جوان فرشخ بجالي
خلال عشرات السنين،رأى علماء الآثار أن الإنسان عاش في قرى وزرع الحبوب والخضر منذ حوالى 8500 سنة قبل الميلاد. ولطالما اعتقد العلماء أيضاً أن الإنسان قبل تلك الفترة كان صيّاداً متجوّلاً يأكل ما يعثر عليه في الطبيعة، ويسكن الكهوف. وقد أتت الاكتشافات الأثرية المتتالية لتثبت تلك النظرية التي أصبحت تُدرّس في المدارس، وعُدّت نموذجاً لتطور حياة الإنسان وسكنه. ولكن بعد 39 سنة من الأبحاث والحفريات عند ضفاف نهر أواش في أثيوبيا، وقرب بحيرة فزان في ليبيا، جاءت دراسة العالم الألماني هلموت زيغرت (من جامعة هامبورغ) لتثبت عكس كل النظريات الرائجة في مخلتف دول العالم. ففي المَوقعين الأثيوبي والليبي، اكتشف العالِم آثار بيوت وقرى مبنية من الطين والقش، كان يسكنها 40 إلى50 شخصاً في العصر الحجري الأول، أي قبل 200 ألف إلى400 ألف سنة !
وقد أحدث نشر نتائج هذه الأبحاث العلمية في مجلة «مينرفا» صدمة«مدوية». فمن الصين إلى أوروبا، مروراً بمنطقة الشرق والهلال الخصيب، يُعاد الآن بحث نظرية بدء تمدّن الإنسان.
وكان العالم زيغرت قد عثر في أفريقيا على 35 قرية تعود إلى تلك الفترة (أي العصر الحجري)، ما يعني أن الإنسان القديم لم ينتظر حتى الألف التاسع قبل الميلاد «ليطوّر» سكنه.
الاكتشاف الجديد يثبت نظريات تقول إن تصرفات الإنسان كانت في تلك المرحلة المبكرة من حياة البشرية أقرب إلى تصرفات الإنسان الحالي منها إلى الحيوان، وخاصة أن في القرى التي اكتشفها زيغرت مقابر!
يعمل زيغرت مع مجموعة من الباحثين في أفريقيا، وهم يرون أن «الإنسان المنتصب» أو Homo Erectus كان يتمتع بقدرة على الاستيعاب (بحسب حجم جمجمته)، ويظهر ذلك من خلال تطور الأسلحة الصوّانية التي كان يستعملها، وتطوير بناء المراكب للسفر.
يُذكر أيضاً أن ثمة اكتشافات أثرية ـــــ في مناطق متنوعة ـــــ حددت بعضاً من معالم تطور حياة الإنسان القديم. فعلى ضفاف نهر الأردن في فلسطين، عُثر على أقدم «نار» في العالم ! فدراسة أكثر من 50 ألف قطعة من الخشب المتفحّم أثبتت أن الإنسان عرف استعمال النار قبل 790 ألف سنة ! كما أنه عبَر من جزيرة سردينيا إلى جزيرة مالطا في العصر الحجري القديم.
وكانت كل تلك الاكتشافات تثبت قدرة الإنسان على تطوير حياته اليومية، ولكن هذه الاكتشافات لم تُؤخذ كدليل على أنه تمدّن وسكن القرى، بل ظل العلماء يعتقدون بأن الإنسان سكن الكهوف في تلك الفترة. ولكن دراسات زيغرت الحديثة تؤكد أن الإنسان كان ينظّم حياته ضمن مجموعة كبيرة تسكن في قرية.
وسيعود زيغرت مع فريقه إلى أفريقيا بين عامي 2007 و2010 لمتابعة دراسة قرى الإنسان الأولى، وستجري دراسة البيئة وطرق استعمال البيوت الطينية. وسيبحث زيغرت عن القبور ليكتشف «خبايا» طقوس الدفن التي كانت متّبعة، والتي قد تشير إلى المعتقدات الدينية الأولى.