إنها فلسطين: في البدء كانت الكلمة، والمعجزة، ونقطة الباء في البسملة، والتين والزيتون، وحبّ المسيح لأليعازر لكي يحييه، وإسراء محمد ببراق الحبّ ومعراجه فوق ترابها الممزوج اليوم بالدم، من الجليل إلى بئر السبع، ومن البحر إلى النهر، ومن عكا وأسوارها وحيفا وبياراتها إلى بحر غزة الذي خرج منه المقاومون ومن الأرض والسماء، ليجترحوا هم أيضاً معجزة وجودهم بوجه العالم الوقح، عالم الرجل الأبيض الذي يصف شعباً كاملاً بالحيوانات التي يجب إبادتها في آخر قضية كولونيالية في التاريخ هي المحك بين الإنسانية وعدمها، وحضور القيم وغيابها، وبين الشعر وسِقط الكلام... هي الشعر وقد هام بها الشعراء من كل الأقطار، بللت أقلامهم دماء نكبتها ونكستها وذبحها كل يوم بسكين الاحتلال والاستيطان والهمجية: هم شعراء نستحضر قصائدهم في كلمات قد ألهمتهم حروف اسمها الستة ليكتبوا فيها قصائد تناقلتها الأجيال «من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر لتطوان» كما يقول فخري البارودي في قصيدته الشهيرة، إذ لم تنجح كل المحاولات أن تجعل منها قضية ثانية أو ثالثة، لتبقى القضية المركزية الأولى طازجة مع الخبز، ومدوية مع الرصاص، يرددها الأطفال في المدارس، ويرتّلها المؤمنون في الصلوات، نوجّه لها تحية هي الأضعف في صمودها ومقاومتها الباسلة، وصرختها في وجه المستكبرين حين «جاوز الظالمون المدى»

أخي جاوز الظالمون المدى
علي محمود طه ــــ مصر

أخِـي جـاوَزَ الظالمونَ المَدَى/ فــحَــقَّ الجِهَــادُ وحَـقَّ الفِـدَا
أَنـتـركُهُـم يَـغـصِـبون العُروبَ/ةَ مَــجــدَ الأُبَــوَّةِ والسُّؤدَدَا
وليـسُـوا بغيرِ صَليلِ السُّيوِف/يُـجِـيـبُـونَ صَوتاً لنا أو صدى
فَــجَــرِّد حُــسَــامَـكَ مـن غِـمـدِهِ/فــليـس له بَـعـدُ أن يُـغـمَـدا
أَخــي أَيُّهـا العـربـيُّ الأَبـيُّ/أَرَى اليـوم مَـوعِدَنا لا غَدَا
أَخــي أَقــبَـلَ الشَّرقُ فـي أُمَّةٍ/تَـرُدُّ الضَّلالَ وتُـحـيي الهُدَى
أخي إنَّ في القدس أختاً لنا/أعـدَّ لهـا الذابـحـون المُدى
صـبَـرنـا عـلى غَدرهم قادِرينَ/وكُــنَّاــ لهُــم قَــدَراً مُـرصـدا
طـلَعـنا عليهم طُلوعَ المَنُونِ/فـطَـارُوا هَـبَـاءً وصارُوا سُدَى
أَخي قُم إلى قِبلَةِ المشرِقَينِ/لنَـحـمِـي الكـنيسةَ والمسجِدا
يـسـوع الشـهـيـد عـلى أرضها/يــعـانـق فـي جـيـشـه أحـمـدا
أخـي قـم إليها نشقُّ الغمارَ/دمــاً قـانـيـاً ولظـىً مـرعـدا
أخـي ظـمـئت للقـتال السيوف/فأورد شَباها الدمَ المُصعدا
أخـي إن جـرى في ثَرَاها دَمِي/وأَطـبَـقـتُ فـوق حَصَاها اليَدَا
ونـادى الحِـمام وجُنَّ الحُسام/وشــبَّ الضِّرامُ بــهــا مـوقَـدا
فــفــتِّش عــلى مُهــجَــةٍ حُــرَّةٍ/أَبَـت أَن يَـمُـرَّ عـليها العِدا
وخُـذ رايـةَ الحـقِّ مـن قـبـضةٍ/جلاها الوغى ونَماها الندى
وَقــبِّل شـهـيـداً عـلى أَرضِهـا/دَعا باسمِهَا الله واستُشهِدَا
فَـلسـطِينُ يَفدِي حِمَاكِ الشّبابُ/فــجَــلَّ الفِـدائِيُّ وَالمُـفـتَـدَى
فَـلَسـطِينُ تَحمِيك منَّا الصُّدُورُ/فـإِمَّاـ الحـيـاةُ وإمَّا الرَّدَى.

لوحة للفنان العراقي محمود شوبار


يوم المعاد
عبد الله البردوني-اليمن

يا أخي يا ابن الفدى فيم التمادي/وفلسطين تنادي وتنادي؟
ضجت المعركة الحمرا.. فقم:/نلتهب.. فالنور من نار الجهادِ
ودعا داعي الفدى فلنحترق/في الوغى، أو يحترق فيها الأعادي
يا أخي يا ابن فلسطين التي/لم تزل تدعوك من خلف الحدادِ
عد إليها، لا تقل: لم يقترب/يوم عودي قل: أنا «يوم المعادِ»
عد ونصر العرب يحدوك وقل:/هذه قافلتي والنصر حادي
عد إليها رافع الرأس وقل:/هذه داري، هنا مائي وزادي
وهنا كرمي، هنا مزرعتي/وهنا آثار زرعي وحصادي
وهنا ناغيت أمي وأبي/وهنا أشعلت بالنور اعتقادي
هذه مدفأتي أعرفها/لم تزل فيها بقايا من رمادِ
وهنا مهدي، هنا قبر أبي/وهنا حقلي وميدان جيادي
هذه أرضي لها تضحيتي/وغرامي ولها وهج اتقادي
ها هنا كنت أماشي إخوتي/وأحيي ها هنا أهل ودادي
هذه الأرض درجنا فوقها/وتحدينا بها أعدى العوادي
وكتبنا بالدما تاريخها/ودما قوم الهدى أسنى مدادِ
هكذا قل: يا ابن «عكا» ثم قل:/هاهنا ميدان ثاري وجلادي
يا أخي يا ابن فلسطين انطلق/عاصفاً وارم العدى خلف البعادِ
سر بنا نسحق بأرضي عصبةً/فرقت بين بلادي وبلادي
قل: «لحيفا» استقبلي عودتنا/وابشري ها نحن في درب المعادِ
واخبري كيف تشهتنا الربى/أفصحي كم سألت عنا النوادي!
قل: لإسرائيل يا حلم الكرى/زعزعت عودتنا حلم الرقاد
خاب «بلفور» وخابت يده/خيبة التجار في سوق الكساد
لم يضع، لا لم يضع شعب أنا/قلبه وهو فؤادٌ في فؤادي
قل: «لبلفور» تلاقت في الفدى/أمة العرب وهبث للتفادي

فلسطين
المفدى زكريا-الجزائر

أناديكِ في الصّرصر العاتية وبين قواصفها الذاريه
وأدعوكِ بين أزيز الوغى وبين جماجمها الجاثيه
وأذكر جرحكِ في حربنا وفي ثورة المغرب القانيه
فلسطينُ... يا مهبط الأنبيآ ويا قبلة العرب الثانيه
ويا حجّة الله في أرضه ويا هبة الأزل الساميه
ويا قدُساً باعهُ آدم كما باع جنته العاليه
وأضحى ابنه بين إخوانه يلقّبه العرْبُ بالجاليه...
فلسطينُ والعُرب في سكرة قد انحدروا بك للهاويه
رماكِ الزمان بكل لئيمٍ زنيمٍ من الفئة الباغيه
وكل شريد على ظهرها تسخّره بطنه الخاويه
وصبَّ بكِ الغَرب أقذاره ورجسَ نفاياته الباقيه
وحط ابنُ صهيونَ أنذالهُ بأرضكِ آمِرةً ناهيه
ومن ليس يهتزُّ فيه ضمير ولا في حوانيهِ إنسانيه
وبالمال تغدقه الصدقات مضت فيك بائعة شاريه
بكيتِ فلسطينُ في حائط به قبل قد كانتِ الباكيه
فيالكَ من معبد نجّسوا حناياه بالسوءة الباديه
ويالك من قِبلة كدّسوا بمحرابها الجيَف الباليه
ويالكَ من حَرم آمِنٍ جياع ابن آوى به عاويه

يوم فلسطين
بدر شاكر السياب- العراق

يا راقصين على دم الصحراء/قد آن يوم الثورة الحمراء
تلك الشرارة بعد حين تنجلي/عن زاخر بالنار والأضواء
اليوم يحطم كل شعب ثائر/سود القيود بضحكة استهزاء
ويد يفر البغي من هزاتها/حمراء ضرجها دم الشهداء
فضت فم المستعمرين بلطمة/لا غير قاتلة ولا شلاء
واليوم يصرخ كل حر غاضب/في وجه كل مهووس الآراء
تلك الواطن أين عنها أهلها/فتروح تعرضها على الغرباء
والقدس ما للقدس يمشي فوقها/صهيون بين الدمع والأشلاء
يا أخت يعرب لن تزالي حرة/بين الدم المسفوك والأعداء
ثارت أهلك في دمانا تلتظي/هيهات ليس لهن من إطفاء
حتى يضم ثرى الجزيرة أهلها/أو يلبسون مطارف العلياء

شريان فلسطيني
فؤاد حداد-مصر

شريان فلسطيني
اصحى يا نايم
وحّد الدايم
وقول نويت
بكره إن حييت
الشهر صايم
والفجر قايم
أصحى يا نايم
وحّد الرزاق
رمضان كريم
مسحراتي من جنود الأرض
منقراتي كل دقه بفرض
اطلب غنايا زي أب ضناه
القدس لاحت في الطريق حضناه
يا رب علمني العطش والجوع
واجعل لعيني دموع
واجعل لقلبي ضلوع
واجعلني صوت الشهيد
في النبض والتنهيد
شريان فلسطيني شجر مزروع
في الأرض جدر وفي الليالي فروع
يسمعني خال في كل بلده وعم
جرح الملاجئ عمره ما يتلمّ
تفنى الليالي ولا يبور الدم
ولا طيارات الأمريكان تمنع
النور من المصنع
ولا كل ريف تحت السما يسمع
طير الحمام يسجع
ولا ابن إنسان الأمل يرضع
ولا ليل شجاع يولد نهار أشجع
ولا بدّ يوم أرجع
ويمدّ في كل العرب حبلي
المشي طاب لي
والدق على طبلي
ناس كانوا قبلي
قالوا في الأمثال
الرِجل تدبّ مطرح ما تحب
وأنا صنعت مسحراتي في البلد جوّال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال
وكل شبر وحتّه من بلدي
حتّه من كبدي
حتّه من موال
شيليني يا دنيا
قبل النور وحطيني
بالراحة بالقوة
في الريح الفلسطيني
خليني قبل الصباح
أعرف صلاح ديني
اصحى يا نايم
وحّد الدايم
وقول نويت
بكره إن حييت
الشهر صايم
والفجر قايم
اصحى يا نايم
وحّد الرزاق
رمضان كريم

«أم ترضع طفلها» لسليمان منصور (زيت على كانفاس ــ 1976)



مرايا الشمس
نازك الملائكة-العراق

نامي على أهداب عيني يا خريطتها
ورِفِّي في دمائي
إني نذرتُ لكي أُكَسِّر قيدَها زمني
نزيف دمي غنائي
آفاقها سأخطها بالورد،
أغرس عند بيت المقدس الدامي قَرَنْفُلَةً كبيرة
وأُحيلها في عرض بحر من زهور الماء والدِّفْلَى جزيرة
وأشك عند حدود عكا زنبقة
حرّى الغلالة، مغدقة
واللدّ أنفحها برفة وردة جوريّة
حمراء غذَّتها دماء شهيدة عربية
وجنين أعطيها شقائق غضة شفقية
ولـ غزة أَخْتار سوسنة نضيرة
ولكفر قاسم ألف ليلكة أبعثرها وأجدلها ضفيرة
وعلى مشارف أرض بيسان سأزرع ياسمينة
وبنفسجات عند حيفا عند يافا
عند نابلس الطعينة
ولدى مدينة طولكرم نرجسة
أضحى بها ذكرى أضاحٍ كالمرايا مشمسة
أهداب عيني يا خريطتها، هنا، نامي عليها
إنني ما بين بيّاراتها الثكلى سجينة
أمطرتها ورداً، وعاشت خلف أسوار انفعالاتي
مدائنها الجميلات الحزينة
حتى زرعت فؤاديَ الخابي الشموع
على خريطتها مدينة
لا لا، دعي الأزهار يا كفي، خريطتها سأنقطها بدمعي
سأخط بالعبرات كل حدود ناصرتي
وبالشهقات أبني بئر سبعي
سأحيط أسوار الجليل بخضرة ريَّانة
تنثال من ألمي ورفضي
وسأمنح اللطرون عصف رياح أحزاني، أسيِّجها بنبضي
والطفلة السمراء رام الله أُرْقُدها على مهدٍ
يرطِّب حرَّه ثلج الدموع
والحزن حول غطائه الوردي أشرعةٌ
مواويلٌ،
شموع
وسأزرع القلب الكئيب شجيرة،
قمراً يُضوِّي في دُجاه كل أرضي
من الشمال إلى الجنوب قُرى مغَمَّسة بدمعي
وورود أحزاني تعشش في مدائنها
تعطِّر كل زاوية وضلع
وبأدمعي حددتُ أرصفة الشوارع في الخليل
ورشفت من حزني جراراً من عبير
وارتويتُ من العويلْ
لا لا، برئتُ من الحدود الدامعة
وجزعت أن ترنو إليّ خريطتي من هذه المدن الحَزَانَى
إني سأشعل في رباها ثورة
غضباً
دخاناً
وَلَدَى القُرَى السود العيون الضارعة
سأقيم من وهج القنابل مهرجاناً
ويضوع عطر الموت، يسكر من تموُّجِه عِدانا
لا ورديَ البضَ الملون سوف يشفي وخزة الذكرى
ولا عبراتي الحرَّى الغزارْ
لا بل أسوِّر بالخناجر والمُدَى تلك الديار
وأُنيمها في غابة مسنونة الأشجار
تجرح بالسكاكين الحداد اللاسعة
بالعنف تنتزع المروج الضائعة
سأطير، أغرس خنجراً في باب عكا
وأقيم حول القدس أرصفة الصواعق
أزرع الأسوار شوكا
وأدك تل أبيب دكّا
سأحيط غزة بالقذائف، سوف أبذر
حول يافا حقل ألغام ونارْ
في الليل أشعله حرائق جُلَّنارْ
وسأفرش المدن الوديعة بالصواريخ المحبة والمدافع
الله أكبر يا عرائسُ!
يا قناطرُ!
يا شوارعْ
إني سأبذر فيكِ أسلحتي وأنتظر الحصادْ
وسأوقظ الرَّبَوَات فيك على براكين التحدِّي والعنادْ
قسماً وأرفض أن أبلِّل أغنياتي بالمدامع

سيف فليشهر
سعيد عقل-لبنان

سيفٌ فَلْيُشهَر في الدنيا
ولتَصْدَعْ أبواقٌ تصدعْ
الآنَ الآنَ وَلَيسَ غداً
أجراسُ العَودةِ فَلْتُقرعْ

أنا لا أنساكِ فلسطينُ
ويشدُّ يشدُّ بِيَ البُعدُ
أنا في أفْيائِكِ نِسرينُ
أنا زهرُ الشوكِ أنا الوردُ
سَنَدُكُّ نَدُكُّ الأسوارا
نَسْتَلْهِمُ ذاكَ الغار
ونعيدُ إلى الدارِ الدارا
نمحو بالنارِ النارْ
فَلْتَصْدَعْ، فَلْتَصْدَعْ
أبواقٌ أجراسٌ تُقْرَعْ
قد جُنَّ دَمُ الأحرارْ

يا فلسطينية
أحمد فؤاد نجم-مصر

يا فلسطينيه
والبندقاني رماكو
بالصهيونيه
تقتل حمامكو في حداكو
يا فلسطينيه وأنا بدي أسافر حداكو
ناري في ايديه
وايديه تنزل معاكو
على راس الحيه
وتموت شريعة هولاكو
يا فلسطينيه
والغربة طالت كفايه
والصحرا أنّت م اللاجئين والضحايا
والأرض حنّت للفلاحين والسقايه
والثورة غايه
والنصر أول خطاكو
يا فلسطينيه
والثورة هي الأكيده
بالبندقية نفرض حياتنا الجديده
والسكة مهما طالت وبانت بعيده
مدّ الخطاوي
هوّه اللي يسعف معاكو
يا فلسطينيه
فيتنام عليكو البشاره
بلنصره طالعه
من تحت ميت ألف غاره
والشمعة والعه
والأمريكان بالخساره
راجعين حيارى
عقبال ما يحصل معاكو

المسيح
عبد الرحمن الأبنودي-مصر

«يا كلمتي لفّي ولفّي الدنيا طولها وعرضها/ وفتّحي عيون البشر/ للّي حصل على أرضها/ على أرضها طبع المسيح قدمه/ على أرضها نزف المسيح ألمه/ في القدس في طريق الآلام/ وفي الخليل رنّت تراتيل الكنايس في الخلا/ وصبح الوجود إنجيل على أرضها/ تفضل تضيع فيك الحقوق لامتى يا طريق الآلام/ وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام/ ولامتى يمشي فيك جريح/ ولامتى فيك يفضل يصيح/ مسيح ورا مسيح ورا مسيح/ على أرضها/ تاج الشوك فوق جبينه/ وفوق كتفه الصليب/ دلوقتي يا قدس ابنك/ زي المسيح غريب/ تاج الشوك فوق جبينه/ وفوق كتفه الصليب/ خانوه خانوه نفس اليهود/ وابنك يا قدس لازم/ زي المسيح يعود/ على أرضها».

هنا باقون
توفيق زياد-فلسطين

كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا... على صدوركم، باقون كالجدار
ننظف الصحون في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
ونمسح البلاط في المطابخ السوداء
حتى نسل لقمة الصغار
من بين أنيابكم الزرقاء
هنا على صدوركم باقون، كالجدار
نجوع... نعرى... نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال... جيلاً ثائراً.. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
إنا هنا باقون
فلتشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار، كالخمير في العجين
برودة الجليد في أعصابنا
وفي قلوبنا جهنم حمرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا... ولا نرحل
وبالدم الزكي لا نبخل.. لا نبخل.. لا نبخل
هنا.. لنا ماض.. وحاضر.. ومستقبل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
يا جذرنا الحي تشبث
واضربي في القاع يا أصول
أفضل أن يراجع المضطهد الحساب
من قبل أن ينفتل الدولاب
لكل فعل: ... اقرؤوا
ما جاء في الكتاب.

عنقي على السكين
سميح القاسم-فلسطين

عنقي على السكين يا وطني
ولكني أقول لك: انتظرني
ويداي خلف الظهر يا وطني
مقيدتان
ولكني أغني
لك.. آه يا جرحي.. أغني
أنا لم أخنك.. فلا تخني
أنا لم أبعك.. فلا تبعني
وطن المزامير التعيسة والوجوه الضائعه
وطن الجذور الحاقده
وطن العواصف والصواعق والليالي البارده
وطن القرى الأطلال والدم والبكاء
أأشد أزرك
أم تراك تشد يا مغدور أزري؟
وطن الأكاذيب القديمة والروى والأنبياء
أأكون سرك
أم تراك تكون يا مغدور سري؟
وطن الحقائب والمطارات الغريبة والموانئ
وطن الغضب
وطن اللهب
يا من يبوس يديك عبر دموعهم مليون لاجئ
وطن المذلة والأسى والكبرياء
آمنت بالحب الذي يعطي
ويفنى في العطاء..
ولذا
أقول لك انتظرني
عنقي على السكين، لكني أقول لك:
انتظرني !!

أصبح عندي الآن بندقية
نزار قباني-سوريا

أصبح عندي الآن بندقيه
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربى حزينة كوجه المجدليه
إلى القباب الخضر والحجارة النبيه
عشرين عاماً وأنا أبحث
عن أرضِ وعن هويه
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
ابحث عن طفولتي
وعن رفاق حارتي
عن كتبي .. عن صوري
عن كل ركن دافئ وكل مزهريه
إلى فلسطين خذوني معكم
يا أيها الرجال
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أصبح عندي الآن بندقيه
قولوا... لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي... صارت هي القضيه

أصبح عندي الآن بندقيه..
أصبحت في قائمه الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنيه
أنا مع الثوار
أنا من الثوار
من يوم أن حملت بندقيتي
صارت فلسطين على أمتار
يا أيها الثوار في القدس
في الخليل في بيسان في الأغوار
في بيت لحم حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا
تقدموا
إلى فلسطين طريق واحد
يمر من فوهة بندقيه.

يوميات الحزن العادي
محمود درويش-فلسطين

هكذا ينام العالم. وهكذا يصحو. هو مدجج بالسلاح، وأنا مدجج بالقيود. القوي متحضر، والضعيف بربري. وليس التاريخ قاضياً. التاريخ موظف. ماذا كان الهنود الحمر سيقولون لو هزموا غزاتهم؟ والذين يتباهون بالحضارة والتمدن غالباً ما يكونون القتلة… القتلة. انظروا هذا الثلاثي: الأول [أمريكا] أباد شعباً في الماضي، ويبيد اليوم شعباً وتربة في جنوب شرق آسيا، ويفجر علامة تحضره الكبرى –القنبلة الذرية– في شوارع العالم… يطالبني بالخروج من حلبة الإنسانية، ومن الكرة الأرضية لأنني إرهابي. والثاني [أوروبا] ليس من الحكمة أن نذكره بماضيه. لقد أحرق عشرات الملايين من البشر باسم الحضارة والتمدن، والآن يتعانق القاتل والضحية وينجبان وليداً جديداً هو الثالث. فماذا ينتج عن زواج الإرهاب إلا الإرهاب! وجاء الثالث [إسرائيل] المدجج بالتوراة والسلاح، واقتلعني من جبالي وسهولي ودحرجني من الحضارة إلى الحضيض. هذا الثلاثي يطالبني بالخروج من الكرة الأرضية لأنني إرهابي. وماذا كان العالم يفعل؟ في ساعة متأخرة من الليل، يذهب إلى غرفة النوم وينام.

أيام
(رياض الصالح الحسين-سورية)

ماما
أما زلت تحتفظين ببارودة جدِّي القديمة
بين بيت المؤونة وزريبة الحيوانات؟
أما زلت تسرِّحين شعرك بأصابعك النحيلة
وتخبزين لإخوتي فطائر الحكمة؟
أنا هنا يا أمي
أحتسي فلسطينَ صباحاً مع فنجان القهوة
وأطردُ عن جسدها البعوضَ والأكاذيب
أذهبُ معها إلى المدرسة
ونقرأُ الصحفَ في المقهى
وحينما أكونُ حزيناً
تجلس بجانبي وتعدني بأشجار البرتقال
ماما..
امسحي دموعكِ بمنديل الجبل
ونظفي بارودة جدي بخرقة الأيام
فبعد فترةٍ سأعود إليكِ
وفي حقيبتي زجاجةُ عطرٍ
وقليلٌ من الرصاص.

رميت المنجل يا شيرين
زكريا محمد-فلسطين

رميت منجلي على الأرض، تاركاً للشمس أن تشوي بلّوطها في التنّور وحدها، وأخذت غفوة قصيرة تحت الصخرة. المنجل ذنب كبير يا شيرين. والقمح ذنب أكبر منه، والشمس ذنب ثالث أكبر منهما معاً. كل ما هو جميل ذنب. كل ما هو أصيل ذنب. لذا، فالحياة سلسلة ذنوب. وكل مقطوعة كتبتها قطعة من نشيد اعتذار طويل عن هذه الذنوب. اعتذار عن ذنوب ارتكبتها وأخرى لم أرتكبها. ففي الحساب الأخير، أنت مسؤول عن ذنبك وذنب غيرك. أنت مسؤول عن كفرك وكفر غيرك. ليس هناك جزيرة معزولة يسكن فيها البريئون وغير المذنبين. ليس هناك زند لم يقدح ناره. لذا أتطهّر بالنوم يا شيرين. آخذ غفوة تحت الصخرة، وغفوة مثلها تحت شجرة الخروب. النوم عبادة يا شيرين، والصحو كفر.
وهناك يمامة تصيح على الغصن دوماً، ولا أحد يدري إن كانت تغني أو تبكي: «أبكتْ تلك الحمامة أم غنتْ على فرعِ غصنها الميّاد؟». وأريد أن أعرف من هي اليمامة التي تبكي على الغصن هنا يا شيرين؟ أهي أنت أم أنا؟ وأريد أن أعرف من هو الذي يصرخ في المقطوعة يا شيرين؟ أنت أم أنا؟
رميت المنجل يا شيرين. قطعت الحبل بيني وبينك كي أعرف من أنا، وكي يتّضح من هو المذنب فينا، ومن هو كفّارة الذنوب.

عبدالله الإرهابي
مظفر النواب ـ العراق

الليل وعبدالله أقارب
العرق البارد والنار وحزن الأيام
وعبدالله أقارب
يفهم في اللج
وأفضل من يصنع مجذافين ولا يملك قارب
يدفع جفنيه يقاتل لولا الصف البطلي
يزيح الجدران
يصاهر نار الأيام
أحبك يا عبدالله لنفسك غاضب
وعلى نفسك غاضب
رشاشك يعقد قمته منفرداً ونعالك في قمتهم
اصفعهم عبدالله بأرض نعالك
يخرج تاريخ عقارب
أن تسحب سحاب السروال عليهم
نزلت للأرض سراويلهمُ
وقرار يفتح فخذيه
وجلسات مغلقة وعجائب
افتح عبدالله مسدسك الحربي
افتتح الجلسة فيهم أعداء وأقارب
أن تكن الطعم.. فأنت السنارة قد علقت
لولا.. لعنت لولا
ملعون من يتبعها
تملك أسلحة الأرض وتسأل كيف نحارب
يا عبدالله بساعات الضيق
تحولت الدبابات أرانب
فتلت أسلحة الجيران شواربها ليلاً وصباحاً
حلقت وتصابت
وغدى الميثاق القومي بدون شوارب
وصواريخ الفرجة ضجت
وأتمت يا عبدالله مهمتها
ضمن مهمات صواريخ القوم مقالب
أصحوت أخيراً يا عبدالله
أصحوت أخيراً
أصحوت
أوقد حزنك..
فرشاة الأسنان..
زكامك..
قهوتك المرة والمرأة والمرآة
تطلع في وجهك لا تتذكر
مثلك لا يتذكر.. لا وقت له للذكرى
وإلى صدغك تتجه الحرب وتلتهم الجرافات صحون الرز
تغطيها راحات الأطفال المبتورة
دهشتهم صرخات الليل
أتم الصمت العربي وليمتنا الكبرى
سقطت لمة رز من فمهم فيها الأسنان
تدحرجت اللقمة حتى قلبك في الغربة وابتسمت
أقسم عبدالله بها تبدأ تواً بالثأر
وكل دقيقة تأخير مذبحة أخرى
أسند كوعك للكوة يا عبدالله..
اسند كوعك للكوة
مد الرشاشة في الفجر الشاحب
لا تتأخر عداد القلب وعداد القنبلة الموقوتة متفقان
ووعي السبابة قد بلغ النار
وأيام التاريخ تقبّل راحتك اليسرى
ضع متراس الشك أمام ثمالة أيامك
والألم الليلي
وخذ حصة حزن في قلبك لا تسمع إلا دمك الناري
جنونك.. زمجرة الجرافات
صراخ قتيل دون يدين
تفتش عن طفليها
اغتصبوا زهرتك الأولى..
ودعها ميتة يا عبدالله مجرد ذكرى
حصدوا الورد الخائف في خديها
اغتصبوا أمك أيضاً من كلمات الله على شفتيها
من خمسين من السنوات دموعاً للأرض بعينيها
هدموا الدار
وإذاعات العرب الأشراف تبول على النار
أعلنت التعبئة الجنسية يا عبدالله درابكهم
حزنزا هزاً
رهزوا رهزاً ومضاجعة
وتمنوا أنهمُ كانوا بمخيمك الدامي
يشتركون بفض امرأةٍ.. أكل صبيٍ
عرب.. عرب.. عرب جداً أولاد الكلب
وأول ما تعرض خصيتهم في نشرات الأخبار أي براكين خامدة في نظراتك
في زاوية الغرفة
أية قافلة برخت في الصمت الهائل
وجهك.. ما هذا الصمت العبداللهِ
مقدمة الحقد الأعمى العاجل
يا عبدالله القادر
يا عبدالله المتمكن فعلاً
حدق في الشارع مرتاباً
فعدوك في الشارع
أخبار الحرب جراء تتثاءب في الشارع
رجل الأمن التكعيبي يهرول في الشارع
جمهور لا يعرف يأكل
لا يعرف ينكح
لا يعرف في الشارع ماذا في الشارع
سكينك يا عبدالله الساكن في البريات العربية
منفياً عن نفسك.. زوجك.. تبغك.. جرحك..
حزن شوارعنا
سكينك.. احذر أن تتدجن للمطبخ
يا عبدالله اشحذها
نفذها تنفيذاً نفذها
أصبح ممنوعاً أن تستشهد
أو تدفع جيبك عند حدود الجيران وتستشهد أيهما إسرائيل
أيهما إسرائيل
الخبز عليه علامة إسرائيل
حبات الرز عليها إسرائيل
المسجد والخمارة والصندوق القومي لتحرير القدس
بداخله إسرائيل
وأنت إذا لم تفهم.. لم تتعلم يا عبدالله
تمتصك إسرائيل
ناعسة بيروت الغربية في كف المطر الليلي
وتزهر بين الإسفلت وحزنك والصمت
ولغم يحلم أحلاماً طيبة
وجريح يصرخ:
- بيسان..
إلى بيسان خذوني
يا عاشق يا عبدالله عيوني
لا تلبس أغنية شالاً اسود في العرس وإيقاعاً مسرف
ولدينا عمل قبل الإفطار جليل كالله
سنخرب..
إن أطعمت حمامات العالم من قلبك انت مخرب
أنت رصاص.. أنت رصاص
أو أنت ملأت جيوبك حلوى
تتحول يا عبدالله رصاص
أو غنيت لزوجك أغنية الليل
يكون اللحن كتفريغ المخزن في الليل
وتسعل يا عبدالله دخاناً
وتنام براحتها عشقاً وخلاص
إن درت العالم تكتب أشعار السلم
على التأشيرة.. تذكرة الرحلة..
أبواب مطارات البرد
حافلة الليل
فوجهك أنت ومنذ ولدت تسمى عبدالله الإرهابي
وبناتك عبدالله العربي الإرهابي
وصوتك عبدالله الإرهابي
وموتك..
بعض الناس خطايا فادحة يا عبدالله
وبعض الناس قصاص
أنت قصاص
الحزن يجيء مع الريح وماء الحنفيات
وضوضاء الطرقات
جنود الدبابات يبولون على وجه بلادي
وجهي في الأرض ووجهك في الأرض
اخرس لا تتنفس.. لا تخرج للشارع..
لا تتفرس
ممنوع أن تصرخ في بطنك
آه يا عبدالله ألا فاصرخ
اصرخ يا عبدالله
انفث في أسئلة الناس.. ملابسهم..
ساعات أياديهم
صمتهم الإلزامي البارد
اقتلهم بوجودك.. إلحاحك.. حبك
آه من حبك يا عبدالله حزين اخرس
نتحداهم.. ننفذ من بؤبؤهم
نمسح وجه الأحجار بخلدة
يا خلدة يا قلعتنا البحرية لا يفتحها إلا العشق
وريح الفجر وصوت النورس
تترك باقات الأعذار براحة كهل ترتاح بحضن الأنقاض
وكوفيات فدائيين عرفناهم وعشقناهم
أو لا نعرفهم وعشقناهم
يا أحباب تأخرنا
يا صرخات الأطفال بخلدة والبربير تأخرنا
يا نادل مقهى أسلحة الليل تأخرنا جداً
وامرأة ما زالت تكنس شرفتها
وتلم شظايا قنبلة
انهم يا عبدالله يرون حزوز الأيام بوجهك
كالرمانات اليدوية تنسف كل المؤتمرات
سكتتك الملغومة تسحب عن أوجههم يا عبدالله
سراويل التصريحات
نظرتك الحربية جمرة
زيتونة ليل توقد مصباحاً ذرياً
لا يا عبدالله ولا.. وتكاد تضيء
ولو لم تكُ يا عبدالله حزوز في وجهك
كان لوجهك إرهاب مسدس
يا عبدالله.. الحي الله..
جميل أنت.. جميل بتراب الحرب
ووجهك فوق وجوه الشهداء مظلة ورد
وبوجه الأعداء مفازة صبير لا حد لها ومسدس
اثبت عبدالله.. تحجّر
ليس لربك أن يأمر إلا بثبات القلعة والنار
ولدينا عمل يا عبدالله
مسدس قبل الإفطار
نقرأ آخر برقيات الليل على الشارع
نتأكد أن منظمة التحرير انتصرت
رفضت رفضاً قاطع
نتوثق أن لنا كالناس وجوهاً
وذكوراً ما حجزت للدولة يا عبدالله
وخمس أصابع
ونحب ونستشهد بدون عرائض أو أعذار
نتأكد عشنا يوماً في الوطن العربي ولم نخص
غريب جداً
خطأ لابد خصينا
نتأكد ما زلنا نطعم من شفة الحب عصافير الدار
ونحاول تغيير الدنيا
ولدينا عمل قبل الإفطار
تأكد خبزك
تأكد كوز الماء
تأكد أن شقوق الشفة السفلى لم تتغير وجهتها
وصراحتها
وأغانيها
سبابتك الإرهابية ليس تخاف التهمة بالإرهاب
وتعرف كيف تذل عيون الذل
وتسحب كالعشق مسدسها
وتعد إلى القدس لياليها
يا متهماً بالشعر العربي
أليس لهذي التهمة يا عبدالله مغازيها
إنْ سلمت سلاحك سافل
و أنا سافل
وعشاء الليل البارد
والماء وفجر اليوم القادم سافل
ما يؤخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة..
بالإرهاب
بقطع اللوز الصهيونية
بعد مخيم شاتيلا يا عبدالله
مسدسك القانون الدولي
أقم في مخزنه عبدالله مخيمك الثوري
وحزنك والشعر وما تملك من أشياء
وتجذر فيه.. فإن الصف الأول لم يتجذر
فاتته الأيام
وخانته لياقته الثورية
برر ليلاً ما كان يدين نهاراً
حاول أن يلقى الشعب بجيب النفط
وكان هنا رأس الداء
قسماً عبدالله بقبرين جماعيين بصبرة
بيروت تنجسها
إن وضعت ملك المغرب
في إحدى قدميها الطاهرتين حذاء
وستنهض من بين الأنقاض صنوبرة الحزن
وتغمر صبرة بالأفياء
وبساعات خروجك بسلاحك للتنظيف
وتشهد أنك قاتلت الغارات
وقاتلت البحر
وقاتلت طوابير الدبابات
وقاتلت خيانات الدبابات الأخرى
وصمدت صمود الأنواء
رشاشك كان وكالة أنباء الثوار
إذا كذبت فيك وكالات الأنباء
خذ جورب سيدة ذبحت
احفظه بجيبك
ذاك صراطك يا عبدالله
في الليل تسلل..
هنالك جندي محتل
اخنقه بهذا الجورب يا عبدالله
لعلك تشفي واحد بالألف من الحقد بقلبي
هذا الجورب سكين..
حذاء شهيد سكين
فرشاة حلاقته سكين..
حالة عشق لا تتكرر يا عبدالله فلسطين
إن قدمت لهم ماء سألوك بحب إن ذقت مياه فلسطين
أو أكلوا سموا بسم الله وحب فلسطين
أو قتلوا تحت الأرض
يعودون إلى حضن فلسطين
أو جاؤوا باب الجنة
يلقى الله بأيديهم قبضة طين منها
يتمنى أن يستبدل جنته يا عبدالله بهذا الطين

تتربع للأفطار وزوجك والأطفال وكأس الشاي
بدون شهية
وقروح في أمعائك مزمنة
عدد الأنظمة العربية
وتحرك سبابتك المهمومة في فم طفلك
تسمع لذغته الناعمة الوردية
تبحث عن أول سن تجرح من اجل قضية
العضة دار
ويعضك عضات ناعمة.. يضحك في وجهك
يفهم أنك يا عبدالله
تدربه الدرس الأول للثوار..
جميع الثوار
ويحدق في نار الشيب بوجهك
يفرش راحته في حجرك
ترقأوا دمعك مخافة أن يثقب راحته
وتهمهم أفراحاً مبهمة
وتقبل راحته وتقول لأخذ الثار
وتدس وجوهك فيهم
شفاهك
آلاف عيونك
تمسكه من كتفيه الناعمتين
قتلنا أحدث أسلحة الموت بشهرين
قاتلنا الصمت العربي
شربنا البالوعات وماء البحر
دفنا القتلى بين الغارة والغارة في قبر مشترك
لا نتراجع يا ولدي لا نتنازل لا نغرق
الطيران يهاجم في الفقرات
شرايين القلب.. البرج.. السلم.. عبدالناصر.. دوار الكولا.. مستشفى البربير..
قبور الموتى.. جثث الموتى تخرج غاضبة.. تقتل ثانية
تصعد في الليل كما الأفراح النارية
أبيض أحمر أحمر قان أزرق
نحن هنا لن نتزحزح عن هذا الخندق
الطيران يهاجم غفوة طفل يحلم بالطيارات العربية
يرفع كفيه يلوح للطيارين
يحملق في فجوة صاروخ في السقف
يرى طائرة سوداء
فلم يصل الطيران العربي إذاً
لم يتجاوز أحد الطيارين أناقته وملابسه
«ماكو» أوامر يا عبدالله
فلا بغداد ببغداد ولا جُلَّق في جُلَّق
ولكن قسماً بالحزن وصور وصيدا
لن نتزحزح عن هذا الخندق
طلبوا شرف الكوفية من بيروت
أبَتْ إلا أن تلبس كوفيته وتقاتل
وتقاسمه الخبزة والخندق والخذلان العربي
ويمسحها القصف مساء
تتحامل في الصبح على قدميها
تمسح تنورتها وتقول له
ليس على الصمت العربي المزري يا عبدالله
فالقصف توقف ثانيتين
ولا تأبه.. سنقاتل يعني سنقاتل
تأكل من كتفيها بيروت
ولا تسحب شبراً من تحت مقاتل
تستشهد بيروت على أبواب منازلها
ومعاذ الله تسلم عفتها كالصمت العربي
ببيروت رجال.. رجل بجحافل
يمرق أنظر بين الدبابة والدبابة والألغام فدائي
عضلات الزند جميع الرجف الحربي
وبيتان من العشق
وسيف ومكارم
أعلن سوق الجزارين ضيافته
نطق المولودون من الخلف أخيراً
نشكركم باسم الشهداء
نشكركم بالسيقان المبتورة شكراً لا حد له
نشكر علاناً وفلاناً وفليناً والفلن الثاني وفهد
بالذات فهد
ما قصرتم أبداً
نشكر همة أعضائكم الجنسية
في صد هجوم الجيش الإسرائيلي
وإلقاء الصمت على المغتصبات
نشكركم يا فضلات
نشكركم باقون هنا
قرب مذابحنا وخرائبنا والشهداء نقاوم
بيروت على قدم واحدة ستقاوم
أتذكر يا عبدالله بأنك في بعض الليل
ضغطت على راحتها الوردية
أكثر مما الحب
وأكثر مما الحزن ومما أنت
أحبتك كأستاذة حب
تعرف كيف تصفف باقات الزهر وساعات الليل
وطلقات مسدسك الإرهابي
أهينت يوم رحلت
خلف العكاز بكت
خلف سياج الحزن المينائي بكت
عبدالله رجتك.. دع الأوباش وما نسجوه
رجتك كثيراً لا ترحل
ورجتك بخيط الدمع تذكر أرنون
تذكره ولا ترحل
أرسلت دموع مسدسك الحربي
سلاماً أرنون الأبدي
سلاماً للصمت وللعتمات وللأحجار
سلاماً ما هتف العمر وغنت ساعات الليل
لأحباب سكنوا قمتك الشماء بروقاً ورعوداً
وزلازل
وتلوح مثل حقول التفاح
ويهيم الصمت على وجهك والطرقات
وأصوات صبايا النبطية
والحزن الشيعي القدري
إلى أين تسافر يا عبدالله إلى أين تحاول
يا قافلة النار إلى أين
وأنت سلاح وقلاع حمر عابسة
وجروح سوف يعمقها البعد
ويعجز فيها الطب وصبرك
يا من جربت جميع الأدوية العربية
جرب يا عبدالله دواء النار
أعظم ما في الطب العصري دواء النار
وحذار يا عبدالله حذار
نصف دواء النار لئيم قاتل
يا عبد اللعنة والحزن..
وزرع المستقبل في اللحن
وزاوية في قلبك فنجان القهوة
ما أروع هذا الفجر الحربي
ورائحة البن وضيعتك المغمورة
بالفيء الهادئ والشوق الفردي
لا تخسر ثانيتين من الوقت الطيب
في صب اللعنات على الحكام
فليس يساوي الواحد منهم ثانيتين
من الحزن الجدي
ولا البسط الجدي
فكر أي طريق تسلك من خلف خيانات الواقع
تبلغ بيروت الغربية
ارهن خاتم عرسك..
حلي صغارك.. راتبك الشهري
وقد لا يكفي ذلك تذكرة
في القلب لديك عناوين المقهورين
وأولاد الدولة يا عبدالله يمدون يد العون
ويرجونك أن تحمل مكتوبين لصيدا والنبطية
ولديك عناوين منظمة التحرير
وعنوان الله القهار
ثم تحط بثم مطار
وتفتش تفتيشاً ذاتياً
وتبلغ يا عبدالله بأوسع بنط عربي
أنك موقوف منذ تقرر وقف النار
وتحاول أن تفهمهم..
لست نظام مواجهة كذاب
لست رئيساً عربياً
لست خبيراً روسياً
اسمك عبدالله و عبدالله أبو إرهاب
ليس هنالك إلا الدم.. سياج الميناء الساخن
ووجهك والقتلة
ليس الإنسان الآن بلا أذن
يعرضك الباعة للبحر وللملح
ومن بين يد الشعب وقبلته يسرقك السفلة
وعلى مضض يا عبدالله
يقبلك المنقرضون لتصبح منقرضاً
ادفعهم يا عبدالله
طهر وجهك من رؤيتهم
كيف يقبل مرحاض إعصار
أحد باع طريق الزعتر
باع الحزن
ودس حديد مسدسك الحربي فلم يقدر
حرق الفولاذ الأحمر كفيه وسمعته
ووقاحة عينيه
وسوف تطارده أنت
مطاردة الأقدار
شرعوا يعترفون بقاتلهم وكأن جراحك أعذار
كذا فيهم يا عبدالله
فأنت الحي الباقي القهار
أُقتل دونك.. أفديك..
ولكني أتمنى أن تقتل مرفوع الهامة
لم يتزحزح فيك قرار
النار قرار منك وليس قرار فيك
فأنت النار وأنت قرار النار
لملم شفتيك القاهرتين وقهر الليل
وأول أيام البعد وعد في أول بارقة فالموسم للبرق
وللزخ المتواصل والزعتر ينمو
وصفيح مخيمك الساكن ينمو
وعصابات الليل الثورية تنمو
وحديقة حزنك في باب الدار امتلأت بالصبار
ماذا سيضيّفك المنحطون
سوى دائرة الأمن وحانة ليل..
ورصيف
ومراجعة الهجرة ليل نهار
إن كان تقرر أين استشهادك ليس يطاوعني قلبي والله
أقول استشهد
لكن والله استشهد
فهناك يمنون عليك المشية في الشارع
تمسك الشرطة أن لكفك خمس أصابع
ولكي تتذكر وجه شهيد تحتاج موافقة
تحمل خمسة أختام وطوابع
في قلبي شيء أجهله
يفهم أنك باقٍ معنا
يفهم أنك باقٍ بين مقابرها وخرائبها والمستقبل
تغسل وجهك بالريح الساخن
وترقب أطفالك في الماء الآسن
قد نشروا أجنحة الضحك
وطاروا بين حجارات البيت عصافير سمراء
وبباقة شوق تذهب بين ثواني القصف
تزور رفيقاً في البربير
يرجى أن تشفى ساق باقية تحمله لمثلثه الناري بخلدة
فالقدس هناك
وطعم النعناع اليافي هناك
وبيارته الخضراء
في قلبي شيء.. فرح أعرفه
أنك باق معنا في السراء وفي الضراء
أحببناك تشاجرنا
غنيناك
تصرفك الخاطئ أحياناً
وتصرفك الجيد دوماً
ألقيت شتائمك المقبولة يا عبدالله علينا
لم تبخل
أرسلت مكاتيب العشق إلينا
تتحدث عن متراس وجليل أعلى
وضرورة مسح التاريخ من الأنظمة السوداء
كنا نغضب وأنت تهادنهم
وتعامل قلة حس وحياء فيهم بحياء
نبكي إن أنت رحلت
ونبكي أن جاءت بهمومك كل الطرقات
نحفر حزنك في حجر الليل
سنونوة ألفت دور النبطية
نذكر اسمك..
نزرعه في أفق الزهر على الشرفات
نتشبث صوتك
نعرفه معرفة الجرح.. الفرح.. الحزن.. الصلوات
من صوتك تهرب حيات وحكومات وعقارب
الليل و عبدالله أقارب
العرق الساخن والكمون وحزن الليل
و عبدالله أقارب
يفهم في اللج
وأقدر من يرفع وجه الشمس
على مجذافيه ولا يملك قارب
يرفع عينيه فيرتفع الموج وتصبح كل الأرض قضية
أشتم حريقاً في ورقي
اسمك نار في ورقي
وأضيء وإن تعبت طرقي
وأطيب إبريق الشاي على شعري فيك
لأنك يا عبدالله قضية
ولأنك يا عبدالله محارب
الله وعبدالله أقارب.