نجح 123 محامياً متدرّجاً من أصل 160 متبارياً في الاختبار الخطي لطالبي الانتقال إلى الجدول العام في نقابة المحامين في بيروت، والذي صدرت نتائجه بتاريخ 13/7/2023، كما أقسم 274 محامياً متدرّجاً أخيراً اليمين القانونية أمام محكمة الاستئناف في بيروت. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: لماذا الإقبال الكبير على اختيار مهنة المحاماة؟للإضاءة على واقع المهنة اليوم، نعرض في ما يلي بعضاً من المسائل والمشكلات التي تتصل بممتهني هذه المهنة، التي ينبغي على نقابتَي المحامين في بيروت وطرابلس معالجتها عبر خطّين متوازيين، الأوّل باعتماد برامج التدريب المستمرة، والثاني بتحديث قانون تنظيم مهنة المحاماة.
يسود في أرجاء المجلس النّيابي مفهوم يقضي بتميّز النواب كونهم المشرّعين الذين يضعون القوانين، باعتبارهم أكثر إدراكاً بفهم النّصوص القانونية وكيفية صياغتها. إلا أن هذا الأمر لم يعد كذلك، ولا سيّما بعد قيام عدد كبير من النواب بالاستعانة بمحامين وخبراء قانونيين لمساعدتهم في وضع اقتراحات القوانين ومناقشتها وتقديم المداخلات، وهو أمر يمكن متابعته بمراقبة الاقتراحات التي يقدّمها هؤلاء النواب. من جهة ثانية، يمكن للنواب المحامين مغافلة زملائهم بإضافة كلمة أو صياغة عبارة تجعل النصّ ملتبساً أو محتملاً لأكثر من تأويل.
لا شكّ في أن أبرز من نجح من موظفي الإدارات والمؤسسات العامة هم خرّيجو الحقوق، والأكثر نجاحاً هم من مارسوا مهنة المحاماة واطّلعوا على أبرز الاجتهادات القضائية في هذا الصّدد، فقدرتهم على ابتداع الحلول في ظل الجمود التشريعي لقوانين قديمة، تفوق قدرة غير المحامين.

تمكّن عدد من المحامين من الفوز بمهنة تعقيب المعاملات فحسب، من دون أدنى مجهود فكري. إذ جلّ ما يقومون به هو تعقيب معاملات زبائن مكتبهم لدى الإدارات والمؤسسات العامة، عبر استغلال علاقاتهم مع عدد من موظفي الدولة، حيث كان لا بد من استمراريّة الخدمات لكلا الطرفين في ظل تحلّل إدارات الدولة.
يمكن لأي قلم من أقلام المحاكم أو موظفي الإدارات والمؤسسات العامة متابعة بعض الاستدعاءات أو اللوائح الجوابية التي يقدمها بعض المحامين، ليتبيّن ببساطة أن بعضاً من هؤلاء المحامين يفتقدون قلماً، فمنهم من لم يطّلع على القانون الذي ينظّم الموضوع، أو الذي يتقدم باستدعاء بشأنه.
بعض كليات الحقوق لا تعطي موضوع الحماية الاجتماعية والحق في التأمينات الاجتماعية العناية اللازمة


تظهر مسؤولية كليات الحقوق في لبنان في عدم إعطاء موضوع الحماية الاجتماعية والحق في التأمينات الاجتماعية العناية اللازمة. فكليات الحقوق كافة تصنّف مادّة الضمان الاجتماعي كمادة ملحقة بقانون العمل، باعتبارهما يندرجان ضمن مادة: تشريعات اجتماعية. في حين أن موضوع التأمينات الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي أكبر وأشمل من قانون العمل. فمن غير المقبول اعتبار أن الضمان الاجتماعي يرتبط بالعمل، في حين أن تقديمات الضمان تقتضي أن تشمل البطالة، أي الأشخاص الذين لا يعملون. إذ تنصّ العديد من صكوك حقوق الإنسان على أن الحقّ في الضّمان الاجتماعي حق أساسيّ، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
من جهة أخرى، يتوجب على المحامين المطالبة بحصولهم على الحق في الضمان الاجتماعي، إذ نجد أن معظمهم لا يعرف تفاصيل الحماية الاجتماعية باعتبارها مادة حقوقية أصيلة وليست ثانوية، أو ملحقة بقانون العمل. ويمكن لأي مراقب متابعة المؤلفات الصادرة بشأن الضمان الاجتماعي، ليجد أنها معدودة.
تفتقر نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس إلى تحديث قانون تنظيم مهنة المحاماة، بحيث يقتضي أن تلزما المحامين بالخضوع لدورات تدريبية مستمرة أو محاضرات تشبه محاضرات التدرّج، على أن تكون معمّقة وفي مواضيع متخصّصة. فمهما تعلّم الحقوقي، عليه أن يخضع لشرط الاستزادة وملاحقة العلوم المتطورة قانوناً. كما يقتضي على نقابتَي المحامين أن تستفيدا من خبرات الحقوقيين الذين كانوا ينتسبون إليهما ويمارسون أعمالاً في الإدارة العامة، وأن تسمحا لهؤلاء بالاستمرار في الانتساب إلى النقابة ولو ضمن فئة خاصة، كما تفعل نقابة المهندسين التي تسمح للمهندسين بالاستمرار بالانتساب إليها، رغم عدم ممارسة الهندسة لحسابهم الخاص، لأنهم يمارسون هذه المهنه فعلاً من خلال شغلهم للوظائف العامة.