تعلَّق بيكاتشو بالحائط ذاهلاً، كان قد غفا ساعات قليلة، وصحا على جلبة أعقبها ما يراه من فوضى لا يستطيع فهمها، آلاف السيارات تتحرك أمامه ببطء شديد، ومئات العمّال يتراصّون على جانبَي طريق سيارات طويل لم يستطع الإحاطة بآخره. أما تحت قدميه فتربض عشرات اللوادر والجرافات.بإرادة مستقلة ومنفصلة تماماً عن خالقه، كان بيكاتشو قد تحرّر من مغامراته في بلاده، واختار أن يتجسّد على حائط غرفة مراهق مصري يسكن الطبقة الثالثة والأخيرة من منزل متواضع على الطريق الدائري بالمنيب، ولحسن الحظ أو لسوئه – هذا ما لا نعرفه بعد – كان بيكاتشو محل إعجاب المراهق الذي اختار هو أيضاً أن يستأنس بالبوكيمون الأصفر؛ فما كان منه إلا أن رسمه بمهارة على الحائط المجاور لسريره، وهو الحائط الوحيد الذي نجا من الغرفة حين قررت الحكومة المصرية بإرادة حديدية ومستقلة أيضاً توسعة الطريق الدائري حسبما أخبرتنا الأخبار.

مَدْفَنُ الشاعر أحمد شوقي وسط المدافن التاريخية التي هُدِمت ضمن مشروع «تجديد» القاهرة

وهو ما شرعت فيه بالفعل وأعطته عنواناً قد يكون مثيراً، لكنه بالتأكيد رصينٌ يترك انطباعاً جديّاً يبث الهيبة في قلوب قرائه. وقد كان «مشروع التطوير الشامل للطريق الدائري حول القاهرة الكبرى»، ولكن بعد هدم مئات المنازل والذهاب بالقاطنين للسكن في مناطق أخرى، كانت الحكومة من دون قصد قد تركت وراءها ما قد يُحصى بآلاف الحوائط الملوَّنة حمراء وبيضاء وخضراء وزرقاء وألوان كثيرة تكونت بفعل امتزاج الدهان والرطوبة وعوامل أخرى شكَّلت ألواناً لم يُعرَف لها اسم بعد، وبدت الحوائط كاللوحات العارية تنتظر أي رسم يملأ هذه الفراغات بمعنى ما.
وفي وسط هذه الجوقة من الحوائط، ظلَّ حائط بيكاتشو يُطالع المارة ليخبرهم بطريقة غير مباشرة أنه كان شاهداً على وجود قليل من المرح في هذه البقعة من العالم.
ولأنه يُوصف أحياناً بأنه بوكيمون محظوظ؛ فقد توزعت حول بيكاتشو ثلاثة مقابس كهربائية في الغرفة، من دون أن يبذل مجهوداً في السعي إليها. كان يعلم أن زاده الحقيقي وما يمدّه بالقوة يكمن في مصدر للكهرباء، لكنّ الصداقة التي نشأت بينه وبين المراهق وعائلته منعته دوماً من التفكير في الإعلان عن قواه، دار في خاطره أنّ الأمر تغيّر الآن واقتحمت المعادلة أطراف جديدة لا يبشر مرآها بأي خير؛ ولذا كان أول ما فكّر فيه: مهاجمة من حوله من الغرباء!
بملامح غاضبة وقلب أسخم من تراب القاهرة، قرّر الانتقام ممن نغَّصوا عليه عيشه، لكنّ نظرة أخرى على مواقع العمل التي تتناثر أمامه جعلته يَعدِل عن الفكرة بسبب بؤس ملامح العمال والشغيلة، لم يعتقد أنهم قد يمثلون خطراً عليه. كانوا خطراً على أنفسهم.
ساعات أخرى قضاها بيكاتشو في التفكير، ثم هبط من عليائه، تحسّس ذيله الذي دائماً ما استعمله في الهجوم، ولحسن الحظ أو لسوئه، وبعد سنوات من التنحية والإقصاء وجده ما زال صالحاً للاقتتال، يستطيع الآن التحرك بعقل صافٍ حكيم وجسد قوي؛ لهذا جرى سريعاً واختفى وسط عشرات البيوت.

* الإسكندرية/ مصر