لم يعرف معظم الشارع اللبناني بقضية الفدائيين القادمين من شرق آسيا إلى غربها دعماً للقضية الفلسطينية، إلا بعد اعتقال الأجهزة الأمنية اللبنانية عدداً منهم عام 1997. الصحافي المتمرّن في صحيفة «النهار»، آنذاك، الزميل جمال واكيم، علم باعتقالهم عن طريق الصدفة. أبلغه بذلك «ميكانسيان» كان يصلّح سيارته عنده في منطقة البربير، مقابل مبنى يضم الشقة التي اعتُقل فيها اثنان من أفراد المجموعة. وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية قد دهمت ثلاث شقق في بيروت يسكنها يابانيون، في التوقيت نفسه، وأوقفت أكثر من 10 أشخاص، تبيّن لاحقاً أن بعضهم لا علاقة لهم بالجيش الأحمر الياباني.
يقول واكيم إن عملية الاعتقال تمّت ليل الخميس 14 شباط 1997، ولم يُعرف الخبر قبل يوم الإثنين بعدما نشرت صحيفة «النهار» معلومات عنه. وكان واكيم قد دخل المبنى وصعد إلى الطابق الثامن حيث الشقة التي لاحظ أنها لم تكن مقفلة بالشمع الأحمر كما أشيع، وسمع في داخلها صوت حركة لأشخاص ذكر لاحقاً أنهم عناصر أمن. وتأكد الخبر رسمياً، بعدما أصدر الجيش الأحمر الياباني بياناً أعلن فيه اعتقال «رفاق» في بيروت.
وبعدما حاولت بعض الأجهزة الأمنية التعتيم على الاعتقال، اضطرّت السلطات اللبنانية إلى إصدار بيان زعمت فيه أن الاعتقال حصل بسبب دخولهم إلى لبنان «بطرق غير شرعية» وباستخدام أوراق ثبوتية مزوّرة. وعُلم لاحقاً أن رئيس الحكومة اللبنانية، آنذاك، رفيق الحريري، كان يسعى إلى إتمام صفقة مع السلطات اليابانية لتسليمها أعضاء الجيش الأحمر الياباني، ومن بينهم الفدائي المحرّر كوزو أوكاموتو. إلا أنه بعد انتشار خبر التوقيفات، لم يعد بالإمكان تسليم المعتقلين لليابان خلافاً للقانون.
وُجّهت إلى اليابانيين المعتقلين اتهامات بدخول لبنان خلسة والتزوير واستعمال المزوّر لبعض جوازات السفر التي كانوا يستخدمونها لعدم انكشاف هويتهم أمام عملاء الموساد الإسرائيلي. واعتبر فريق محامي الدفاع المؤلف من النائب نجاح وكيم والمحاميان هاني سليمان وبشارة أبو سعد وعدد كبير من المحامين المتطوّعين (تجاوز المئة)، أنه حتى لو أراد القضاء إدانتهم بجرم التزوير واستخدام المزوّر، من دون الاكتراث لدوافع التزوير، فإن ذلك لا يعني ترحيلهم تلقائياً وتسليمهم إلى السلطات اليابانية. والقضية وإن بدت جنائية من حيث الشكل، إلا أنها في الأساس قضية سياسية وحقوقية. فـ«الجرائم» التي تلاحق السلطات اليابانية الموقوفين على أساسها وتطالب بتسليمهم لها كانت عمليات ضد الكيان الصهيوني، ولا تُعتبر سنداً للقانون اللبناني «جرائم». فعملية اللد هي عملية فدائية رداً على اعتداءات تعرّض لها لبنان، ولا تجرّم القوانين اللبنانية عمليات من هذا النوع خصوصاً أنها وقعت في أرض محتلّة. كما أن لبنان لا يستطيع، سنداً لقوانينه والاتفاقيات الدولية، ترحيلهم على هذا الأساس. لذلك تم توقيفهم بحجة الدخول خلسة.
ضغط الشارع والتحركات والاحتجاجات واضراب بعض المتضامنين عن الطعام ودور المحامين في متابعة مجريات التحقيق والمحاكمة، أخّرت إتمام الصفقة وترحيل اليابانيين ثلاث سنوات، وهي المدة التي قضوها في السجن إنفاذاً للحكم الصادر بحقهم في الجرائم التي أُوقفوا على أساسها.
رئيس الحكومة آنذاك كان يسعى إلى إتمام صفقة مع السلطات اليابانية لتسليمها أعضاء الجيش الأحمر


يشير جمال واكيم، عضو «لجنة أصدقاء كوزو ورفاقه»، إلى أن وصول العماد إميل لحود إلى سدة الرئاسة ساعد في الضغط لتحقيق مكاسب إيجابية للمجموعة المعتقلة، تمثلت كخطوة أولى في تحسين ظروفهم الحياتية داخل السجن بعدما كانوا يعاملون معاملة قاسية، خصوصاً كوزو أوكاموتو بسبب وضعه الصحي والنفسي الذي كان سيئاً جداً بعد التعذيب الذي تعرّض له على أيدي الإسرائيليين.
عام 2000، إثر انتهاء مدة العقوبة السجنية القضائية، منحت الدولة اللبنانية الفدائي كوزو أوكاموتو صفة لاجئ سياسي. وهو، حتى اليوم الشخص الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفة قانونياً. لكن تم ترحيل باقي المعتقلين إلى الأردن. ولتهدئة الشارع، أُشيع أن ذلك تم سنداً للقانون الذي ينظّم دخول وخروج الأجانب إلى لبنان وبأنه ستتم إعادة إدخالهم بشكل شرعي، وهو ما تبيّن كذبه لاحقاً مع ترحيل الأردن للمعتقلين إلى اليابان، ما يشير إلى صفقة عُقدت بين الدول الثلاث.

الوجهة: مطار اللد / فلسطين المحتلّة
كوزو أوكاموتو (أحمد)، ياسويوكي ياسودا (صلاح) وتسويوشي أوكاديرا (باسم). ثلاثة يابانيين قادهم نضالهم الأممي إلى فلسطين حيث نفّذوا عملية فدائية في 30 أيار 1972. فالقضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم أو قضية محيطهم العربي، بل لها بعد أممي ترجمه اليابانيون بالمجيء إليها لمناصرتها وعدم الاكتفاء بدعمها من الخارج.
العملية البطولية التي قام بها الشبان الثلاثة الأعضاء في الجيش الأحمر الياباني، خطّط لها القيادي في الجبهة الشعبية وديع حداد، وأراد من خلالها هزّ الكيان الصهيوني والانتقام بعد قصف مطار بيروت الدولي عام 1968، فكان الرد بالمثل، أي من خلال هجوم استهدف مطار اللد (يطلق عليه الإسرائيليون اسم «بن غوريون» أحد مؤسّسي كيان العدو) واغتيال عالم الأسلحة البيولوجية البروفسور الصهيوني أهارون كاتسير الذي كان مرشحاً لرئاسة الكيان الصهيوني آنذاك.
في تمام العاشرة إلا ربعاً من صباح الأربعاء، 30 أيار 1972، حطّت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في مطار اللد، وكان الفدائيون الثلاثة بين الركاب. تجمّعوا في مكان تسلّم الحقائب وما إن تسلّموها حتى أخرجوا منها رشاشاتهم الحربية وبدأوا إطلاق النيران ورمي قنابل يدوية، ما أدى إلى مقتل 26 شخصاً، من بينهم عالم الأسلحة البيولوجية، وإصابة أكثر من 80. استشهد ياسودا وأوكاديرا بتفجير قنابل يدوية بعدما حاصرهما جنود العدو، واعتُقل كوزو بعد إصابته بجروح بالغة وبعد تعطل القنبلة التي كانت بحوزته. وقد تعرّض خلال اعتقاله لشتّى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. وكانت صلابة كوزو أوكاموتو في قاعة المحكمة هدفاً للصهاينة الذين مارسوا مختلف أساليب التعذيب التي نعرض جزءاً منها في الرسم البياني في الصفحة الثالثة. وانتُهكت أبسط حقوقه الإنسانية بوحشية لا مثيل لها إلى أن تحرّر من الاعتقال «شبه إنسان»، في عملية تبادل للأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والكيان الصهيوني عام 1985.