تستخدم «إسرائيل» في قطاع غزة برنامجاً للتعرف إلى الوجوه، وأنشأت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قاعدة بيانات للفلسطينيين، من دون علمهم أو موافقتهم، تستخدم تكنولوجيا صمّمتها شركة «كورسايت» (مقرها تل أبيب) لتحديد المنتمين إلى «حماس».أُنشئ برنامج التعرف إلى الوجوه بالتزامن مع الهجوم البري الإسرائيلي على غزة. وذكر تقرير لـ«نيويورك تايمز» أن الجنود الإسرائيليين الذين يدخلون غزة زُوِّدوا كاميرات مجهزة بهذه التكنولوجيا، كذلك نُصبت هذه الكاميرات عند نقاط التفتيش في الطرق الرئيسية التي يستخدمها الفلسطينيون فراراً من القصف العنيف. وقال ضابط إسرائيلي للصحيفة إن الهدف هو إنشاء «قائمة اغتيالات» للأشخاص الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر.

تضليل وتزييف
وفيما تفاخرت «كورسايت» بأن تقنيتها قادرة على تحديد الأشخاص بدقة عالية حتى لو كان أقل من 50% من الوجه مرئياً، غير أن الحقيقة مختلفة تماماً. إذ أكّد أحد الضباط أن وحدة الاستخبارات سرعان ما اكتشفت أن تقنية «كورسايت» تواجه صعوبات، خصوصاً في اللقطات المشوشة أو تلك التي حجبت فيها وجوه الأشخاص. فعلى سبيل المثال، عندما حاول جيش الاحتلال التعرف إلى جثث الإسرائيليين الذين قُتلوا في 7 أكتوبر، لم تعمل هذه التكنولوجيا دائماً مع من أصيبوا في وجوههم، إضافة إلى «النتائج الإيجابية الكاذبة»، أي الحالات التي تم فيها التعرف عن طريق الخطأ إلى الأشخاص على أنهم مرتبطون بالمقاومة. مثال على ذلك، التعرف إلى وجه الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة على أنه مرتبط بحركة حماس بعدما رصدته الكاميرا في نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية أثناء محاولته مغادرة غزة إلى مصر مع عائلته. فقد احتجز جيش العدو أبو توهة الذي تعرض للضرب والاستجواب على مدى يومين قبل إعادته إلى غزة من دون تفسير.



إسرائيل تسرّع الإبادة الجماعية
لا يحتاج التعرف إلى الوجوه بالضرورة إلى تقنية معقدة ليكون أداة للكوارث. فكما هو الحال مع أي نظام قائم على الذكاء الاصطناعي، تكون خوارزميات التعرف إلى الوجوه عرضة للانحياز اعتماداً على البيانات التي يتم تدريبها عليها. على سبيل المثال، إذا تم تدريب الخوارزمية على مجموعة بيانات تتكون بشكل أساسي من وجوه من مجموعة معينة، فقد تكون أقل دقة في التعرف إلى وجوه من المجموعات الأخرى. وفي سياق الإبادة الجماعية، يمكن استغلال هذا التحيّز لتحديد هوية خطأ للأقليات المستهدفة.
إلى ذلك، لا تعتمد تقنية التعرف إلى الوجوه فقط على الكاميرات، بل تتطلب أيضاً قواعد بيانات ضخمة تحتوي على وجوه وأسماء مرتبطة بها. ومع تزايد ربط قواعد البيانات المختلفة (مثل السجلات الحكومية وسجلات الهاتف المحمول)، يمكن إنشاء صورة شاملة للمواطنين، ما يسهل استهدافهم، ببساطة، لأنهم فلسطينيون.

أكثر من إبادة
تحديد الهوية الفلسطينية المستهدفة: تستخدم إسرائيل التعرف إلى الوجه لتحديد مجموعات معينة مستهدفة للاضطهاد. وعبر مسح الحشود أو قواعد بيانات الصور، يمكن لسلطات الاحتلال التعرف إلى الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المجموعات بسرعة أكبر، ما يسهل اضطهادهم أو إبادتهم.
المراقبة الجماعية: تستغل دولة الاحتلال التكنولوجيا بهدف تنفيذ أنظمة مراقبة جماعية مجهزة بقدرات التعرف إلى الوجوه لمراقبة تحركات السكان الفلسطينيين وأنشطتهم.
الشرطة التمييزية: يمكن لوكالات إنفاذ القانون في دولة الاحتلال استخدام هذه التكنولوجيا بهدف التعرف إلى وجوه الفلسطينيين لاستهدافهم ومضايقتهم واضطهادهم.
الإيجابيات الكاذبة والتعريف الخطأ: خوارزميات التعرف إلى الوجوه ليست معصومة من الخطأ ويمكن أن تعطي نتائج إيجابية كاذبة. في سياق الإبادة الجماعية، يمكن أن تؤدي النتائج الإيجابية الكاذبة إلى اعتقال الأفراد أو احتجازهم أو إعدامهم بشكل غير مشروع بناءً على ارتباطهم «المتصور» بالجماعات المستهدفة.

سلطات الاحتلال تستخدم تكنولوجيا التعرف إلى الوجوه لترسيخ الفصل العنصري
في أيار 2023، قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات الإسرائيلية تستخدم نظاماً تجريبياً للتعرف إلى الوجوه يُعرف باسم «الذئب الأحمر»، لتعقّب الفلسطينيين وأتمتة القيود الصارمة المفروضة على حريتهم في الحركة.

200

مللي ثانية هي سرعة تكنولوجيا التعرف إلى الوجوه. علماً أن هذه السرعة يمكن أن تختلف وفقاً لعوامل مثل تعقيد النظام وجودة الصورة وحجم قاعدة البيانات.

ووثقت المنظمة كيف أن «الذئب الأحمر» جزء من شبكة مراقبة متنامية تعمل على ترسيخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتساعد في الحفاظ على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. ويتم نشر هذا النظام عند نقاط التفتيش العسكرية في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، وهو يقوم بمسح وجوه الفلسطينيين وإضافتهم إلى قواعد بيانات المراقبة الواسعة من دون موافقتهم. كما وثقت المنظمة تزايد استخدام «إسرائيل» للتكنولوجيا في القدس الشرقية المحتلة، ولفتت إلى أن الفصل العنصري الآلي يُظهر كيف أن هذه المراقبة جزء من محاولة متعمدة من قبل السلطات الإسرائيلية لخلق بيئة معادية وقسرية للفلسطينيين، بهدف تقليل وجودهم في المناطق الإستراتيجية. وذكرت أنه إضافة إلى «التهديد المستمر باستخدام القوة البدنية والاعتقال التعسفي، يجب على الفلسطينيين الآن أن يواجهوا خطر تعقبهم بواسطة خوارزمية، أو منعهم من دخول أحيائهم بناءً على معلومات مخزنة في قواعد بيانات المراقبة العنصرية».

عوامل تؤثر على مصداقية التعرف إلى الوجوه
جودة الصورة:
• الصور ذات الدقة المنخفضة أو المشوشة تجعل من الصعب على النظام تحديد ملامح الوجه بدقة.
• ظروف الإضاءة السيئة، مثل الظلال أو الإضاءة الخلفية القوية، يمكن أن تؤثر أيضاً على دقة التعرف إلى الوجه.
• العوائق، مثل القبعات والنظارات الشمسية والكمامات، يمكن أن تخفي ملامح الوجه الرئيسية المستخدمة في التعريف.
تغيرات الوجه:
• يمكن أن تؤثر التغييرات في المظهر بسبب الشيخوخة وتعبيرات الوجه والمكياج وحتى تسريحات الشعر على دقة التعرف إلى الوجه.
• يمكن للحالات الطبية أو العمليات الجراحية أيضاً أن تغير ملامح الوجه.
مشكلات قاعدة البيانات:
• تعتمد دقة التعرف إلى الوجوه على جودة قاعدة البيانات المستخدمة واكتمالها للمقارنة.
• قاعدة البيانات القديمة أو التي تحتوي على معلومات غير دقيقة يمكن أن تؤدي إلى تحديد هوية خطأ.



مسرح المجزرة في مستشفى الشفاء
تتراكم مسارح الجريمة في مجمع الشفاء بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر الأول من نيسان، بعد أسبوعين على اقتحامه واحتلاله بشكل كامل، مُخلفاً دماراً واسعاً طال كل المجمع. كما عمد الاحتلال إلى تدمير الأدلة وحرق جميع المباني والأقسام وهدمها.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، قتل جيش الاحتلال داخل المجمع وفي محيطه أكثر من 400 مدني، وحاول إخفاء جريمته بإعدام مئات المدنيين والجرحى والمرضى داخل أسوار مجمع الشفاء الطبي عبر تغطية الجثامين بأكوام الرمال وتجريفها ودفنها. وأكد الناطق باسم الدفاع المدني أن قوات الاحتلال أعدمت في المجمع مواطنين مكبّلي الأيدي.
تزداد التحديات المتعلقة بالتحقيق الجنائي العلمي في مسارح الجريمة في مجمع الشفاء، خصوصاً مع تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي تلويث الأدلة وتدميرها، ما يجعل من الصعب تحديد العينات وجمعها والحفاظ عليها. فأشلاء الشهداء مختلطة ومتحللة، ما يزيد من صعوبة التعرف إلى هوية الجثامين. كما أنّ الجثامين المحترقة تتطلب تقنيات متطورة لتحديد مصدر الحمض النووي الذي يتم استخراجه من العظام. ويصعّب التدمير الكلي لمسارح الجريمة بالحرق والتجريف إعادة تركيب الجرائم وتحديد تسلسل الأحداث.
قد يتساءل البعض عن أهمية التحقيق الجنائي والجرائم موثقة ومشهودة، وإسرائيل دائماً تفلت من العقاب؟
إن قلب صفحات الإبادة الجماعية بعد 183 يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة من دون تحقيق كامل وعلمي ونزيه، يعدّ إهانة للضحايا واستخفافاً بأوجاعهم وتضحياتهم وبمنزلة «تفويض مطلق» لإفلات سلطات الاحتلال من العقاب وتشجيعها على إراقة مزيد من الدماء وقتل الفلسطينيين قصفاً وحرقاً وجوعاً.


أخطاء شائعة

أسطورتان حول التعرف إلى الوجوه
1. كل الوجوه سواسية أمام تقنية التعرف؟ خطأ!
لا تستطيع هذه التقنية التعرف إلّا إلى الأشخاص الموجودين مسبقاً على قاعدة بياناتها. إذاً، إن لم يكن وجهك ضمن هذه القائمة، فأنت بمنأى عن المراقبة!
2. التعرف إلى الوجوه: عين لا تخطئ؟ لا تصدق كل ما ترى!
رغم تطورها، إلّا أنّ هذه التقنية عرضة للأخطاء، خاصة مع اختلاف الإضاءة والزاوية، أو حتى تعابير الوجه! كما أنها قد تتعرّف بشكل أفضل إلى وجوه من عرق معين مقارنة بآخر.