برغم عدم وجود كيمياء على المستوى الشخصي بين كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع، إلا أن العلاقة بين الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية عمرها من عمر الحرب الأهلية. تقاتلا في الجبل وتلاقيا في الجبل. يتمسكان بالمصالحة والطائف. لكل منهما «أجندته»، لذلك يفضلان أن تكون علاقتهما «على القطعة»، تبعاً لكل ملف من الملفات وحسب كل ساحة من ساحات تلاقيهما.لا تخفي القوات اللبنانية حماستها للانفتاح على أحزاب وقوى سياسية تقف في غير المقلب المسيحي. كل محاولات الانفتاح على حزب الله إصطدمت عند حدود رغبة الحزب بحصر التعاون تحت سقف العمل الوزاري والنيابي. وبرغم غلطة القوات بالتصويت بورقة بيضاء في جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي، فإن الرئيس نبيه بري لم يقفل الأبواب بوجه معراب، بدليل كيفية تعامله الإيجابي مع القوات في ملف التأليف الحكومي، لكن بشرط عدم «تنقيز» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
بالتزامن مع سقوط تفاهم معراب، عرضت القوات اللبنانية إبرام تفاهم مكتوب مع الحزب التقدمي الاشتراكي، غير أن وليد جنبلاط أجاب جعجع خلال لقاء جمعهما مؤخراً في منزل النائب نعمة طعمة، بأنه يفضل عدم الدخول في سياسة المحاور، وبالتالي المضي في سياسة بناء علاقات جيدة مع معظم القوى السياسية، وخصوصاً أن تجربة التفاهمات المكتوبة تدل على أن أحد الطرفين يمكن أن يتنصل منها عند أول مفترق.
إن عبّرت الخطوة القواتية عن شيء، إنما على رغبة بتوجيه رسالة واضحة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، مفادها أن القوات اللبنانية لم تعد معزولة «ومثلما أنت تتباهى بحليف درزي إسمه طلال ارسلان، تستطيع القوات أن تتحالف مع وليد جنبلاط، وهو الأساس في الجبل».
ما تشتهيه «القوات» لنفسها تبدو حساباته مختلفة عند جنبلاط. لا يريد رئيس «الاشتراكي» لعلاقته مع القوات أن تخرج عن إطارها الطبيعي «نلتقي حيث يجب أن تلتقي، ونختلف حين تكون لنا مقاربتنا المختلفة عنهم في ملفات معينة».
يشي تاريخ جنبلاط السياسي عدم تحبيذه الاتفاقات المكتوبة. تحالفه المتين مع بري لم يبلوره اتفاق مكتوب، ولا علاقته مع سعد الحريري وتيار المستقبل. إذا أراد جنبلاط إيصال «رسائل»(بالمعنى السلبي) الى رئيس الجمهورية ميشال عون، «فلا شيء يمنع من إبرام تفاهم خطي أو غير خطي، ولكن ذلك ليس وارداً في حساباته في الوقت الحاضر، ليس من زاوية حرصه على العلاقة مع الرئاسة الأولى، بقدر حرصه على تموضعه السياسي الحالي».
فتحت صفحة جديدة بين جنبلاط وجعجع بعد خروج الثاني من السجن في عام 2005، فانخرط الإثنان في مشروع 14 آذار الذي وصل إلى حائط مسدود، في السنوات الأخيرة، بأبعاده المحلية والخارجية. تعاون الرجلان في كل المحطات الانتخابية من 2005 حتى 2018. الطرفان يشعران اليوم بأنهما مستهدفان من العهد. تعرضا للطعن من الحريري مراراً وتكراراً. وقائع تحتم عليهما تعزيز المشتركات تفادياً لاستضعافهما معاً أو استضعاف أي منهما منفرداً. الأساس بالنسبة إلى جنبلاط حاجته الى ظهير مسيحي يحميه. راهن على شخصيات مسيحية مستقلة، لكنها أثبتت عدم فاعليتها. وجد أن القوات اللبنانية أكثر فاعلية وجاذبية للجمهور المسيحي، وخصوصاً فئة الشباب. من هنا، جاءت مناصرته لمطلب القوات اللبنانية بحصة من أربعة وزراء في الحكومة العتيدة واعتباره من عين التينة أن ما يطالب به سمير جعجع هو «مطلب محق».
ليست أسباب حاجة القوات اللبنانية إلى التقارب مع «الاشتراكي» مختلفة. يدرك جعجع أن إقامة علاقة جيدة مع بري ممر إلزامي لإقامة علاقة جيدة مع جنبلاط، والعكس صحيح. يزيد عليها المعارضة الجنبلاطية والقواتية للتطبيع مع الدولة السورية، فضلاً عن ارتباطهما بالسعودية، وإن كان لكل منهما مفهوم مختلف عن الآخر للعلاقة التي يرى فيها جعجع تحالفاً سياسياً مع الأكثرية السنية في المنطقة، في حين ينطلق جنبلاط في مقاربتها من «منطلق عروبي»، غير أن المضمون الفعلي هو بيت المال السعودي.
تحتاج القوات إلى شراكة مع جنبلاط لتعديل موازين القوى في الجبل في مواجهة العونيين


تبدو حاجة القوات اللبنانية إلى التفاهم أكبر. تريد أن تردّ لجبران باسيل الصاع صاعين، وذلك عبر محاولة امتلاك تفاهم خطي بديل لتفاهم معراب، برغم إصرار القواتيين، في خطابهم وليس في ممارستهم، على التمسك بالتفاهم مع التيار الوطني الحر، وصولاً إلى القول إن التفاهم لا يسقط بإرادة طرف واحد، وإن المصالحة المسيحية أكبر من قدرة طرف على تعطيلها. ما تحتاج إليه القوات من شراكة لا يبدو أنها تتعدى حدود جبل لبنان. تعديل موازين القوى في الجبل في مواجهة العونيين، وخصوصاً أن معراب حاولت الاقتراب أكثر من الحريري، لكنه كان يصر على التموضع بعيداً عن الاشتباك المسيحي ــــ المسيحي.
يعتبر رئيس جهاز الإعلام في القوات شارل جبور أن «تحالفنا مع جنبلاط انتخابي وسياسي يعود لسنوات طويلة مضت». ينفي فكرة التفاهم السياسي الخطي، ويقول «التقينا مع جنبلاط في ثلاث دورات انتخابية متتالية». هي علاقة «نموذجية» من وجهة نظره، ولا تلغي خصوصية كلاهما أو تمايزهما في مقاربة موضوعات معينة. يقول «الظروف التي أوصلت الى اتفاقات مكتوبة كانت مختلفة، وقّعنا التفاهم مع التيار لننتقل بموجبه من الخصومة الى التفاهم، وهذه النقلة استدعت ورقة مشتركة أوصلت عون الى رئاسة الجمهورية، ونقل التفاهم بين حزب الله والتيار الحر هذين الطرفين من موقعين متناقضين الى تفاهم مكتوب، مثل هذا الاتفاق قد نوقّعه مع سليمان فرنجية لكوننا نأتي من مكانين مختلفين، إنما وضعنا مع الاشتراكي مختلف. تفاهمنا صار عمره سنوات طويلة، وترجمناه في محطات كثيرة سياسية ونقابية وانتخابية».