القصّة الأولى: حسن هشام حرب
«حسن رسالة بالنّسبة لي» تلخّص علياء منعم قصّتها مع طفلها حسن هشام حرب البالغ سبع سنوات من العمر. «أفتخرُ عندما يُناديني أحدهم بأمّ حسن، أشعر بأنّ حسن جعلني أمّاً مميزة». استطاع طفلها صاحب العينين الزّرقاوَين أن يغيّرها إلى الأحسن، أن يجعلها تقدّر أقلّ التّفاصيل. قبل أيّام تفاجأتْ به يتلو الأحرف الإنجليزية (ABC)، تغيّر نهارها. حسن قادر بأيّ تصرف يبدر منه أن يجعل البيت يطير فرحاً. «سعدتُ كثيراً. أحياناً كنتُ، ومع محاولاتي الكثيرة، أفقد الأمل في أيّ تغيّر بحال حسن، لكنّه كان يفاجئني، مثلاً لم أكن أعرف أنّه يعرف الأحرف. في مثل هذه اللّحظات يزداد إيماني بأهمّية متابعة حسن الدّائمة. وكلّما شعرتُ بفتور الهمّة، أقول يجب أن أبذل قصار جهدي، لأنّه في الغد سيفاجئني، وسأندمُ إن لم أقم بذلك». تندفعُ علياء في حديثها «طفل التّوحد يحتاج إلى الفرصة والوقت، وأهمّ ما في الأمر أن يستمتع بالأشياء الّتي يقوم بها».

لا تخفي علياء تفاؤلها بالمستقبل، «أشعر أنّه سيتغيّر وسيتحسّن كثيراً». لكنّ الأمور لا تسير كلّها بهذه السّلاسة. احتاجت علياء إلى سنتين حتّى اكتشفت أنّ حسن مصاب بالتّوحد. لم تعرف ماذا عليها أن تفعل. حاولت أن تبحث عن أمّهات عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، لتستفيد من خبراتهن، لكنّها لم تجد إلّا أمّاً واحدة، «هذه الأم لم تتفاعل معي، ولم تجبني عن أسئلتي». فتحت علياء حساباً في إنستاغرام باسم (Life of Autism Mom)، وتقول عن حسابها «أردتُ أن أكون الأم الّتي لم أجدها عندما أردتُ المساعدة»، وهي حاضرة دائماً للإجابة عن أيّ سؤال. وفي الحساب نرى بعض الأنشطة الّتي يقوم بها حسن، يرتّب أحرف اسمه، يسبح مع أبيه، يركب درّاجة هوائيّة، يسكب الماء في الأكواب، يلعب بالطّابة، وغيرها من النشاطات الّتي بحسب علياء، جعلت النّاس يصدّقون أنّ الطفل المتوحّد لديه قدرات، «فمن دون هذا الحساب، لم يكن كثيرون يصدّقون ما أحكيه لهم، لكن عندما شاهدوا الصّور والمقاطع تغيّرت نظرتهم لطفل التّوحد».


القصّة الثّانية: سارة شعشوع

«هاجسي الوحيد هو عندما تكمل ابنتي سارة صفوفها في مؤسّسة الهادي، أين ستذهب؟ هل ستبقى طوال اليوم في البيت؟»، تقول سوسن حدرج. سارة اليوم تبلغ من العمر 16 سنة، تحبّ أن تكون موجودة في مجموعة من الأصحاب، وتستهويها الألعاب والأغاني واللّوح الذّكي. «لديها ذاكرة قويّة، أطفال التوحّد يحفظون الأشياء التي يحبّونها». فسارة، بحسب أمّها، تحفظ الطّريق الموصل إلى أيّ مكان تحبّه مثل «بيروت مول»، وعندما تمرّ من هناك، ترفع يديها، وتبدأ بالتّصفيق. وتحبّ أيضاً المشي، وقضاء الوقت مع أخيها الأكبر وأبيها، «تربطها بأبيها وأخيها علاقة مميّزة، تسمع كلامهما ولا تعترض، عكس ما تفعل معي» تقول سوسن ضاحكةً. اكتشفت سوسن أنّ سارة مصابة بالتوحّد عندما كانت تبلغ سنتين، يومها قرّرت أن تترك عملها (معلّمة لغة فرنسيّة) لتتفرّغ للاهتمام بها، ووالد سارة كان يعمل مهندساً في الجزائر، فقرّر أيضاً أن يترك عمله، ويأتي بعائلته المكوّنة من أربعة أفراد إلى لبنان.

في لبنان، خضعت سارة لعدد من الدّورات التّدريبيّة، ومضى على دخولها مؤسّسة الهادي الّتي تحبّها كثيراً 12 سنة. «بدأت شيئاً فشيئاً بالتّحسّن. لا يمكنني أن أقول إنّه تحسّن كبير جدّاً، لكنّ التّحسّن كان موجوداً، كان هناك تقدّم دائم ولو بطيء، ولم يكن هناك أيّ تأخّر». ومع أنّ سارة لا تستطيع التّحدّث، لكنّها ذكيّة، «تعرفُ كيف تحصل على الأشياء الّتي تريدُها، فعندما أمنعها من شيء، تعرفُ كيف تتصرّف معي لأعطيها ما تريد»، وأمّها لا تستطيع أن ترفض أيّ شيء لسارة «أنا حنونة عليها، سارة نقطة ضعفي، لا أعرف، لكنّها طيّوبة جدّاً». وتضربُ سوسن مثلًا آخر عن ذكاء سارة، «إذا أرادت شيئاً من المطبخ، تأخذني بيدي، وتدلّني إليه، وإن كانت تريدني أن أشتري لها شوكولا معيّن، تحضر لي غلاف الشّوكولا وتعطيني إيّاه، أو تأخذ بيدي إلى الدّكان الّذي اشتريت منه لوح الشّوكولا». تعرفُ أمّ سارة أنّ المسؤوليّة الملقاة على عاتقها ليست سهلة، لكنّها تجد في أيّ شيء فرصة إيجابيّة، كالحجر المنزليّ مثلاً، فخلال هذا الوقت «لقيت مفتاح سارة»، تقرّبتْ من ابنتها، وصار بإمكانها أن تفهمها أكثر. «أولاد التوحّد يحتاجون إلى الصّبر والمثابرة، هذا هو العنوان الكبير» تختمُ سوسن قصّتها.