لزيارة صيدا بروتوكول لا تستطيع أن تتجاوزه. تبدأ بوقفة عند حلويات «الجردلي»، هذا المحل الصغير والمتواضع فتقف بكل فرح في الصف الطويل علّك تحظى قبل غيرك بكعكة الكنافة المرجوة. تتابع باتجاه القلعة، قلعة صيدا وتدخل السوق القديمة فتتصبح بأم أحمد، تتربع على الارض وتبيعك كل شيء في موسمه من ورق عريش إلى الفاصوليا العريضة أو البلح وغيره مع إبتسامة تاجرة خبيرة ومتمرسة. الكل يبتسم، يدعوك الى قهوة أو الى منقوشة على الرغم من الازمة الاقتصادية والضائقة المادية. تتابع الطريق. باعة وأصحاب محال ونبض جميل وشوارع تشّع بالحياة، منهم أبو عامر بائع الراحة الذي رُزق بمولود جديد يقف على باب محله ويضيّف المارة. تسأله إذا «ماشي الحال»، يجيب: «مستورة ما بدي كتير». والآن هدفك ساحة الكنان، لتزور محل حلويات أبو حسن الهبش وتتنعم بمعمول المدّ. ينادونه فينزل من بيته الى المحل، فيستقبلك بحفاوة ويخبرك بفخر عن زبائنه المهمين والاوفياء له منذ أكثر من خمسين سنة. تسأله عن وصفته السحرية «للقزحة» (قمح، زيت زيتون وحبة البركة) فيجيبك بابتسامة أن شغله مثل النار، ويُصدّر الى كل العالم. تفرح له فيضيّفك معمول مدّ بالصنوبر، فتقول له «أبو حسن مش كتير غالي هل أيام»، فيجيب «هيدي الاصول ما منغيّر».صيدا، الناس الطيبون، العراقة والبساطة عندما تظهر بأبهى تجلياتها في مدينة من أقدم مدن العالم المأهولة المتكئة على البحر الابيض المتوسط وأزرقه.