يوثّق كتاب «تاريخ التصميم الغرافيكي العربي» (A History of Arab Graphic Design) للأكاديميين بهية شهاب وهيثم نوّار بتاريخ التصميم الغرافيكي في بلدان عربية عدّة من بينها لبنان ومصر والسودان والمغرب وسوريا والأردن. في مؤلّفهما الذي صدر أخيراً باللغة الإنكليزية عن «منشورات الجامعة الأميركية في القاهرة»، يعود الباحثان إلى بداية القرن الماضي، حين ظهر التصميم الغرافيكي عربياً كحاجة للتعبير عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كان يشهدها العالم العربي في تلك الفترة. غير أن التصميم الغرافيكي كفن معترف به في المنطقة لم يظهر إلا بداية القرن الحالي وفق ما يتوصّل إليه الكتاب. وفيما ليس هناك دراسة شاملة منشورة سابقة عن الموضوع، تنطلق شهاب ونوّار في بحثهما لملء الفجوات في التأريخ لهذا الفن عربياً. هكذا تطلّب الأمر سنوات عديدة لنبش أرشيفات البلدان العربية. يتوقّف الباحثان عند سياقات هذا الفن، وتطوّره، من خلال أربعة عناصر أساسية تنطلق من التأثيرات الإسلامية وتتمثّل في الخط العربي، والتصاميم الهندسيّة، والزخارف النباتية، والفنون التصويرية. من خلال ثمانية فصول، يغطي الكتاب 5 أجيال من المصمّمين العرب، ويعرض أعمال ثمانين مصمماً ومصممّة عبر تسلسل زمني، يشتمل على سعي هؤلاء لابتكار هويّة عربيّة بصريّة. البداية مع الجيل الأوّل الذي ظهر بين الأربعينيات والخمسينيات، أي الفترة التي تلت نيل بعض البلدان العربية استقلالها، وتضمّ هذه الفترة أعمال السوداني عثمان وقيع الله، والمصري حسين بيكار، تليهما أجيال لاحقة من المصممين مثل السوري برهان كركوتلي، والمصريان حلمي التوني ومحيي الدين اللباد، ولاحقاً الفلسطيني كميل حوّا والسوري يوسف عبدلكي والعراقي ضياء العزاوي. يعرض الكتاب أعمال هؤلاء ضمن سياقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية برفقة حوالي 600 تصميم مصوّر يحويها المؤلّف الشامل. لا يتجاهل المؤلّفان الظروف التي رافقت المصمّمين وتأثيرها على أعمالهم، منها المنفى الذي شكّل مصير عدد من المصممين العرب في فترة السبعينيات الصاخبة. كذلك يظهّران المراحل المفصليّة في تطوّر هذا الفن أكاديمياً، خصوصاً جهود الجامعات اللبنانية في ترسيخ هذا الاختصاص في برامجها التعليمية. هكذا يقع القارئ على التأثيرات السياسية والثقافية والسينمائية التي شكّلت هذا الفن وأطّرته، وصولاً إلى الثورة الرقمية في المراحل الأخيرة.