وحده المحامي العام الاستئنافي في البقاع حسام النجار لم يستبِق القرار الصادر بحقه، بل انتظر انتهاء المحاكمة ليأتي القرار بعزله من القضاء. أُنزلت بحقه العقوبة القصوى. والعزل يعني خروجه من القضاء من دون أيّ تعويض بينما الصرف يعني قبض التعويض مع راتبٍ تقاعدي.
الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى، القاضي غالب غانم يتحدّث لـ«الأخبار» عن مسلكَين واجبَين عندما يرتكب القاضي جرماً يسيء إلى الآداب القضائية. الأول الملاحقة المسلكية والثاني الملاحقة المدنية والجزائية. ويتحدث غانم عن «آلية خاصة لملاحقة القضاة حيث لا حصانة على القاضي وكل شخصٍ يرتكب جرماً يجب أن يخضع للعقوبات الجزائية»، معتبراً أنّ «كل خرق لهذه المبادئ هو في غير محله». وتعليقاً على قبول استقالات قضاة قيد المحاكمة يُعلّق الرئيس الأسبق لمجلس القضاء الأعلى بالسؤال: «إذا كانت استقالة بعض القضاة للهروب من الملاحقة المسلكية، فكيف تُقبل الاستقالة؟ يجب أن لا تُقبل قبل انتهاء المحاكمة». يُضيف غانم: «إذا حُكِم القاضي تأديبياً بعمل يتنافى مع المناقبية القضائية، يجب أن تسير المحاكمة الجزائية. وإن لم تسِر، فهذا خطأ. حفظ السلطة القضائية وهيبتها يكون بالشفافية وليس بتغطية مخالفات القضاة». علماً أن القاضي لا يتمتّع بأيّ حصانة، إنما بامتياز أن لا يتم توقيفه في السجن أثناء محاكمته، إنما في مكان خاص، مع آلية ملاحقة خاصة، على أن يُسجن مثل أي سجين بعد صدور الحكم بحقه.
غانم: إذا حُكِم القاضي تأديبياً بعمل يتنافى مع المناقبية القضائية، يجب أن تسير المحاكمة الجزائية
لم يسلك هذا الملف المسار العدلي المفترض أن ينتهي بلصوص وفاسدين، ينتحلون صفة قضاة، خلف القضبان. لقد أثبتت التحقيقات الأولية وتحقيقات هيئة التفتيش القضائي جرم الرشوة على عدد من هؤلاء القضاة في سياق المساءلة التأديبية. وهذا يفرض فرضاً واجباً على النيابة العامة التمييزية تحريك الملاحقة الجزائية بحقهم، علماً أن المادة ٣٤٤ من أصول المحاكمات الجزائية تنصّ على أنّه «تختص محكمة التمييز بالنظر في الجرائم التي يرتكبها القضاة سواء أكانت خارجة عن وظائفهم أم ناشئة عنها أو بمناسبتها».
وفي هذا السياق، يقول الوزير السابق ونقيب المحامين رشيد درباس لـ«الأخبار»: «لا يوجد مواطن بمنأى عن الملاحقة الجزائية، لكن القضاة يحاكمون أمام محكمة خاصة تُطبق قانون العقوبات بحذافيره. وهذا ثابت في قانون أصول المحاكمات الجزائية». ويلفت درباس إلى أنّ «الاستقالة توقف المحاكمة المسلكية، لكنها لا توقف الملاحقة الجزائية إذا كانت ثابتة»، مشيراً إلى أنّ لجوء قضاة لاستئناف قرار هيئة التأديب بحقهم يجعل القرار كأنه لم يكن، لكنه يبقي قرينة لدى الجهة الإدارية لقبول الاستقالة أو رفضها. ورداً على سؤال عمّن يتحمّل هذه المسؤولية، يقول درباس: «من حيث القانون، القرار الإداري يشترك فيه كل من وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى. يليهم ثلاثة أشخاص هم الذين وقّعوا على مرسوم الاستقالة: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير المال»، خاتماً بالقول: «ليس كل ملاحقة تأديبية تنطوي على جرم جزائي».
في سالف الزمان، كانت «مصلحة الدولة العليا» تقتضي عدم هزّ صورة القضاء باعتبارها رمزاً لهيبة الدولة. لذلك، كان يُطلب من القاضي الفاسد الخروج من القضاء بصمت. غير أنّ الواقع اليوم مختلف. فصورة الدولة والقضاء في الحضيض. وعدم سجن القضاة لا يخدم مصلحة الدولة العليا، إنما يخدم مصلحة القاضي المرتشي. مصلحة الدولة العليا اليوم توجب إرسال القضاة الفاسدين إلى السجن.
وزيرة العدل: هذه صلاحيّة النيابة العامة
لا توافق وزيرة العدل ماري كلود نجم على مسألة الحرص على صورة القضاء بالتستّر على قاضٍ مرتكب بذريعة مصلحة الدولة العليا. وتقول لـ«الأخبار»: «أنا أرفض هذا الرأي الذي يربط بين صورة القضاء ومصلحة الدولة العليا على هذا النحو، فالقاضي الفاسد وحده المسؤول ويُدان وحده من دون أن يُدين بأفعاله كل القضاة». وترى وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال أنّ «عدم المحاسبة يرتدّ سلباً على القضاء، بينما المحاسبة حتى لو كشفت وجود قاضٍ فاسد فإنها تساهم في تنقية القضاء وإعادة بناء صورته». أما في ما يتعلق بملف الفساد القضائي الذي لم ينتج منه ملاحقة جزائية لقضاة، فتُجيب الوزيرة نجم بأنّ «التحقيقات مع السماسرة كانت تتمّ بإشراف النيابة العامة»، مشيرة إلى أنّه في ما يختص بالقضاة «صلاحية تحريك الدعوى العامة محصورة بالنائب العام التمييزي الذي يلاحق القضاة جزائياً وفق إجراءات خاصة تنُصَّ عليها المواد ٣٤٤ وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا