أمام شبابيك مغلقة وفي أطار المسابقة الرسمية لـ «أيام قرطاج المسرحية» في نسختها الثانية والعشرين التي اختُتمت أوّل من الأمس الأحد، عرضت المخرجة الفلسطينيّة رائدة غزالة مسرحيّتها الجديدة التي أنتجها مسرح «الحكواتي» في القدس المحتلّة العام الماضي «حكاية زهرة». في هذه المسرحيّة المأخوذة عن رواية بالعنوان نفسه لحنان الشيخ، تعود المخرجة إلى سبعينيّات القرن الماضي في بيروت التي شهدت حرباً أهليّة تواصلت إلى مطلع التسعينيّات وحوّلت العاصمة اللبنانية من «ست الدنيا» كما أسماها الشّاعر السّوري الرّاحل نزار قباني إلى مدينة ثكلى خربة.
من البداية، تقدّم المسرحيّة نفسها: بيروت 1976. لتضعنا المخرجة في سياق تاريخيّ واضح: اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، أصوات الصواريخ والبنادق وصفارات الإنذار... تتصاعد أصوات الهلع ونداءات الاستغاثة بما يضع المشاهد في قلب المعارك.
تتشابك الحكايات والشخصيّات: الأم «فاطمة» (إيمان عود)، الأب (محمد الباشا)، البنت «زهرة» (ياسمين شلالة) و«القنّاص» (ميلاد قتيبة).
نرى مشاهد تعنيف الأب لابنته ولزوجته على إيقاع أصوات البنادق والصواريخ والتفجيرات وسط ديكور تختزله ستائر طويلة وسواتر ترابية وأريكة كالتي توجد في عيادات الطب النفسي. تتداعى حكايات «زهرة»، فتكشف عن تعرّضها للاغتصاب وعن حالات سفاح القربى واستقطاب الشباب للانخراط في التنظيمات المسلّحة وتحويلهم إلى قتلة. هكذا، تروي زهرة في إيقاع حزين تجربة زواجها ثم علاقتها مع القنّاص الذي كانت تمنحه جسدها حتى ينغمس في الحب، فتحبل منه وتُزهر روحها في انتظار تحقيق حلم الأمومة. لكن القنّاص الذي احترف القتل يُضيفها إلى قائمة ضحاياه، فيُرديها قتيلة في بركة من دمائها.
المسرحيّة شهادة عن مرحلة دامية من تاريخ لبنان استحضرت خلالها المخرجة مناخات الحرب. ورغم القتامة الطاغية على المسرحية، تنبعث من حين إلى آخر مقاطع من أغنية محمد عبد الوهاب الشهيرة «يا زهرة» التي تعبّر من خلالها البطلة عن توقها لحياة حرّة وجميلة.
ويكشف العمل ما تتركه الحرب من جراح في الوجدان والذاكرة وليس في تدمير البيوت والشوارع والمؤسّسات فقط. فما تخلّفه في روح الإنسان يصعب أن يُعالج.
في حديث لـ «الأخبار»، قالت رائدة غزالة إنّها اختارت الحرب كإطار لكشف ما تتعرّض له المرأة العربية من عنف مادي ورمزي ومصادرة جسدها وحريّتها وسطوة العقل الذكوري: «ففي الحرب يكون العزل هم الضحايا عادة وخاصة المرأة وهذه هي الرسالة الرئيسيّة للمسرحيّة».
يُذكر أنّ هذه المسرحية خضعت لمعالجة دراميّة على مستوى الكتابة بالاشتراك بين الأميركي ماثيو سبانغلر والمخرجة رائدة غزالة.