«فإن الحقّ، يقطر جانباه/ دماً، صنع المروءة والسماح/ وتاريخ الشعوب إذا تبنى/ دم الأحرار لا يمحوه ماحٍ» (الجواهري). ينتصر مهزومو ومنسيّو التاريخ بشهادة كُتَّابهم ومؤرخيهم، مهما بحَّ وضعف صوتهم. هذا الملف تجميع لمواقف لثلّة من أشرف الأقلام في شهادتهم لشعبهم وللفلسطينيين وحركتهم التحررية المسلحة، بكل فصائلها. اليوميات الأخرى، تفاصيل ووقائع صارخة لآلام وآمال الناس من وسط حصار 17 سنة لأكبر سجن مفتوح على السماء في العالم: غزة. تركنا لمجموعة من الشهادات طابعها العفوي الشفوي، فلا شيء أهم الآن بأن يُسْمِعَ مَنْ أخرسهم جبروت الغرب وآخر كولونيالياته البيضاء صوتهم بعالي الصراخ، وكيفما كانت لغة وشكل الصراخ. الصراخ والرفض مقاومة. الحرية لفلسطين، والنصر للفلسطينيين، فلسطينيي كل العالم.
صلاةٌ بإمامة حنظلة
وليد السويركي


يصلّي صاحبي خلف شيخ
يتيه بسيّده ولها،
ولا يحفظ من قرآنه سوى
«وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها»

وأصلّي خلف غزّيّ يسمّى حنظلة
في الكفّ ينقش آية الحجر
وعلى جدار الوقت يكتب
سورة الزّلزلة.
(شاعر ومترجم، عمّان/فلسطين)

أرضية صراع أوسع بكثير من غزة
محمد الناجي


ثمة، في كل الثقافات، خونة ومرتزقة، كلاب ضالة؛ والأدهى في الأمر: يكون هذا في الأزمنة الحرجة.
كي نكون ديموقراطيين، من وجهة نظر الغرب، في هذه الأيام، علينا حمل أعلام قزحية وعلم إسرائيل.
تغيرت الأزمنة: سعار إسرائيل في قصفها لغزة لم يتأت فقط من وجع الضربة التي تلقتها، وإنما من وعيها أنّ أرضية الصراع قد صارت، من الآن فصاعداً، أوسع بكثير من غزة وأنها أصبحت عاجزة أمام هذه الوقائع.
فلسطين حرة، الغرب إرهابي.
(عالم اقتصاد وأكاديمي، الرباط)

للبيع حذاء طفل
حسين الصالحي


كتب همنغواي ذات يوم أقصر قصة قصيرة: «معروض للبيع حذاء طفل لم يلبسه قط».
هو المشهد الذي شاهده بعد الحرب لطفل متوفٍ بجانبه حذاؤه الجديد.
يا ترى كم قصة قصيرة تركت فلسطين، كم قصة طويلة ستُكتب بتلك الدماء!
(قصّاص، بغداد)

لقمة العيش كاسرة العين
أحمد شافعي


في ما يتعلق بموقف محمد صلاح الذي لم يعلنه من الحرب الجارية، أنا رأيي ألا نسأل الصامتين، ولا ننقب في صدورهم، ونعذرهم فالله أعلم بظروفهم، ويكفينا المجاهرين بالتعريص، مع أن بعضهم أيضاً في الغالب لقمة العيش كاسرة عينه.
(شاعر ومترجم، القاهرة)

بايدن مزوّراً للتاريخ والوقائع
أكرم مسلّم


خطاب جو بايدن، سافل وخطير، ولا يقل خطورة عن حاملة الطائرات «فورد». استخدم بايدن تعبير «الشر المطلق» المستخدم في توصيف النازية كظاهرة شر فوق تاريخية غير قابلة للتفسير.
نزع بايدن الفعل الفلسطيني من سياقه التاريخي وزوّر معطياته الميدانية، ووضعه في إطار استهداف اليهود كونهم يهوداً، واستدعى داعش، مطلقاً المدفعية الثقيلة لخطاب يهيئ لجريمة واضح أنها ستكون مريعة.
(روائي، رام الله)

بشارة
نزار قباني

وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة…
(شاعر، دمشق)

حرب الغرب في غزة
شادي لويس بطرس


في الليلة الثانية من «طوفان الأقصى»، مررت عرضاً بجوار مقر رئيس الوزراء البريطاني، فرأيت واجهة «داونينغ ستريت» مُضاءة بألوان علم إسرائيل، وأصابتني رعدة باردة في جسدي. برج إيفل، وبوابة براندنبورغ البرلينية، ومؤسسات الدولة في فيينا وغيرها، الجميع يرفع ألوان العلم عينه. مستويات إعلان التضامن وجماعيته ورسميته المدموغة بنجمة داوود في الفضاء المعماري الأوروبي يذكّر بالفزعة الغربية للوقوف إلى جانب أوكرانيا.
افتتاحية لجريدة «وول ستريت جورنال» قبل ثلاثة أيام، تطلق صيحة الحرب بالنيابة: «إسرائيل تقف على الخطوط الأمامية، لكن العالم الديموقراطي هو الهدف».
على الملأ، يخرج وزير الحرب الإسرائيلي ليعلن جريمة حرب مكتملة، تكاد تكون جريمة إبادة جماعية، قطع إمدادات الماء والكهرباء والطعام والوقود كلياً عن كل سكان غزة بلا تمييز، هم «حيوانات بشرية، وسنتعامل معهم على هذا الأساس». لاحقاً، يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيصحح وزيره: «نتعامل مع حيوانات». يمحو نتنياهو صفة بشرية عن حيوانيتهم. الفلسطينيون مجرد حيوانات محضة، حيوانات بالمعنى الحرفي، سنجعلهم يتضورون جوعاً وعطشاً حتى الموت.
وفيما تصب طائرات إف-16 جام الغضب وقنابل الفوسفور على المباني السكنية في غزة، في عملية عنوانها الانتقام بالوصف الرسمي الإسرائيلي، تعلن حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، مجتمعةً، الدعم الكامل لتل أبيب، كأنّ الإعلانات الفردية ليست كافية. العالم الغربي يقول: نحن جبهة موحدة في هذه الحرب. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بـ«كل طريقة» و«أي طريقة». تأخذ تل أبيب صكاً مفتوحاً من سادة العالم لارتكاب ما تشاء من جرائم، بلا مواربة غربية هذه المرة. على الحيوانات أن تدفع الثمن، أما غزة فيجب تسوية ركامها بالأرض.
تنعى الصحف البريطانية، مواطنَين بريطانيين قتلوا في الهجمات، أحدهما مجند في الجيش الإسرائيلي، والآخر فرد أمن في شركة خاصة. على شاشة «بي. بي. سي»، وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، تعطي الأوامر للشرطة بالتصدي لأي علامة تعاطف مع الهجمات على إسرائيل. وفي برلين، تفرق الشرطة بالقوة تظاهرة متضامنة مع الفلسطينيين، المطاردات تستمر بعيداً من «شارع العرب» ويكفي العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية كمبرر للتوقيف. الرعدة نفسها تصيبني مرة أخرى.
بلا مشاورات مسبقة، يعلن مسؤولو الاتحاد الأوروبي فجأة، تجميد الدعم المالي للفلسطينيين في غزة والضفة على السواء. المبلغ الإجمالي متواضع ومخجل، وهو في الحقيقة دعم مبطن لسلطات الاحتلال، المسؤولة بحسب القانون الدولي، عن السكان الواقعين تحت سيطرتها. لكن الرسالة واضحة. لا فرق بين حماس والفلسطينيين، ولا فرق بين الضفة وغزة، ولا بين السلطة والمقاومة الإسلامية، هذا عقاب جماعي على كل فلسطيني. يتراجع مسؤولو الاتحاد مرتين وثلاثاً، مرة بالنفي ومرة بالتأكيد، ثم بالنفي أخيراً. تجمّد كل من ألمانيا والنمسا المساعدات بشكل منفرد، وتعلن بريطانيا مراجعة دعمها التنموي للفلسطينيين.
صرخة القتال التي أطلقتها الحرب الأوكرانية في أوروبا، تتحفز نارها بشكل غريزي لتمتد إلى غزة وفي صور عقوبات جماعية يحمل وزرها كل الفلسطينيين. هذه لحظة تاريخية يشعر فيها الغرب، وبالأخص أوروبا، باهتزاز عميق للثقة في النفس. لم تعد مكانة الغرب على قمة العالم مضمونة كما في الماضي. حرب مؤلمة وطويلة وغير مضمونة النتائج على أطراف أوروبا، أو يمكننا القول داخلها. لاجئون بيض وشقر بالملايين، واقتصاديات تعاني على نحو متواصل ولا أفق لتحسن قريب، تتفاقم الأزمة الديموغرافية لقارة تشيخ بوصول آلاف اللاجئين والمهاجرين عبر البحر وعلى الحدود وبلا توقف.
كان الصعود الصيني مسألة وقت بالنسبة إلى الأميركيين، وأصبح واقعاً يثير هوساً عصابياً في واشنطن. أما أطراف العالم، فتفلت رويداً رويداً من البرازيل والهند إلى السعودية وغيرها. نظام العالم ما زال قائماً بالطبع، لكن الجميع يدرك أنّ هذا لن يستمر لوقت طويل.
لهذا، فإنّ الانهيار المفاجئ للحدود الغربية داخل الشرق الأوسط، ولو لساعات، جعل القلب الغربي المتوتر والمليء بالمرارة يرتجف. لم يعد من الممكن التظاهر بالثقة في المناعة البيضاء وأمانها المفترض. ثمة حرب تخوضها أوروبا الكبرى أو العالم الديموقراطي أو أياً كانت التسمية، كي نكون أكثر دقة، ثمة حروب يخوضها الآخرون بالنيابة عن الغرب.
تحركت قطع الأسطول الأميركي ووصلت إلى مياه المنطقة، ومعها المزيد من الطائرات، علامة على التضامن مع إسرائيل، وأعلن البنتاغون أنه قادر على تزويد أوكرانيا في الوقت نفسه، بالذخيرة والأسلحة. يحارب «العالم الديموقراطي» على جبهتين، وسيدفع الفلسطينيون ثمناً فادحاً لعدم الحسم على الجبهة الأخرى. الحرب الطويلة والمرهقة في أوكرانيا ستُعوض بانتقام همجي ومكثف وسريع من غزة ومن الفلسطينيين، انتقام أمثولة يشفي غليل الغرب ويعوض شعوره المتنامي بالهشاشة.
(روائي، لندن/مصر)

فارّون من جنديّة الكرامة في كلّ معارك النخوة
أنيس الرّافعي


المجاهرون بالتكالب، والمضمرون للتطبيع، والمرتاعون من تبخّر غنائمهم، والمطرقون داخل قطن الصمت، والمفزوعون من عقاب المؤسّسة، والمتكتّمون عن إجرام المحتلّ، جميعهم في كيس بلاستيكي واحد، تفوح منه رائحة فقدان الشرف. إنّهم من يلوذون بالتخاذل حدّ الإدمان، ويفرّون على الدوام من جنديّة الكرامة في كلّ معارك النخوة.
(قصّاص، الدار البيضاء)

دناءة من أدار ظهره للحقيقة
سعيف علي


كلّ الذين ينطلقون للحديث عن حرب غزة عبر المصادرة، وأعني المغرمين ببداية الحديث بـ«نعم أنا مع» ثم يتبعونها بحذلقة «لكن»، إنما يفعلون ذلك كمثل الذي يريد أن يعيب البحر لوسعه.
فقل ما شئت وصادر ما شئت، لكن الأمور لن تكون كما كانت سابقاً و 7 أكتوبر تاريخ فاصل في تاريخ فلسطين كلّها.
لا أنصحك بالابتسام طويلاً، فهي دناءة من أدار ظهره للحقيقة.
(شاعر، تونس)

دابَّة دبلوماسية
نهى أبو عرقوب


هناك من لديه القليل جداً من الأوراق يستخدمها بكل ذكاء، وهناك من لديه الكثير من الأوراق ولا يريد أو لا يحسن استخدامها، وهنالك من ليس لديه لا أوراق ولا ذكاء.
كل واحد ووضعه. قد تظهر علامات يوم القيامة في هيئة دابة تتحدث للناس وتقول لهم:
— كلا الطرفين.
(مترجمة، عمّان/فلسطين)

هو الأمل
محمد الأمين الكرخي


لا أعرف شعباً في العالم خسر معركة دافع فيها عن أرضه وهويته. الأمل حقيقة من لحم ودم.
(شاعر ومترجم، لاهاي/ العراق)

الحياد خيانة
محمود عباس


في غزة، تشرق الشمس من الغرب، كأن الساعة قامت!
نخاف أن تغفو أعيننا وننام فيحاسبنا الله على خذلانهم.
(كاريكاتوريست، غزة)

ما نخسره بالحرب أقل ألف مرة مما نخسره بالمفاوضات
فتحي عبد السميع

تعلمنا من فلسطين أن الحرب سكينٌ حامية والمفاوضات العربية سكين باردة، الحرب تقتلك وأنت مستيقظ، والمفاوضات تخدّرك ثم تقتلك ببطء وأنت نائم، الحرب تقتل الواقع ولا تقترب من الحلم، والمفاوضات تقتل الواقع والحلم، الحرب قاسية جداً وبغيضة، والمفاوضات ناعمة جداً ومسلية، لكن ما نخسره بالحرب أقل ألف مرة مما نخسره بالمفاوضات.
(شاعر، القاهرة)

تاريخ إنشاء حي الرمال
أباهر السقا


كان حي الرمال في بداية الحقبة البريطانية يقع على أطراف المدينة التي تعج بالكثبان الرملية قبل الوصول إلى البحر، وكانت هذه الكثبان نتيجة زحف رمال البحر، فعمل فهمي الحسيني (وهو شخصية وطنية وأول رئيس بلدية بالانتخاب في المدينة) على إنشاء حي جديد فيها، لم يكن فيه إلا عشرات البيوت في المناطق القريبة من شارع عمر المختار، وخصوصاً في جانبه الشمالي.
وقد نشأت غزة الجديدة التي قرر الحسيني بناءها عبر التوسع في المدينة، عبر سياسة تشجيع السكان على تملك أراضٍ فيها. ولتشجيع الناس على الانتقال إلى هذه المنطقة، أنشئت خزانات للمياه بسعة 3000 متر مكعب. وبدأ الناس بشراء أراض، وكان المواطن يدفع جنيهاً ويقسّط 3 جنيهات بعشرين عاماً، وكانت مساحة القسائم بين 100 و1500 متر.
بالتالي حوّل فهمي الحسيني الكثبان الرملية المحاذية لشاطئ البحر إلى أحد أرقى أحياء مدينة غزة في الحقبة البريطانية. وفي المدة ما بين عامَي 1928 و1939، تحسنت الخدمات للمواطنين، وألزم السكان بالاشتراك بشبكة المياه.
غزة الجديدة حيّ فيه شوارع واسعة وأرصفة، وتفصل مسافة بين البيوت فيه، ونتيجة هذا التوسع تقرر توسعة المدينة في اتجاه الرمال وأراضي المنتزه البلدي، أي إلى الحي الغربي..
شهدت المدينة في الثلاثينيات ومع بداية الأربعينيات حركة بناء وعمارة ملحوظة، وبناء على ما سبق، وكما هي الحال في كثير من المدن، شهدت المدينة حراكاً جغرافياً، أدى إلى حراك اقتصادي واجتماعي. يعدّ حي الرمال اللبنة الأساسية للمدينة الجديدة ذات الشوارع الواسعة والأرصفة، وفي سنوات لاحقة أصبحت تتمركز فيه المؤسسات العامة، والهيئات، والنوادي، وأماكن الاصطياف، والمطاعم، والشوارع الواسعة والأرصفة للتنزه.. وفي أزمنة تاريخية لاحقة، جرت مجموعة تغيرات على هذا الحي فأصبح حيين: شمالياً ومركزياً (الحي الأول الأصلي) وجنوبياً، وأعاد هذا توزيع علاقة السكان بالمركز والأطراف في فضاء حضري، إذ تمددت مدينة غزة نحو البحر في اتجاه الشمال والشرق والغرب حتى البحر، والواضح أن المدينة شهدت تطوراً عمرانياً ملحوظاً ونهضة حضرية ناشطة.
(أباهر السقا ــ «التاريخ الاجتماعي تحت الاستعمار البريطاني 1917-1948» ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2018).

الحرب الأوضح والأعدل
سيف دعنا


هذه الحرب الأكثر وضوحاً والأكثر عدلاً في التاريخ الحديث، ويصح فيها القول: الخير كله خرج ليقاتل الشرّ كله، والحق كله خرج ليقاتل الباطل كله:
1. الأفقر في العالم يقاتلون المعسكر الأغنى في العالم مجتمعاً.
2. الأكثر اضطهاداً يقاتلون كل الاضطهاد في العالم مجتمعاً.
3. آخر المستعمرين يقاتلون آخر وأبشع استعمار استيطاني إبادي على وجه الأرض.
4. الأشجع والأشرف والأنبل يقاتلون الأجبن والأنذل والأسفل.
هذه الحرب الأكثر وضوحاً والأكثر عدلاً، والأهم في كل تاريخ العرب الحديث ولا مكان فيها للحياد. الحياد اليوم ليس مجرد خيانة، بل مشاركة في دمنا، ومن يستطيع أن يقدم شيئاً ولا يفعل، يجب أن يخجل من نفسه.
وكل عربي ومسلم يستطيع، نعم يستطيع، ويجب، نعم يجب، أن يفعل شيئاً، وكل من يصمت، وكل عربي لا يفعل شيئاً هو شريك في العدوان علينا وشريك في دمنا ويجب أن يخجل من نفسه.
ليس هناك أشرف من الموت في الحرب دفاعاً عن الوطن والأهل، وليس هناك حرب أشرف وأوضح وأكثر عدلاً من هذه الحرب، وليس هناك أشرف من الموت في هذه الحرب. ليس هناك أشرف من الموت من أجل فلسطين.
دعاؤهم في غزة الآن: اللهم يا رب المجاهدين إحدى الحسنين، إما النصر أو التشرف بلقائك مخضبين بدمائنا.
(كاتب وأكاديمي عربي، وسكنسن)

عودة الروح
أحمد العجمي


علمتنا الطبيعة بأن المطلق هو الحركة والتغيير؛ والحركة فعل ناتج عن طاقة الذات وقدرتها وإن احتاجت إلى عوامل مساعدة للدفع والتعجيل. هذا الوعي العميق بهذا المطلق هو ما راهن عليه عقل الأمل بانتصار الحق والقضية الفلسطينية رغم ما واجهه من معجم السخرية واليأس للدفع به ناحية العدم.
دائماً ما كان يردد العدو ومن يواليه وينصره ومن ينسحر بقوته ورعونته بأن الكيان الصهيوني قوة غير قابلة للهزيمة من قبل العرب المهزومين من الداخل، ولا سبيل سوى الاستسلام له والإذعان لمشاريعه!
عنصرية وجبروت هذا الكيان نفخا فيه روحيهما وصيّراه فاقداً للرؤية وممتثلاً للسكون وغير قادر على قراءة ذاته وقراءة واستبصار حركة التاريخ وتوترات الواقع الرجراج.
لقد تفاعلت مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية التي أخذت تهرش وتنخر عظام هذا الكيان، في اللحظة التي تفاعلت كيمياء هذه العوامل في تكوّن عقل مقاوم يغرف من معجم الأمل والإرادة والفعل ومراكمة القدرة ويستثمر طاقة الحركة بوتيرة منتظمة ومتسارعة.
وحين كان هذا الكيان يتهشّم من الداخل ويحاصر من عقل المقاومة، لجأ إلى الوهم من أجل النفخ في هيكله عبر التمدد بالتطبيع مع الأنظمة التي تدير بصرها عن قضيتها وعن شعوبها وتُسهم في ترسيخ صلوات اليأس والانهزامية أمام التاريخ الذي لا يلتفت لصلواتها.
وفي فجر السابع من أكتوبر 2023 المضيء فُرك مصباح علاء الدين بإرادة النار ليخرج المارد الفلسطيني بسرعة البرق وبروحه العليا المشبعة بطاقة الحركة والإرادة الواعية والمنظمة، ويهشّم الصنم العنصري المحتل، الصنم الذي توهم أنه أصلب من الزمن.
إن طوفان الأقصى قلب قراءة المعجم في اتجاه عكسي، لتكون صفحات الأمل والنصر للمقاومة الفلسطينية روحاً ووعياً وإرادة، وتكون صفحة الرماد واليأس والهزيمة للصهاينة ولحزمة المطبعين معه والداعمين له.
إن ثورة الحجر والمقلاع التي فجرها أطفال الحجارة والتي كشفت عن روح المقاومة والنصر بالإرادة والإيمان قد رسمت هذه اللحظة التي مزقت أحشاء الكيان وأخرجت روحه المتغطرسة ورمتها خلف التاريخ.
(شاعر، المنامة)

القواعد الـ 11 لمشاهدة الأخبار على قناة غربية
خالد البكاري


القواعد الـ 11 التي يجب أن تعرفها قبل مشاهدة نشرة الأخبار المسائية على قناة إخبارية فرنسية أو غربية عموماً، وهي القواعد التي على مقدم الأخبار التقيد بها:
1. في الشرق الأوسط، الفلسطينيون دائماً هم من يهاجمون أولاً، وإسرائيل دائماً هي التي تدافع عن نفسها. وهذا ما يسمى الانتقام المشروع.
2. لا يحق للفلسطينيين قتل المدنيين من الجانب الآخر. إنه يسمى الإرهاب.
3. يحق لإسرائيل قتل المدنيين الفلسطينيين. وهذا ما يسمى الدفاع عن النفس.
4. عندما تقتل إسرائيل عدداً كبيراً جداً من المدنيين، فإن القوى الغربية تدعوها إلى ضبط النفس. وهذا ما يسمى رد فعل المجتمع الدولي.
5. لا يحق للفلسطينيين أسر جنود إسرائيليين، حتى لو كان عددهم محدوداً جداً ولا يتجاوز جندياً واحداً.
6. يحق للإسرائيليين اختطاف أي عدد يريدونه من الفلسطينيين (حوالى 12 ألف أسير حتى الآن). ليس هناك سقف، ولا داعي لتقديم أي دليل على ذنب المختطفين. كل ما عليك فعله هو أن تقول الكلمة السحرية: «إرهابي».
7. عندما تقول «المقاومة»، عليك أن تضيف دائماً عبارة «المدعومة من إيران».
8. عندما تقول «إسرائيل»، فلا يجب عليك طبعاً أن تضيف «المدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأوروبا»، لأنه يمكن للمشاهد أن يظن أنه صراع غير متوازن.
9. لا تتحدث أبداً عن «الأراضي المحتلة»، ولا عن قرارات الأمم المتحدة، ولا عن انتهاكات القانون الدولي، ولا عن اتفاقيات جنيف. هذا قد يربك المشاهد ويشوش عليه.
10. الإسرائيليون يتحدثون الفرنسية والإنكليزية أفضل من الفلسطينيين. وهذا ما يفسر سبب منحهم الكلمة لهم ولمؤيديهم كلما أمكن ذلك. حتى يتمكنوا من شرح القواعد السابقة (من 1 إلى 9). وهذا ما يسمى بالحياد الصحافي. والاستعانة بخبراء من المنطقة لشرح ما يقع.
11. إذا كنت لا توافق على هذه القواعد أو إذا وجدت أنها تحابي طرفاً في الصراع ضد طرف آخر، فأنت معاد للسامية (بتصرّف من نص لمدوّن فرنسي).
(ناشط سياسي، كازابلانكا)

دريسدن-غزة
عادل الأسطة


وأنا أشاهد آثار الغارات الإسرائيلية على غزة، أتذكر مدينة دريسدن في نهاية الحرب العالمية الثانية. أراد الحلفاء وضع حد لنهاية الحرب وهزيمة هتلر، فاختاروا مدينتين ألمانيتين كانتا تصنعان السلاح؛ دريسدن وأوغسبرغ (زرت الأخيرة التي كانت تصنع الطائرات، لا لأنها صنعت الطائرات وأمدت الآلة العسكرية النازية بما يطيل أمد الحرب ويشعل فتيلها، وإنما لأنني سمعت أنها مدينة الكاتب المسرحي برتولد بريخت الذي ترك بلاده إبان صعود النازية، وفضل الإقامة في المنفى كونه كان شيوعياً، وعندما انتهت الحرب استقر في ألمانيا الشرقية وعاصمتها برلين الشرقية). لم أزر دريسدن، لكني منذ سنوات شاهدت فيلماً عن تدميرها وتسوية مبانيها بالأرض. في الفيلم تمنى كبار السن ممن أقاموا في الملاجئ الموت، وبلغ الأمر بإحدى العواجيز أن طلبت من جندي يملك مسدساً أن يريحها بإطلاق النار عليها، فلم تعد تحتمل.
وأنا أتابع أخبار غزة وتدمير أبراجها وبيوتها، وليس في غزة ملاجئ، تذكرت دريسدن، فثمة مبان سويت بالأرض، وثمة أطفال وكبار في السن قضوا.
هل خطرت ببالي مدينتي هيروشيما وناكازاكي؟
كم مرة دمرت غزة؟
منذ استقلت شهدت أربع حروب ؛ 2008 / 2009 و 2012 و 2014 و 2021 و..
كلما وقعت الحرب على غزة، عدنا إلى النصوص نفسها وإلى الأفلام نفسها :
- أنا وأنت والحرب القادمة
- صمت من أجل غزة
- يوميات غزة
- دفاتر فلسطينية.
والحكاية تتكرر. ثمة حالة سيزيفية عبثية وثمة طائر عنقاء فلسطيني. تموز فلسطيني، وثمة خلدون فلسطيني ينجو ويستشهد أهله ليربيه الآخرون، فماذا سيفعل هذا الطفل الناجي في قادم الأيام؟
لا أحد يتعلم
(كاتب وأكاديمي، رام الله)

هنا باقون
أبناؤنا الأحباء،

المطران ألكسيوس والأب سيلاس يتمنون أن تكونوا بخير أنتم وعائلاتكم، ويودّون إعلامكم أنهم لن يسافروا خارج البلد.
(بطريركية الروم الأرثوذكس الأورشليمية في غزة ــ عن صفحتها الرسمية)

على أحد ما أن يفعل ذلك
عاشور الطويبي


تذهب إلى النوم مرتدياً تي شيرت، على ظهره، يلمع اسم لاعب كرة، سليل غزاة قساة.
تكاد تركل فنجان القهوة الفارغ، لأنك عطست في حلمك، لقد ترك أحدهم النافذة مفتوحة.
حكّام وقادة دول، تفخر بحرية الإنسان وكرامته، تعلن صراحة وقوفها الكامل واللامشروط، مع كيان، سرق الأرض والحرية والكرامة.
تلتفت ناحية الشرق، فترى حكّاماً وقادة دول، شعوبها يدعون الله لهم بطول العمر والسؤدد، ينسون وهم يتفقدون بيوت المال في عواصم الغرب، أن يعلنوا وقوفهم مع من ترك بلا أرض وبلا بطاقة هوية.
لا بأس، هذا كابوس عظيم، تنهض وتقفل النافذة، هامساً:
— على أحد ما أن يفعل ذلك!
(ليبيا/النرويج)

بيت تركته ولم يعد موجوداً
إيناس سلطان


2022: طيب، أنا حزينة على بيتي الذي تركته للحرب القادمة.
2023: البيت الذي تركته للحرب لم يعد موجوداً بعد الآن.
(شاعرة، غزة/أوسلو)

ماتوا بدون ما ياكلو
الأولاد ماتوا بدون ما ياكلو، يشهد عليّ الله، ماتوا بدون ما ياكلو..
(صرخة أم غزاوية، صباح 10.10.2023)


إدواردو غاليانو: لو كنت فلسطينيّاً
ترجمة:عبد النور زيّاني


منذ عام 1948، حكم على الفلسطينيّين العيش في إذلال دائم. لا يمكنهم حتّى التنفّس من دون إذن. لقد فقدوا وطنهم، أراضيهم، مياههم، حرّيتهم، كلّ شيء، حتّى الحقّ في انتخاب حكومتهم. لم يبق من فلسطين إلّا القليل. خطوة بخطوة، تمحو إسرائيل فلسطين عن الخريطة. يغزوها مستوطنون ويتبعهم جنودٌ يعيدون رسم الحدود. ليس ثمّة حربٌ عدوانيّةٌ لا تدّعي أنّها في موقف دفاعيّ. غزا هتلر بولندا لمنعها من غزو ألمانيا. غزا بوش العراق لمنعه من غزو العالم. في كلّ حروبها «الدّفاعيّة» تبتلع إسرائيل قطعة أخرى من فلسطين، وتستمرّ الوليمة.

Eduardo Galeano: If I were Palestinian. A CubaNews translation. Edited by Walter Lippmann 2012


إدواردو غاليانو: دين شخص آخر
ترجمة:عبد النور زيّاني


في عام 1948 ولدت دولة إسرائيل. في غضون بضعة أشهر، رحّل أكثر من ثمانمائة ألف فلسطينيّ، وتحوّلت أكثر من خمسمائة قرية إلى ركام. تلك القرى، حيث نمت أشجار الزّيتون والتّين واللّوز وأشجار مثمرة أخرى، هي الآن مدفونة تحت الطّرق السيّارة ومراكز التسوّق ومدن الملاهي. محيت ولم تتم تسميتها على الخريطة التي أعادت لجنة الأسماء الحكوميّة تسميتها. لم يبق الكثير من فلسطين. تمّ التذرّع بألفي سنة من الاضطهاد الذي عانى منه الشّعب اليهوديّ لتبرير هذا الجشع العنيد، مصحوباً بسندات ملكيّة ممنوحة من التوراة بسخاء. لطالما كان اضطهاد اليهود رياضة أوروبية. واليوم، يدفع الفلسطينيّون الفاتورة.

Eduardo Galeano: Children of the Days: A Calendar of Human History. Translated By Mark Fried. Nation Books; 1st edition 2013