تراجع عدد إجازات العمل خلال 4 أعوام من 76.570 إلى 8720
مكاتب الاستقدام
أبعد من مغادرة عمالة أجنبية في الخدمة المنزليّة، تعرّض قطاع برمّـته لشلل «يتخبّط» العاملون فيه للشفاء منه. «فمن أصل 525 مكتباً لاستقدام العاملات المنزليات هناك 300 مكتب أو أقلّ تعمل، وبنسبة 20 إلى 30% من نشاطها مقارنة بالفترة التي سبقت الأزمة»، بحسب علي الأمين، عضو مجلس نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام في لبنان، ورئيسها على مدار سنوات سابقاً.
بعد انتفاضة 17 تشرين عام 2019، وما تبعها من انهيار اقتصادي وانتشار جائحة كورونا، توقّفت المكاتب كلياً عن العمل، وأصيبت بعجز «ساحق» تراجع على إثرها دخلها إلى صفر طوال سنة ونصف سنة. هناك فئة لم تستطع النهوض من بعدها وأخرى فضّلت عدم «المخاطرة» في استقدام عاملات مقابل أكلاف عالية بالعملة الصعبة قد تكون نتيجتها وخيمة، كأن تقرّر العاملة العودة إلى بلدها، أو ببساطة أن تهرب. وهكذا خسر عشرات الموظفين عملهم، «حتى تلك التي قرّرت استئناف العمل اكتفت بموظف واحد أو اثنين»، بحسب الأمين.
أما الدول التي تُستقدم منها العاملات فتخضع لشروط الأزمة ودواعي التوفير في المستندات المطلوبة وتأشيرة المغادرة والفحوصات المخبرية... «الاستقدام من الفيليبين صار شبه معدوم لأنه مكلف»، على ما يقول الأمين، وللسبب نفسه «تراجع الاستقدام من بنغلادش وسيرلنكا». وبات «التوجه اليوم نحو الدول الأفريقية الفقيرة مثل كينيا وسيراليون والكاميرون».
مولا راجعة
بعد ست سنوات من الاستعانة بعاملة منزلية، فجأة، صارت كل المسؤوليات على عاتق عزّة التي تأسف لغياب مولا «الذي أحدث فوضى عارمة في المنزل واستنزفني». تزعجها تعليقات البعض أن اللبنانية «غنّوجة» فالأعمال المنزلية «ليست صعبة بقدر ما تقضم وقتي على حساب مهام أخرى أجدها أولوية مثل عملي وعائلتي». لم تعد عزّة تجد وقتاً للعب مع ابنها والحديث معه، ولا لممارسة الرياضة والاهتمام بصحتها النفسية، حتى الأعمال المنزلية لم تعد تُنجز على أكمل وجه. الفائدة الوحيدة كانت «الفرصة التي أتيحت لي للتعرّف إلى تفاصيل منزلي، والاستمتاع بترتيب خزانة ابني».
لم تستطع عزّة أن تتحمّل هذا الوضع أكثر من سنة وشهر. قريباً ستعود مولا نفسها، فكلّ العاملات الأجنبيات اللواتي استعانت بهنّ «عالساعة» (تدفع الأجر عن كلّ ساعة عمل) لم يتقبلهن ابنها وظلّ يسأل عن مولا. تقول: «صحيح أن مبلغ 2700 دولار لاستقدامها من جديد متعب، عدا تسديد 250 دولاراً شهرياً، لكنني سأؤمّن المبلغ ولو بطلوع الروح». تجربتها علّمتها أن «أتشارك مع مولا العمل لأبقى ملمّة بشؤون المنزل وحتى لا أعيش الصدمة ذاتها إذا تركتني ثانية».
تداعيات اجتماعية
لنضع جانباً فئة من الميسورين لا تستصعب استقدام عاملة منزلية، وأخرى تراها «بريستيجاً» يمكن الاستغناء عنه، هناك عائلات لبنانية تأذّت فعلاً عندما تخلّت عن العاملة المنزلية. فالأخيرة لطالما شكّلت حاجة ملحّة للاعتناء بمسنّ أو معوّق أو مريض، أو لمساندة المرأة العاملة في تدبير أمور المنزل ورعاية الأطفال. هذا التخلّي يخلّف مشاكل اجتماعية ويشكّل ضغطاً ثقيلاً على العائلات، خاصة لجهة غياب من يعتني بمسنّ أو معوّق، بحسب أستاذة الأنتروبولوجيا في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية مهى كيّال. «فالعاملة الأجنبية في لبنان جاءت لتسدّ ثغرات في المجتمع لم تسدّها المؤسسات العامة والخاصة». تشرح: «قد يقول البعض إن العائلات في الخارج لا تستعين بعاملات منزليات مثلنا، لكن ذلك يعود إلى تخفيف المؤسسات أعباء عن كاهلها كأن تتكفل بإرسال من يهتم بمعوّق أو مسنّ إذا لم يتوفر من يقوم بذلك في المنزل، وهذا ما لا يحصل هنا».
الرجل لا يساعد
الموروثات الثقافية والعقلية الشرقيّة التي تحكمنا تجعل الاستغناء عن العاملة «مصيبة» بالنسبة إلى كثير من النساء العاملات وغير العاملات. «فالمجتمع اللبناني يتطوّر ببطء، تتحوّل العائلات إلى نواتية وتتغير أنماط حياتية وتنخرط المرأة أكثر في سوق العمل من دون أن يرافق ذلك تبدّلات ثقافية ملحوظة. لا يزال العمل المنزلي حكراً على المرأة في أغلب الأوقات، وفي حالات نادرة يساعد الرجل زوجته في الأعمال المنزلية فيقوم ببعض المهام فيما تقع المسؤوليات الكبرى على عاتقها هي»، كما تقول كيال. وتلفت إلى أنه «تبعاً للموروثات الثقافية أيضاً وللحفاظ على بيت العائلة الذي حمل ذكرياتها لا ينتقل الزوجان إلى بيت أصغر عندما يقلّ عدد أفراد الأسرة، وهكذا يكون العمل المنزلي مضخّماً بالنسبة إلى مسنّ ومسنّة».