفقان.

ما أجمل أن لا تركض وراء الجمال
أن تمارس الجنس بلا إحساسٍ
أن تعيش كشجرةٍ بلا غابةٍ.

ما أجمل أن تزدهر بأغنيةٍ
بلا ماضٍ ولا تأثيرٍ.

أن تكونَ عبداً في العمل
ومجرَّد محطَّةٍ في رأس مسافرٍ تائهٍ
وتنحاز لليأس من دون خلفيات.

وتلك الرِّوايات الّتي لم تُكتب
وتلك القصائد الَّتي تتهكَّم عليك
وتلك القصَّة التي ضاعت في الخامسة صباحاً
وذلك الشاب الذي بكى خلسة في القطار.

ما أجمل أن يعودَ المعنى إلى اللَّيل بلا عتابٍ
والشَّكل يتصالح مع منتصف النَّهار
وأن ترى في المطبخ ملاكاً مبتدئاً يغفر بلا حساب.

ما أجمل أن تستخفَّ بالحبِّ
وتشربَ البيرة التَّاسعة بلا هدف.

3. أرى رجلاً صغيراً يزحف على بطنه في نفق الحبِّ
إلى عبد الله بلعبَّاس
ألاعبُ قرفي من نفسي
على ضوء الكمبيوتر الخافت.
يبدو أنَّ ذبذبات الرُّوح غيَّرتْ مسارها إلى غير رجعةٍ.
أنا على بعد آلاف الكيلومترات من نفسي
اللَّيلُ عذرٌ بائسٌ
ولا أصدقاء لي في النَّهار.

أفكِّر فيكِ يا أليس
وأنتِ تصارعين الموت على سرير المستشفى.
بعد الحصَّة الخامسة منَ العلاج الكيماوي
ربحَ الورمُ الخبيث مزيداً منَ المساحة في رأسكِ الصَّغير.
ربحَ ما يكفي كي أتخلَّى عنكِ وأهرب.

كنتِ أجملَ منَ الممرِّضة الحسناء
وباقةُ الورد الأصفر الّتي وضعتُها قرب مخدَّتكِ
ذَبلتْ قبل نهاية الزِّيارة.

4. صديقي الكولونيل
إلى رشيد دفعة
رابطَ طويلاً في الصَّحراء وعاث فساداً في المدن ثلاث مرَّاتٍ في العام. زاوج بين الضَّجر والبنادق وتحدَّث كعصفورٍ معَ الألغام. طار بلا أجنحةٍ وزحف في الخطوط الأماميَّة وعشرة أسرى بين يديه.

إنَّه صديقي الكولونيل الَّذي لا يُشَقُّ له غبارٌ - نعم إنَّها استعارةٌ مكرورةٌ ولكن يا الله كم تناسبه -

قرأ سيلين وشرب كأساً مع فيرلين
تأبّط شرَّاً
اشتعلت في قلبه حرائق العبيد
ومناوشات العشَّاق
وتفاوض مرَّاتٍ كثيرةٍ معَ الشَّقاء بهاتف نقَّال
وساق مرَّةً، حسب شهود عيانٍ، دبَّابةً معطوبةً حتَّى أقصى
نقطةٍ في الوجدان.

أشعل النَّار في البارات
وصلى في مساجد مهمَلة
وحرص على راحة قبائل تسرح في رأسه السَّكران.

نهب مئة ألف كيلومترٍ في العام
في طرقٍ ترابيةٍ
ونَصَبَ على الحبِّ في الطَّريق السيَّار.

تشاجرَ معَ الأصدقاء وأشفقَ على كثيرٍ منَ الأعداء. بنى حصناً من عدمٍ وغرس أشجاراً وتماثيل وقصصاً مصوَّرةً للأطفال. ومثل أيِّ محاربٍ قديمٍ بكى عاماً كاملاً ثمَّ رسم مسبحاً وربَّى خمس قطط وصام ستِّين يوماً حتَّى نبتت فكارٌ جديدةٌ في الميدان.

حتفهُ بين قدميه
وظلُّه يتبعه ككلبٍ ضريرٍ
قلبه رايةٌ ترفرف في قمرٍ بعيدٍ.

إنَّه صديقي الكولونيل..

5. فنُّ الوصف
إلى رضا عدة
حقيبةٌ مفتوحةٌ. مرآةٌ. جدرانٌ. لوحةٌ فوق السَّرير. السَّرير. ملاءةٌ. وسادتان. زربيةٌ. قميصٌ مرميٌّ فوق الزَّربية. سوتيانٌ. ساعة يدٍ. حذاءٌ رياضيٌّ. صندلٌ. بقعة شمسٍ فوق الرَّفِّ. علبة مناديل. الخزانة. مقبض الخزانة. جوارب. ومضةُ هاتفٍ نقَّالٍ. ملقط شَعرٍ. كيلوتٌ. نظَّاراتٌ شمسيَّةٌ. نافذةٌ. ستارة النَّافذة. علبة مارلبورو. قدَّاحةٌ. قشور موزةٍ في منفضةٍ. الباب. مفتاح الباب. السَّقف. ثريا متدلِّية منَ السَّقف..

إذا وصفتَ هذا الكم العاديَّ منَ الموجودات في غرفةٍ طافحةٍ بالحبِّ من دون ذِكر العاشقَيْن الملتحمَيْن في السَّرير ولا استعمال كلمة ”حبٍّ“. آنذاك قد تكون كتبتَ قصيدةً عنِ الحبِّ.
باريس/المغرب

(*) مقتطفات من ديوان بالعنوان نفسه صدر حديثاً عن «محترَف أوكسجين للنشر» أونتاريو/بودابست.