على مدى قرن ونيف، عُقدت مؤتمرات وشُرِّعت قوانين ووُقِّعت اتفاقيات وأُسِّست هيئات باسم المرأة ونضالاتها، لكن العالم الإمبريالي الرأسمالي شوّه تاريخ النضال وأسبابه، وكرّس في ذاكرة الشعوب صوراً لمعارك جانبية لم تكن همّاً نسوياً في زمن الثورات الحقيقية. تقصّد هذا العالم التعتيم على دور النساء التاريخي في الحضارات الانسانية، وحاول نقل مشاكله الإجتماعية والبنيوية الى مجتمعاتنا، ليشتّت شعوبنا بإسم الحرية والتحرر، وليقوّض نضالاتنا من الكفاح من أجل الحرية الجماعية الى الاستماتة في خوض المعارك الفردية... الى أن جاء السابع من أكتوبر وقدّم للعالم أجمع درساً في النضال الجماعي المنظّم، وصفعة مدوّية على وجه كل من راهن على أن الكبار يموتون والصغار ينسون، وليكتشفوا أن المرأة الفلسطينية جدار رحمها مطرّز بحب فلسطين، ولأجلها قدّمت فلذات كبدها بصبر وقوة إيمان لن تستطيع لغات العالم وصفه.
تعجّ الذاكرة بصور النساء الغزاويات وبأصواتهن المخنوقة فوق أكفان أولادهن، كيف لنا أن نحتفل بيوم المرأة العالمي ونفتخر بإنجازاتنا الصغيرة عندما نرى صورة إسراء جعابيص؟
هل تقارن نضالات أي إمرأة مهما كان حجمها بنضال أمهات لبسن ثوب الصلاة استعداداً للشهادة واحتضنّ أطفالهن ونمن؟
كيف لهذا العالم أن يجرؤ بعد السابع من أكتوبر أن يتحدث عن الشرعات والقوانين الدولية وإتفاقيات إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟
هل سيخرج من يقول إن النساء ناقصات عقل ودين وعلى هذه الأرض نساء من فلسطين؟
إن الثامن من آذار، لهذا العام، هو مناسبة لنعلن من خلالها لشعوب العالم بكافة معتقداتهم، ممن تحرّكوا بشكل غير مسبوق نصرة لغزة ولكل فلسطين ورددوا بكل اللغات «تحيا فلسطين»، أنه آن الأوان لنعيد رسم قواعد حقوق الانسان بعيداً عن الكيل بمكيالين، وأن يؤمن هذا العالم بأن أي احتلال حتماً مصيره الزوال، وأن الظلم لن يولّد إلا العزيمة والإصرار للإنتصار على الظالم.
وليكن الثامن من أذار لهذا العام إنطلاقة لمواجهة الحرب الثقافية والفكرية التي تخوضها الأنظمة الإمبريالية عبر حروبها الناعمة ضد شعبنا العربي الذي أغرقته غالبية مؤسسات المجتمع المدني في معارك جانبية، بهدف تشتيت قدرات أفراده وتشويه مفهوم النضال الثوري فيه، حتى بات جيل بكامله لا يعرف أن من أيقوناتنا النسائية الخالدة جميلة بوحيرد وليلى خالد وسناء محيدلي ولولا عبّود ودلال المغربي وتيرز هلسة وآيات الاخرس؛ وأن هؤلاء النساء ومثيلاتهن هن القدوة والمثال، وغياب هذه النماذج عن ساحات النضال هو من أخرج المرأة من مكانتها المرموقة ودورها الأساسي والمركزي في بناء كل مجتمع.
آن الأوان أن ننتصر لقضايانا ونحرّر عقولنا من هاجس إرضاء المجتمع الدولي الذي جلس متفرجاً خمسة أشهر على إرتكاب جريمة إبادة جماعية بحق أهلنا في غزة، ولم يتمكن بكل مؤسساته الدولية أن يصدر قراراً بتوجيه مجرد اللوم لمرتكب المجازر. وفي المقابل، هذا المجتمع الدولي نفسه يطيح بدول عربية بحجة حماية الشعوب من أنظمتها الاستبدادية.
أما قصف المستشفايات والمدارس والاماكن السكنية على من فيها ومنع وصول الدواء والطعام والمياه وقصف النازحين سيراً على الأقدام... فكل هذا لا يستدعي التدخل ولا حتى الشجب أو الإستنكار.
آن الأوان لأن نحدد تواريخ أعيادنا ومناسباتنا، وأن نكتب قصص بطولاتنا وإانتصاراتنا، وأن نفخر بقيمنا وعاداتنا، وأن نخلع عن جلودنا وصمة التخلف والتبعية لمجتمع لا يعنيه سوى الاستيلاء على خيراتنا وقدراتنا.
آن الأوان أن نؤمن بأن فلسطين هي المعيار لكل أشكال النضال، وأنها عصية على الإنكسار، وأن المرأة نصف المجتمع فيها، وهي صمام أمان النصف الثاني لأن الامهات الفلسطينيات هن مرضعات المقاومين الأسود.
لتبقى فلسطين بخير، كل عام ونساؤها بألف ألف خير.
تحيا فلسطين.