يتابع بائع الكتب الإسكتلندي، شون بيثيل، في كتابه «اعترافات بائع كتب» (دار المدى ــ ترجمة أحمد الزبيدي)، تدوين يومياته كما يعيشها أثناء تواجده في متجره، «ذا بوك شوب» الذي يُعَدّ أكبر متجر كتب مستعملة في اسكتلندا، حيث يضمّ ما يزيد على 100 ألف كتاب، موزّعة على عدد من الأقسام الشبيهة بالغرف، داخل المبنى الذي يزيد عمره على 200 عام، الذي تشغل المكتبة طابقه الأرضي، فيما يعيش شون في الطابق العلوي منه منذ اشترى المكان في عام 2001، وذلك في بلدة ويغتاون.اختارت الحكومة الإسكتلندية ويغتاون «مدينة الكتاب القومية» في البلاد، ما خلق حركة سياحية في المنطقة ككل، تقوم بشكل أساسي على زيارة مكتباتها العديدة، وغالبيتها مكتبات كتب مستعملة، ينشّطها أشخاص قادمون من مختلف أنحاء بريطانيا، إضافة إلى سياح أجانب، خاصة في الفترة بين أواخر أيلول (سبتمبر) وأوائل تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، حيث يُقام مهرجان للكتاب أصبح معروفاً على مستوى واسع، تتخلّله عدد من الفعاليات والمحاضرات والأنشطة، يحييها أدباء وصحافيون وأكاديميون.
تُغطي يوميات هذا الكتاب عام 2015 بأكمله، وقد سبقها كتاب بيثيل الأول «يوميات بائع كتب» (دار المدى، ترجمة عباس المفرجي)، الذي غطى فترة عام 2014.


تكشف هذه اليوميات المكانة التي ما زالت تحتلّها القراءة عموماً، وقراءة الكتاب الورقي خصوصاً، في بلاد الأمطار والضباب البعيدة تلك، حيث تدخل في بعض الأحيان ثلاثة أجيال من عائلة واحدة معاً لشراء الكتب، إضافة إلى أفواج من طلاب المدارس مع المسؤولين عنهم، من دون أن يخلو شراؤهم من المساومة والتقتير المعروفين عند أهل تلك البلاد، مع أن الإسكتلنديين ليسوا بخلاء مثل الإنكليز على ما يؤكّد شون من مشاهداته. تتميز اليوميات أيضاً بالكثير من المواقف المضحكة والمعابثة بين الزملاء في العمل، وهو الأمر الذي كانت بطلته نيكي في الكتاب الأول، من دون منازع. كانت نيكي تعمل في المكتبة بدوام جزئي، وتختصّ بمخالفة كل التعليمات والمهام التي يكلّفها بها شون، وأهمها وضع الكتب في غير أقسامها الصحيحة، وتسعير الكتب الغالية بأسعار بخسة، ما يتسبب في بيعها فوراً... فيما انضمّت إليها في الكتاب الثاني إيمانويلا، وهي شابة إيطالية وافقت على المجيء إلى العمل في المكتبة في أشهر الصيف في مقابل الإقامة والطعام فقط، رغم قدرتها الضعيفة على التحدّث بالإنكليزية. سيطلق عليها شون لقب «الجدة» لكثرة شكواها من الأمراض والأوجاع التي تقول إنها تعاني منها.
بعد تسجيل الحوادث التي تستحق الذكر، يختم شون يومه بذكر المبلغ الذي حصّله ثمناً للمبيعات، إضافة إلى عدد الزبائن الذي اشتروا من عنده، من دون أن يعني هذا أنّ ما يذكره هو صافي دخله، ففي بداية اليوم يسجل عدد الطلبات الواردة إلى المكتبة عبر موقعين إلكترونيين يعرض قسماً من مخزونه عليهما، من دون أن يُدخل المبيعات عبرهما في حساب الدخل اليومي، وهي بالمناسبة طلبات ترد من مختلف أنحاء العالم. كما أنّ طلبات من نوع آخر ترده عبر بريد المكتبة الإلكتروني، وهي من أشخاص الذين يرغبون بالتخلي عن مكتبات ورثوها، أو كانت لهم وأرادوا بيعها ببساطة، فيسافر بشاحنته المغلقة عبر الريف الإسكتلندي، مجتازاً جباله وأنهاره، في رحلات قد يمتدّ بعضها إلى عدة مئات من الكيلومترات، ويعود محمّلاً بكميات كبيرة من الكتب، يشتكي دوماً من أنّه كان بإمكانه أن يدفع مقابلها مبلغاً أقلّ ممّا دفع.
يعبّر بيثيل بصراحة عن كرهه لموقع «أمازون»، مع أنّه أحد الموقعين اللذين يسوّق كتبه عن طريقهما، وربّما هنا مكمن المشكلة؛ فالتعامل مع هذا الموقع الضخم الذي جذب مئات الملايين من المشترين عبر العالم يشكّل أمراً لا مفرّ منه، ومشكلته مع هذا الموقع هي نفسها مشكلة جميع أصحاب الشركات الصغرى، وتتلخّص في أنّ «أمازون» يخفّض أسعار البضائع المعروضة عبره بشكل كبير، معتمداً على البيع الكثير، ما يجعل هامش ربح البائعين الصغار شبه معدوم غالباً.
يعرض في المكتبة جهاز «كيندل» مثقوباً برصاصة

كما أنّ كره بيثيل يمتدّ ليشمل ألواح القراءة الذكية، التي توفّر جميع الكتب بشكل إلكتروني، وقد عبّر عن مشاعره هذه بطريقة عنيفة؛ إذ يعرض بالقرب من طاولة المحاسبة في المكتبة جهاز «كيندل» مثقوباً برصاصة، سبق أن أطلق النار عليه من بندقية، ووثّق فعلته هذه في مقطع فيديو نشره على صفحات مكتبته في وسائل التواصل الاجتماعي.
ابتكر الرجل فكرة أخرى لتنشيط حركة بيع الكتاب الورقي في مكتبته عبر ما سمّاه «نادي الكتاب العشوائي». يدفع من يرغب بالتسجيل في هذا النادي مبلغاً قليلاً، يتلقّى في مقابله كتاباً شهرياً يتم اختياره عشوائياً، وإرساله إلى المشتركين عبر البريد.
أصبح في رصيد بيثيل حتى اليوم خمسة كتب تدور في الأجواء ذاتها، صدرت منها عشرات الطبعات بالإنكليزية، كما تُرجمت إلى أكثر من 20 لغة، وهناك كتاب ثالث له مترجم إلى اللغة العربية هو «سبعة أصناف من الأشخاص تجدهم في المكتبات» (دار المدى، ترجمة أحمد الزبيدي). لكن بيثيل ليس قارئاً جيداً كما يفترض بالكُتّاب أن يكونوا، وكما يُتوقع ممّن يعيش محاطاً بكل ما قد يرغب المرء بقراءته! ربما يعود ذلك إلى أنّه ليس كاتباً أدبياً محترفاً بالمعنى المتعارف عليه، وهو يشير إلى أنّه كان يقرأ أكثر قبل شراء المكتبة وقضاء وقته في العمل فيها، فهناك الكثير من الأعمال الكلاسيكية الكبرى، والروايات المعاصرة الشهيرة، التي لا فكرة له عنها.