للصور الفوتوغرافيّة حصّتها في النشاط الفني الصيفيّ الراهن عبر معرض جماعي يُقام في «غاليري تانيت» (مار مخايل) تحت عنوان «ثلاث نظرات لمصوّرات نساء» هنّ رندا ميرزا، وجمانة جمهوري، ورانيا مطر. ‏تعمل رندا ميرزا بشكل أساسيّ على الفوتوغرافيا والفيديو، مستكشفةً مفهوم الهويّة وتمثيلات المستشرقين والرمز الاجتماعي والسياسيّ، بلوغاً إلى الجنسيّ. ‏الماضي دليلها إلى الحاضر، إلى الحضور والغياب، الموت والحياة، المنسيّ والماثل في الذاكرة. أمّا في مشروعها «بيروتوبيا 2011»، فقد التقطت اللافتات الإعلانية التي تستشرف بيروت كمدينة «في طور التكوين»، مدينة للمستقبل، مرتكزةً إلى تصوّر جماعيّ للمخيّلة المعماريّة وعلاقتها بواقع المدينة. يتضمّن التجهيز لقطات فيديو وصوراً فوتوغرافيّة عن الوجه العمرانيّ للعاصمة، ماضياً وحاضراً، منبّهةً إلى فقدان ملامحها التراثيّة، ومنذرة أهلها بأنّ مدينتهم تفقد مع الزمن ألقها العمرانيّ التراثيّ وأناقة مبانيها العريقة بسبب جشع المستثمرين وشراهة المقاولين الجدد.


رانيا مطر ـ «هي ـ نور» (2017)

رانيا مطر تصوّر الأنثى ‏وتبدّل حالاتها النفسيّة والشخصيّة، وإناثها بين سنّ الطفولة والمراهقة والنضج. ولكونها مولودة في لبنان من أصول فلسطينيّة، فإنّ انتماءها الثقافيّ والحضاريّ المختلط دفعها إلى الخوض في مسألة الهويّة، الذاتيّة والجماعيّة، عبر صورها التي تعبر أعماراً مختلفة. تمضي أبعد إلى نساء في الولايات المتحدة والشرق الأوسط لتصويرهنّ في لحظات حميمة، بحثاً عن قواسم مشتركة تتجاوز الهويّات الثقافية والوطنيّة والاجتماعيّة، لإظهار تطوّر الذات الأنثويّة توازياً مع التركيز على مظاهر الفرح والجمال، وبعيداً قدر الإمكان عن الهموم والمآسي. فالفتيات متشابهات في مختلف المجتمعات، وبخاصة أولئك اللواتي في سنّ المراهقة أو ما قبلها. كلٌّ منهنّ تشعر في قرارة نفسها بأنّها «موديل» جاهز للصورة إن في معرض فنّي أو على غلاف مجلة. ورغم أنّ صور رانيا ليست حكراً على الأنثى، إلا أنّها تهبها الحضور الأكبر والأقوى تأثيراً، مستفيدةً من تنقّلها بين أميركا ولبنان والمنطقة، متسلّحةً بقدرتها على اقتحام حميميّات الفتيات وخصوصياتهن، حتى داخل غرفة النوم. الكادر الفني لديها نظيف وجذّاب، والألوان لا تهدف إلى الجذب والإغواء، بل إلى نقل المناخات، متلافيةً الإثارة في تصوير فتياتها اللواتي يتأرجحن بين الطفولة والنضج، أي بين البراءة والفتون، طالبةً إليهنّ عدم الضحك أو الابتسام لنزع القناع عن وجوههن وعدم الإفصاح عن هويّتهن وانتمائهنّ الاجتماعيّ.

جمانة جمهوري ـــ «من دون عنوان 4» (2018)


رندا ميرزا ــــ «إعادة تشكيل المدينة» (لقطات. 2011. حبر صبغ على ورق الصور ـــ 8.5 × 11.2 سنتم | انقر على الصورة لتكبيرها

تدع مطر الخلفيّة ذاتها وراءهنّ، وأحياناً الوضعيّات نفسها. الجسد الحاضر هنا شكليّ فقط، إذ يرمي إلى ما هو أبعد، إلى سؤال الهويّة تحديداً. في هذا الصدد، تعتبر مطر أنّ الفتيات الفلسطينيّات واللبنانيات والأميركيات يتقاسمن سؤال الهويّة والثقافة والطبقة الاجتماعية. تقتحم الفنانة الفضاء الحميم الذي تعيش فيه فتياتها المختارات.
تدخل عالمهنّ الخاصّ، غرفهنّ الخاصة حيث علّقت صور نجوم البوب ونجماته والصور العائلية، وحيث تنتشر أيضاً فوضى الفتاة المراهقة كالثياب المرميّة والدمى... تستنطق رانيا مطر في صورها دواخل الحسناوات الفتيّات وتحولاتهن. في إحدى الصور، تقف فتاة أمام باب عتيق فيظهر تضادّ، أي تنافر بصريّ، أو نكون حيال كادرات لا يشوبها مثل هذا التنافر كوضع فتاة أمام جدار ملوّن أو شجرة أو عند شاطئ البحر. تلفتنا صورة المرأة بثوبها الأبيض. والأم وابنتها بثوبين أبيضين حتى تكاد لا تميّز بين الجسدين اللذين ينظران إلى جهتين متعاكستين، وصولاً إلى بورتريهات أخرى تتضمّن لوحات أو مرايا لإظهار تدخّلها التكوينيّ.
تصوّر رندا ميرزا بيروت كمدينة «في طور التكوين»، مدينة للمستقبل


أمّا جمانة جمهوري، فهي مصوّرة فوتوغرافية لبنانية أميركية، خرّيجة «معهد نيويورك للفوتوغرافيا»، تخصّصت في التصوير الصناعي والمعماري، وتصوير المناظر الطبيعية والفوتوغرافيا التوثيقيّة، وتقيم حالياً في بيروت. نشرت أعمالها في مجلّات متنوّعة، وشاركت في العديد من المعارض. التصوير المعماري في أعمال جمهوري دقيق، يمزج العلم بالفن على نحو فريد. المعمار في صورها ذو جمالية خاصة تهبه انتشاراً واسعاً على مستوى العالم. تبحث عن مكامن الجذب المخبأة في زوايا تصعب على العامة ملاحظتها أو التقاطها ما لم يُدلّ عليها من خلال التلاعب البصريّ وتناغمات اللون والتصوّر، بحيث يدلّ على التناغم والتضادّ في الفن المعماريّ بمدارسه المختلفة.
‏المتعمّق في هذا المجال، يرى مهارات هندسية تتنامى وهيكلة مكتسبة تفضي به إلى التمعّن في الأبعاد والزوايا ومساقط الضوء والظلّ والانعكاسات وسواها من النواحي التي تبرز خصائص العمل. صور جمهوري الصناعية تنطوي على إشكاليات إيكولوجية تعالجها مباشرةً أو مواربةً، لا من خلال الاستدلال على علامات «التصنيع»، بل عبر البحث عن المعنى النقيض. هي تغطّي مصنعاً بسماء زرقاء، أو تركّز بؤرة عدستها على «فراغات» معدنية تتّصل بالفضاء المفتوح أو تقبع في فسحة خضراء. بذلك، لا تكتفي بعرض الإشكالية، بل تطرح حلّاً، ملوّناً، مضافاً أو لصيقاً أو تجريدياً مبهماً.

* «ثلاث نظرات لمصوّرات نساء»: «غاليري تانيت» (مار مخايل) ـ للاستعلام: 01/562812