عملياً، كان واضحاً بالنسبة إلى إدارة المنشآت أن بيع البونات لا يعني سوى أمر واحد: من يشتري إما يبيع في السوق السوداء أو يهرّب البضاعة إلى خارج لبنان. وإلا لما كان دفع ثمن بضاعة لم تخرج من المنشآت ولم يضف إليها كلفة النقل وربح المحطة بسعر أعلى من السعر الرسمي. على سبيل المثال، بالرغم من أن سعر المبيع للأفراد يبلغ اليوم 27 ألفاً و500 ليرة حالياً، فإن عاملين في القطاع يجزمون بأن شركات التوزيع تبيع الصفيحة للسماسرة بـ 33 ألف ليرة قبل التحميل.
أخيراً، واستكمالاً لمساعي ضبط السوق، أبلغت إدارة المنشآت الموزعين أنها «علمت بلائحة أسماء موزّعين وأشخاص يقومون ببيع حصصهم في المنشآت إلى أطراف تقوم بطريقة غير قانونية بعملية مضاربة وشراء وبيع حصص، ما يؤدي إلى خلق سوق سوداء في أسعار المحروقات». وقد أشارت إلى أنه «يجري حالياً التحقيق في هذه التجاوزات لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم لإحالتهم إلى القضاء المختص، تحت طائلة مصادرة كفالاتهم لدى المنشآت وإقصائهم عن سحب أي نوع من المحروقات حتى من الشركات الخاصة».
وبالفعل، تشير المعلومات إلى أن المديرة العامة للنفط استدعت ممثّلي شركتَي توزيع، ووجّهت لهما إنذاراً بسحب الكميات المخصصة لهما، بعدما وصلتها تقارير تفيد بأنهما، إضافة إلى شركتين أخريين على علاقة بهما تبيعان حصصهما في المنشآت. كما هددت بمصادرة كفالاتهما.
تلك خطوة سبق أن خبرتها شركة OJM للمحروقات لصاحبها جمال عثمان التي أوقفت عن العمل لأسبوعين، بعدما ورد إلى المنشآت تقرير من المجلس الأعلى للدفاع يثبت أن جزءاً من حصة الشركة يهرّب إلى سوريا عبر عكار. حتى بعدما سمح للشركة بالعودة إلى شراء المحروقات، تم فرض شروط رادعة عليها، فخفّضت الكميات التي تحصل عليها من مليون و200 ألف ليتر يومياً إلى 450 ألف ليتر، كما طلب منها تقديم تعهّد بعدم البيع إلى سوريا، وكذلك تقديم إفادات من الجهات التي تبيعها المازوت تثبت حصولها على الكميات المطلوبة.
تخفيض الكميات لم يرق الشركة، التي لا يبارح ممثلوها مكاتب المنشآت طالبين زيادة الكوتا المخصصة لها، بحجة حاجة زبائنها من وزارات ومؤسسات عامة إلى المازوت. وبالتوازي، ولأنه ليس خافياً على أحد حجم التورط السياسي في مافيا المحروقات، كلما طالت الإجراءات العقابية شركة ما، قامت الدنيا ولم تقعد. وزراء ونواب وفاعليات يتواصلون مع إدارة المنشآت للتوسط لهذه الشركة أو تلك. وزير الطاقة نفسه لا يهدأ هاتفه عندما يُوجَّه إنذار لأي من الشركات.
موزّعون يبيعون حصصهم في المنشآت لتجار السوق السوداء
لكن لأن العاملين في السوق السوداء مافيا لا تقلّ شأناً، فهم سرعان ما يتأقلمون مع أي إجراء يعيق عملهم. على سبيل المثال، بعدما أوقفت شركة عثمان سرعان ما أمّن هؤلاء حاجتهم من شركات أخرى. الفارق أنه بدلاً من شراء الكميات المطلوبة من شركة كبيرة، صار المطلوب جهداً أكبر للشراء من شركات صغيرة، وهو ما ولّد سماسرة لا دور لهم سوى شراء البونات لبيعها إلى المهرّبين. اللافت أن بعض البلديات صارت جزءاً من هذه التجارة غير المشروعة. فالمعلومات تؤكد أن بعض الشركات تتواطأ مع بلديات تقوم بالتوقيع على محاضر تسلّم كميات لم تذهب فعلياً إليها. ولذلك، تتّجه إدارة المنشآت بدءاً من الأسبوع المقبل إلى الطلب من المحافظين مراقبة الكميات التي تصل إلى البلديات، على أن يوقّعوا على البيانات التي تثبت بيع الموزعين المازوت إلى هذه الجهات وإلى أصحاب المولدات الموجودة في نطاقها (سبق لوزير الطاقة أن أصدر تعميماً حدد بموجبه الكميات المسموح لأصحاب المولدات بتخزينها تبعاً لطاقة كل مولّد). تلك كلها إجراءات قد تحدّ من حجم السوق السوداء، لكنها لا تعوّض دور وزارة الاقتصاد المكلفة بمراقبة السوق لمقارنة الكميات التي تخرج من منشآت شركات النفط بالكميات التي تباع في المحطات ومن قبل شركات التوزيع.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا