نظّم «المنتدى الدولي للحوار المسؤول» يومَي الأربعاء والخميس الماضيين ندوة حوارية: بعنوان: «الهوية الحضارية والسردية الذاتية» في «مركز معهد المعارف الحكمية» في بيروت. أدارها في اليوم الأول: عدي الموسوي، وشارك فيها كل من: حسين رحال، ومصطفى الحاج علي. ثم في اليوم الثاني: أدارها حسن خليفة، وشارك فيها كل من: أحمد ماجد، وهادي قبيسي.كانت البداية مع حسين رحال، الذي قدّم بحثاً بعنوان: «موقعية المقاومة في تثبيت الهوية الحضارية» تناول فيه الهوية والثقافة وروح الأمة والحضارة. بيّن بعض المفاهيم الواردة كالحضارة وعلاقتها بالهوية والثقافة. وقال إنّ الهوية يمكن أن تكون قابلة للزوال، وهي تُبنى -وفق العلوم الاجتماعية- ويُعاد إنتاجها بالنجاحات. وربط في انطلاقتها من أن تكون إسلامية ووطنية في الوقت نفسه، الأمر الذي أدركته المقاومة فعززت روح الانتماء إلى الجماعة وإلى الهوية المشتركة لكل العرب. وتطرق إلى المقاومة في لبنان ثم إلى النضال الفلسطيني ومعركة سيف القدس. ودعا في ختام كلمته إلى تكريس الهوية في المناهج التربوية وتحويل رموز المقاومة إلى رموز للذاكرة الجماعية للشعب كله.
وكان ختام اليوم الأول مع مصطفى الحاج علي، الذي قدّم بحثًا بعنوان: «من الثورة إلى بناء الحضارة». تحدث فيه عن التعريفات التي تميز بين الثورة الثقافية والسياسية والاجتماعية. واعتبر أنّ الثورات الحقيقية هي فعل خلّاق مستمر تقوم به الشعوب ويتجاوز الزمن. وتعرض لرأي الإمام الخامنئي الذي يضع الثقافة بنداً أولاً في جدول اهتماماته، فغالبية مواقفه الفكرية المتّصلة بالثورة والثقافة في إيران تتعامل مع مهمّتين أساسيتين: داخلية تركز على قيمة الثقافة وتشخيص نقاط ضعفها ونقاط قوتها، وخارجية تركز على البعد الصراعي والتنافسي خصوصاً، ومع الغرب عمومًا. ويعتبر أنّ الثورة الثقافية أهم من القضايا الاقتصادية والسياسية لأنّها تحدد هوية أي شعب، وعلى الجميع الدفاع عنها، وهي ملازمة للثورات، مؤكداً على ضرورة تقوية العامل الثقافي لأنّ ضعفه يسبّب سقوط الحضارات وزوال المدنيّات. وختم بالكلام حول العولمة، ونبّه من إفساد الثقافة المحلية لما يسهل تحويلها إلى تابعة لا تملك حتى إرادة التبعية.
وفي اليوم الثاني للندوة، كانت البداية مع أحمد ماجد، الذي استعرض مميزات الهوية عند الإمام الخامنئي (الهويات من الصراع إلى التنافسية). فبيّن كيف أنّ الحضارة تعكس حضور الإنسان نحو الصلاح من وجهة نظر الإمام الخامنئي وقدّم عرضاً سريعاً لمسار بحثه. ثم عرّف الهوية والحضارة لغة واصطلاحاً وبيّن منشأهما عند الإمام القائد، موضحاً أنّ الهوية الحضارية تجعل المجتمع أكثر قدرة على مواجهة الانحراف عبر اعتمادها مجموعة قيم عليا هي التوحيد والوحي والعقلانية والثورية والعدالة، وهي ليست حكراً على الإسلام و«إنّما موجودة في كلّ دين أصيل». وفرّق بين رؤية الإمام وبين النظريات الغربية متطرّقاً إلى الهوية الحضارية في الغرب. وختم كلامه بأنّ النّظام الإسلاميّ رسم لنفسه نهجاً منطقياً للتحرّك، وإذا تواصل ستكون النتيجة الحتميّة ازدهار الحضارة الإسلاميّة من جديد واستعادة رقعتها الواسعة في العالم.
وكان ختام اليوم الثاني مع هادي قبيسي، الذي قدم بحثاً بعنوان: «التقدم الحضاري بين الإمام الخامنئي وكارل شميت». قارب بين الطرحَين، وعرض المباني الحضارية بشكل سردي مبيّناً من خلاله بعض أصولها. قدّمها في سياق مقارن استدعى الالتفات إلى الاختلاف في الغايات واللغة. ولفت إلى أنّ القيمة الهامة في طرح الإمام هي وجود معيار للتقدم، بينما في طرح شميت هناك صعوبة في إثبات المعيار أو تثبيته. وعرض ستة عناوين في المقارنة بين الطرحين، ثم تناول كل عنوان على حدة، مقارناً بينه وبين النموذج الإسلامي من خلال بيان الإمام القائد. وختم كلامه ببيان سريع لحركة الصراع، التي قامت على مسارات التحييد، مؤكداً على الطرح الإسلامي بحسب بيان الإمام الخامنئي على الصعيد العملي والتجربة.