ترك النجم التونسي ظافر عابدين (1972) انطباعاً أقلّ ما يتركه الممثل المحترف عادةً! انحسرت موهبته في شكله عند بعض متابعيه. صار يشار إليه على أنه الممثل الوسيم، الذي تتبعه النساء الجميلات أينما حلّ، وتسمعنا صرخات الإعجاب به كلّما مررن صوبه. تتزاحم على لقائه الكاميرات. هذه حقيقة فعلاً! لكن كلّ ذلك لا يصنع ممثلاً استثنائياً، يجيد لعب الأدوار المركبة، ويقدر أن يترك رسالة واضحة بأنه مرّ من هنا، ولو جسّد بمشهد واحد. كأن الممثل التونسي الذي بنى نجوميته في مصر وأخيراً في الدراما اللبنانية المشتركة، انتبه لما وصل إليه، فقرر أن يقلب المنقلة! أو على الأقل يحاول علّه يصل. هكذا، قرر أن يتجه نحو الفن السابع، ولأن أهمّ المواضع وأكثرها انتشاراً تلك التي نستطيع أن نجيد صوغها انطلاقاً من بيئتنا المحلية، سارع عابدين إلى بلده الأم وغاص في عمقه. جرّب التأمل في وجع ناسه. وتقلّباته الجذرية، فوصل إلى فيلم «غٌدوة» (قصّة وإخراج ظافر العابدين- تونس- روائي- عرض عالمي أول في «مهرجان القاهرة» الذي اختتم أمس). يحكي الفيلم قصّة حبيب الذي تتدهور صحتّه النفسية، بسبب ما آلت إليه الأمور عقب الثورة، إذ يؤثر ماضيه السياسي أثناء فترة حكم بن علي على حاضره، بعدما كان مسكوناً بهاجس التغيير وردّ الأمور لنصابها وتحقيق العدل. صفعته الحياة بأنّ كثيراً من الحقوق لم ترد إلى أهلها فوصل إلى مطرح صار يعاني فيه من الهلوسة والتخيّل. لعلّ الظروف وضعته عند انفصام شخصية من دون أن تجعله يتنازل عن أحلامه في الحرية والمساواة والعدالة. وتحقيق الشعارات التي انطلقت من أجلها الثورة. سيجرّب حبيب اللجوء إلى أحد الرموز السياسية، فلا يصغي له قبل أن يضرب من قبل مرافقيه على بابه، ومن ثم يساق إلى السجن بتهمة التهجّم على المسؤول وتهديده. هنا يهرع ابنه وراء سيارة الشرطة ليخبره بوعد قاطع بأنه سيكمل الطريق، فيهنئ حال الاب ويبتسم لمصيره السيء طالما أن رسالته وصلت لابنه وحقق ما كان يصبو إليه. الإرباك الذي يعيشه الأب سيجعل الأمر مختلفاً بعلاقته مع نجله أحمد الذي أنجبه من زوجته السابقة، مما يؤدي إلى تبادل الأدوار بين الأب وابنه، فيجد أحمد نفسه مضطراً للاعتناء بوالده والتأكد من سلامته، لكن الأوضاع تجعلهما في موقف لم يستعدا لمواجهته.
الشريط يجعل المتلقي في صعوبة واضحة، لفهم معطياته بعمق، بسبب اللهجة التونسية الصعبة. سيلاحق المتفرّج الترجمة باللغة الإنكليزية إن لم يكن من سكّان المغرب العربي، أو ضليعاً باللهجة التونسية. لكن مع ذلك، تخلق الفرجة السينمائية تواتراً واضحاً تجعل المشاهد في غنى عن فهم الحوار كاملاً في كثير من المطارح. لعلّ الحركة مقصودة لكي يعتاد المشاهد العربي على لهجة أهل تونس ويفهم جيداً الحوارات!
الفيلم ينتمي لسينما تجرّب العناية بالصورة دون إبهار مفتعل، أو اجتهاد لحركة كاميرا غير طبيعة. لا شيء صادماً هنا، أو غير متوقّع. كذلك الدراما بطيئة لا تحبس الأنفاس، أو تشجّع على تقفّي أثر الشخصيات بشغف وحماس. كلّ شيء يسير ببطء نحو نهايات متوقعة لا تنتهي قبل أن يصل حبيب إلى سيارة الشرطة!
هذه واحدة من المرّات القليلة التي يطلّ فيها ظافر عابدين على مسارح مصر متحدثّاً اللهجة التونسية، في رغبة واضحة للاشتباك مع قضايا بلاده التي ما زالت تنام وتصحو على لهيب، كأنه يريد القول بأنه ولو كان يعيش ويصدّر كممثل من مصر، لكن بلده يأخذ حيزاً كبيراً من هاجسه وانشغالاته وهمومه.