اختيار وترجمة وتقديم: رشيد وحتيعندما اقتحمت المقاومة الوطنية المسلَّحة الفلسطينية غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كانت حتماً تستند إلى تراث عظيم وآداب شعوب وأدبيات ملحمية في الشهادة للدماء الزكية بتحرير الإنسان من كل أنواع العبودية والاحتلال، رغم فرادة ما سطَّرته في ذلك اليوم مقارنة بتاريخ حركات التحرر الوطني. وكما اتكأت على التاريخ (الماضي) والشرائع (الأرضية والسماوية) لتستنبط منهما حقها في المقاومة بالأشكال كافة من الكلمة حتى السلاح، فقد تأكد أنّ الكفاح الفلسطيني بحاجة أيضاً، حاضراً ومستقبلاً، لكلمة تسايره وتدافع عنه وتشهد له ثقافياً وإعلامياً. لعلَّ أسطع دليل مصغَّر على تواشج البندقية والقلم في الدفاع عن الأرض والحق في استرجاع الأرض، استهداف الموساد الصهيوني للشهيد غسان كنفاني (1936 - 1972)، لا فقط لدوره القيادي في «الجبهة الشعبية»، التي أذاقت الصهاينة الويلات عبر حرب اختطاف الطائرات، وإنما أيضاً لدوره الفعّال في تفكيك خطاب العنصرية في أيديولوجيا الأدب الصهيوني باعتباره فعلاً مقاوِماً بالقلم. وعليه، ووفقاً لسياق «طوفان الأقصى»، اخترنا لقرّاء الملحق مقتطفات ممّا تحبل به حركة التحرر الوطني العالمية من تمجيد المقاومة وحقِّ المستعمَر باستعمال اللّسان والعنف حتى أبد الآبدين.
ملحوظة: كل النصوص الأجنبية نقلناها عن الفرنسية

«النهوض» للفنان الفلسطيني سليمان منصور


1. رسالة الزّعيم الهنديّ الأحمر سيَاتل إلى الرجل الأبيض
(1854)

أعلمنا زعيم واشنطن الأكبر عن رغبته في شراء أرضنا. أعلمنا الزعيم الأكبر بصداقته ومشاعره العطوفة. إنّه سخيّ، لأنّنا نعلم جيّداً أنّه ليس بحاجة ملحّة لصداقتنا بالمقابل. لكنّنا سنفكّر في عرضك، لأنّنا ندرك، إن لم نبع، أنّ الرّجل الأبيض سيأتي ببنادقه ويأخذ أرضنا. لكن هل بوسعنا شراء أو بيع السماء، حرارة الأرض؟ هي فكرة غريبة عنّا! إن لم نكن مالكين لنداوة الهواء، ولا لالتماعات الماء، فكيف لك أن تشتريهما منّا. أدنى ركن من هذه الأرض مقدّس لدى شعبي. كلّ إبرة لألاءة من الصنوبر، كلّ ساحل رمليّ، كلّ وشاح من ضباب في الغابة السّوداء، كلّ فرجة بين الأشجار، طنين الحشرات، كلّ هذا مقدّس في ذاكرة شعبي وحياته. النسغ الّذي يجري في الأشجار يحوي ذكريات الرّجل الأحمر.
موتى الرّجل الأبيض، عندما يجولون وسط النّجوم، ينسون موطنهم. أمّا موتانا فلا ينسون أبداً بهاء هذه الأرض، لأنّها أمّ الرّجل الأحمر؛ نحن جزء من هذه الأرض كما هي جزء منّا.
الأزهار العطرة أخواتنا، الأيل، الحصان، الصّقر الكبير إخوتنا؛ قنن الجبال، صمائغ البراري، جسد الحصان القصير السّاخن، والإنسان بذاته، ينتمون جميعاً لنفس العائلة.
هكذا إذن، عندما يطلب منّا زعيم واشنطن الأكبر شراء أرضنا، فإنّه يطالبنا بالكثير.
Discours du Chef Seattle, in Silex, numéro 18/19: La sensibilité écologiste, Grenoble, 1980.

2- دولوريس إيباروري: لن يمرُّوا
(نداء إلى الانتفاضة الوطنية)، 18 تموز/ يوليو 1936

أيها الإسبان،
إليكم جميعاً، يا من يحتضنكم حب إسبانيا المقدس؛ جميعكم، يا من في صفوف الجيش والبحرية، أقسمتم اليمين على الدفاع عن الوطن حتى الموت، الوطن يناشدكم اليوم!
الوضع في إسبانيا يصبح أكثر خطورة يوماً بعد يوم. تسود الفوضى معظم الريف والمدن. وتشرف السلطات المعينة من قبل الفاشيست على الاضطرابات، عندما لا تقوم هي نفسها بإثارتها. بالمسدسات والرشاشات يتم حل الخلافات بين فصائل المواطنين من دون أن تتمكن السلطات العامة من فرض السلام والعدالة. إنّ القلاقل بكل أنواعها تشلّ حياة الأمة وتدمر مصادر ثرواتها. سيؤدي ذلك إلى مجاعة حقيقية ستدفع العمال الشرفاء إلى اليأس.
لكنهم لن يمروا!
إسبانيا بأكملها في حالة حرب. وفي مدريد نزل الناس إلى الشوارع لدعم الحكومة وتحفيزها بتصميمهم وروحهم القتالية حتى سحق الجيش والفاشيين المتمردين.
أيها الشباب، استعدوا للمعركة!
أيتها النساء، يا نساء الشعب البطلات! تذكَّرْنَ بطولة نساء محافظة أستورياس عام 1934. وقاتِلْنَ أيضاً جنباً إلى جنب مع الرجال للدفاع عن حياتكن وحرية أطفالكن المهدَّدة بالفاشية.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

3- جوزف ستالين: قُدُماً نحو انتصارنا
3 تموز/ يوليو 1941

بعدما فُرضت علينا الحرب، دخلت بلادنا في صراع حتى الموت مع أسوأ وأخطر عدو لها، الفاشية الألمانية. إنّ قواتنا تقاتل ببطولة ضد عدو مجهز بكثرة بالدبابات والطائرات. الجيش الأحمر والأسطول، اللذان تغلّبا على العديد من الصعوبات، يقاتلان بإيثار من أجل كل شبر من الأراضي السوفياتية.
تحركت القوات الرئيسية للجيش الأحمر المجهزة بآلاف الدبابات والطائرات. شجاعة محاربي الجيش الأحمر لا مثيل لها. إنّ الرد الذي نوجهه إلى العدو يتكثّف ويتطور. إلى جانب الجيش الأحمر، يقف الشعب السوفياتي بأكمله دفاعاً عن الوطن.
ما المطلوب لإزالة الخطر المحدق بوطننا وما الإجراءات التي يجب اتخاذها لسحق العدو؟
بدايةً، يجب على رجالنا، أبطال السوفيات، أن يفهموا خطورة ما يهدّد بلدنا وأن ينبذوا الارتكاس واللامبالاة، وهي الحالة الذهنية التي كانت في مدّة البناء السلمي. وهي حالة ذهنية مسالمة ومفهومة تماماً قبل ذلك. لكنها كارثية اليوم لأن الحرب غيّرت الوضع بشكل جذري. العدو قاسٍ ولا يرحم. هدفه هو الاستيلاء على أراضينا المروية بعرقنا، ليستولي على قمحنا وزيتنا، ثمرة عملنا. هدفه هو إرجاعُنا إلى سطوة كبار ملاك الأراضي، إرجاعُنا إلى حكم القيصر، والقضاء على الثقافة الوطنية واستقلال الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين والليتوانيّين واللِّيتونيّين والإستونيين والأوزبك والتتار والمولدوفيّين والجورجيين والأرمن والأذربيجانيين وغيرهم من شعوب الاتحاد السوفياتي الحرة؛ لإضفاء الطابع الألماني عليهم، وجعلهم عبيداً للأمراء والبارونات الألمان.
إنها إذن مسألة حياة أو موت الدولة السوفياتية، حياة أو موت شعوب الاتحاد السوفياتي؛ يتعلّق الأمر بحرية أو استعباد شعوب الاتحاد السوفياتي. يجب على أبطالنا السوفيات أن يفهموا ذلك ويتوقفوا عن السكون إلى الوضع؛ وأن يحشدوا ويعيدوا تنظيم كل أعمالهم وفق نمط جديد، وهو النمط العسكري، الذي لا يرحم العدو.
كما يجب ألا يكون هناك مكان في صفوفنا للمتذمّرين والجبناء، ومثيري الذعر والهاربين؛ أتمنى أن يتحرر رجالنا من الخوف في النضال ويسيروا بالتضحية بالنفس في حربنا التحريرية من أجل خلاص الوطن، ضد المستعبدين الفاشيين. قال لينين العظيم، الذي أنشأ دولتنا، إن الصفة الأساسية للرجال السوفيات يجب أن تكون الشجاعة، والبسالة، والشراسة في النضال، والاستعداد للقتال إلى جانب الشعب ضد أعداء وطننا. هذه الصفة البلشفية المميَّزة يجب أن تصبح صفة الملايين والملايين من رجال الجيش الأحمر، وأسطولنا الأحمر، وجميع شعوب الاتحاد السوفياتي.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

4- هو شي منه: إعلان استقلال جمهورية فيتنام الديمقراطية
2 أيلول/ سبتمبر 1945

«يولد جميع الناس متساوين. لقد أعطانا الخالق حقوقاً لا يمكن انتهاكها، مثل الحق في الحياة، والحق في أن نكون أحراراً، والحق في تحقيق سعادتنا». هذه الكلمة الخالدة مأخوذة من إعلان استقلال الولايات المتحدة الأميركية عام 1776. بالمعنى الأوسع، تعني هذه العبارة: جميع الناس على الأرض متساوون؛ يحق لجميع الناس أن يعيشوا، وأن يكونوا سعداء، وأن يكونوا أحراراً.
كما نَصَّ إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789 على ما يلي: «يولد الناس أحراراً ومتساوون في الحقوق».
هذه حقائق لا يمكن إنكارها.
ومع ذلك، وعلى مدى أكثر من ثمانين عاماً، انتهك المستعمرون الفرنسيون، باستخدام راية الحرية والمساواة والأخوة، أرضنا واضطهدوا مواطنينا. أفعالهم تتعارض على نحوٍ مباشر مع مُثُل الإنسانية والعدالة.
وفي المجال السياسي، حرمونا كل الحريات.
لقد فرضوا علينا قوانين غير إنسانية. لقد شكلوا ثلاثة أنظمة سياسية مختلفة في شمال ووسط وجنوب فيتنام لتدمير وحدتنا الوطنية ومنع اتحاد شعبنا.
لقد بنوا سجوناً أكثر من المدارس. لقد قمعوا بلا رحمة وطنيينا. لقد أغرقوا ثوراتنا في أنهار من الدماء. لقد قمعوا الرأي العام ومارسوا سياسة ظلامية. لقد أجبرونا على استخدام الأفيون والكحول لإضعاف بني جنسنا.
وفي المجال الاقتصادي، استغلونا حتى النخاع، وأنزلوا بشعبنا البؤس المطلق ونهبوا بلدنا بلا رحمة. لقد نهبوا حقول الأرز لدينا، ومناجمنا، وغاباتنا، وموادنا الخام. وكان لديهم امتياز إصدار الأوراق النقدية واحتكار التجارة الخارجية.
لقد اخترعوا مئات الضرائب غير المبررة، ما أعاشَ مواطنينا، وبخاصة المزارعين والتجار، في فقر مُدْقِع. وفي خريف عام 1940، عندما قام الفاشيون اليابانيون، بهدف محاربة الحلفاء، بغزو الهند الصينية لتنظيم قواعد حربية جديدة، استسلم المستعمرون الفرنسيون على ركبهم لتسليم بلادنا إليهم. منذئذٍ، ظل شعبنا، تحت النير الياباني والفرنسي المزدوج، ينزف بكل ما للكلمة من معنى. كانت النتيجة مرعبة. وفي الأشهر الأخيرة من العام الماضي وبداية هذا العام، مات أكثر من مليوني مواطن من مواطنينا بسبب الجوع. في 9 آذار (مارس)، نزع اليابانيون سلاح القوات الفرنسية. فرّ المستعمرون الفرنسيون أو استسلموا. وبعيداً من «حمايتنا»، فقد باعوا بلادنا مرتين لليابانيين في غضون خمس سنوات.
قبل التاسع من مارس، دعت رابطة الفييت مينه (المقاومة المسلحة للفيتناميين) الفرنسيين في مناسبات عدة للانضمام إليها في قتال اليابانيين. وبدلاً من الاستجابة لهذه الدعوة، قام المستعمرون الفرنسيون بقمع أنصار الفييت مينه بقوة أكبر. أثناء هزيمتهم، ذهبوا إلى حد اغتيال عدد كبير من السجناء السياسيين المسجونين.
على الرغم من كل هذا، واصل مواطنونا الحفاظ على موقف متساهل وإنساني تجاه الفرنسيين. بعد أحداث 9 مارس، ساعدت رابطة الفييت مينه العديد من الفرنسيين على عبور الحدود، وأنقذت آخرين من السجون اليابانية، وقامت بحماية حياة وممتلكات جميع الفرنسيين.
في الواقع، منذ خريف عام 1940، توقفت بلادنا عن أن تكون مستعمَرة فرنسية وأصبحت مِلْكِيَّة يابانية. وبعد استسلام اليابانيين، نهض شعبنا بأكمله لاستعادة سيادته الوطنية وأسس جمهورية فيتنام الديمقراطية. وفي حقيقة الأمر، فإنّ شعبنا استعاد استقلاله من أيدي اليابانيين وليس الفرنسيين.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

5- باتريس لومومبا: نداء إلى الشعب الكونغولي
30 حزيران/ يونيو 1960

إنّ هذا النضال الذي كان مليئاً بالدموع والنار والدم، نفتخر به حتى أعماق أنفسنا، لأنه كان نبيلاً وعادلاً، لا غنى عنه لوضع حد للعبودية المهينة التي فُرضت علينا بالقوة.
ماذا كان مصيرنا خلال ثمانين عاماً من النظام الاستعماري، ما زالت جراحنا طازجة وأليمة جداً، إذ لا نستطيع أن نطردها من ذاكرتنا. لقد عشنا أياماً شاقة، يُطلب منا عمل متعِبٌ جدّاً مقابل أجر لم يسمح لنا حتى أن نأكل حدَّ الشبع، ولا أن نلبس أو نسكن على نحوٍ لائق، ولا أن نربي أطفالنا كأحباء لنا. لقد اختبرنا المفارقات والإهانات والضربات التي كان علينا أن نتحملها صباحاً وظهراً ومساءً، لأننا كنا زنوجاً. من سينسى أنهم كانوا يخاطبون شخصاً أسود بضمير المخاطَب المفرد (أنت)، ليس بالتأكيد لأنه صديق، ولكن لأن المخاطَبة بضمير المخاطَب الجمع (أنتم، سيادتكم) كان مخصَّصاً للبيض فقط؟ لقد عرفنا أن أراضينا قد نُهِبَتْ باسم نصوص قانونية يفترض أنها تعترف بحق الأقوى فقط. كنا نعلم أن القانون لم يكن أبداً هو نفسه اعتماداً على ما إذا كان الشخص المعني أبيضَ أو أسودَ: فهو ملائم للبعض، وقاسٍ وغير إنساني للآخرين. لقد شهدنا المعاناة الفظيعة لأولئك الذين تمَّ تحييدهم بسبب آرائهم السياسية أو معتقداتهم الدينية؛ لقد كان مصيرهم، كمنفيِّين في وطنهم، أسوأ من الموت نفسه. كنا نعلم أن في المدن منازل رائعة للبيض وأكواخاً متهالكة للسود، وأنه لا يُسمح للشخص الأسود بدخول دور السينما، ولا المطاعم، ولا ما يسمى بالمتاجر الأوروبية؛ أنّ رجلاً أسود كان يسافر تحتَ النِّعال، عند قدمي الرجل الأبيض في مقصورته الفاخرة.
من سينسى أخيراً عمليات إطلاق النار التي لقي فيها الكثير من إخواننا حتفهم، والزنزانات التي أُلقي فيها بوحشية أولئك الذين لم يعودوا يريدون الخضوع لنظام عدالة القمع والاستغلال؟ (تصفيق.)
كل هذا يا إخوتي عانينا منه بشدة. لكن كل هذا أيضاً، نحن الذين تشرَّفنا بتصويت ممثليكم المنتخبين على قيادة بلدنا العزيز، نحن الذين عانينا في جسدنا وفي قلوبنا من الاضطهاد الاستعماري، نقول لكم بصوت عالٍ، كل هذا انتهى الآن. لقد أُعلنت جمهورية الكونغو، وبلدنا العزيز الآن بين أيدي أبنائه. معاً، إخوتي، أخواتي، سنبدأ نضالاً جديداً، نضالاً سامياً سيقود بلادنا نحو السلام والازدهار والعظمة.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

6 إرنستو تشي غيفارا: كوبا نعم، اليانكي لا
10 تموز/ يوليو 1960

لم تعد كوبا اليوم، كما كانت قبل أيام، مجرّد طليعة لأميركا؛ فاليوم، نحتل مكاناً أكثر خطورةً ومجداً: اليوم، كما تملي الظروف، نحن عملياً حكّام السلام العالمي. (تصفيق.)
بينما كنا نفكر في الاجتماع هنا، لنصرخ مرة أخرى بأننا لن نستسلم، وأن الهجوم على كوبا سيعني إرسال سيل من الغزاة الشقر ليجدوا الموت في كل بيت وكل حقل في هذه الجزيرة المتميزة (تصفيق)، نجد أنفسنا في ظل تحذير رئيس وزراء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (خروتشوف ـ تصفيق) الذي يحبط طبيعة التحذير الموجَّه إلينا. إن غزو كوبا الآن لن يعني تدمير جميع مبانيها بقنابل العدو، ولن يعني فقط المذبحة الوحشية لأبنائنا ونسائنا وكل شعبنا على يد القوات الجوية والتفوق الهائل للعدو، بل سيعني ذلك شيئاً آخر يجب أن يتوقف عنده قادة الشمال: الغزو يعني أن الصواريخ النووية يمكن أن تمحو مرة واحدة وإلى الأبد الأمة التي تجسد اليوم بؤس الاستعمار (تصفيق.)
يجب على أبناء البنتاغون والاحتكارات الأميركية الشمالية، الذين استعرضوا حتى الآن غطرستهم في الميادين الأميركية، أن يكونوا حذرين وأن يفكروا ملياً في هذا الأمر: لم تعد كوبا الجزيرة المنعزلة وسط المحيط، التي لها مكانتها الخاصة، التي لا يسعُها إلا الدفاع عن صدور أبنائها، وعن صدور كل المحرومين في العالم. كوبا اليوم هي جزيرة مجيدة في وسط منطقة البحر الكاريبي.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

7- سلفادور الليندي: لن تذهب تضحيتي سُدى
11 أيلول/ سبتمبر 1973

كل ما بقي لي هو أن أقول للعمّال: لن أستسلم! وفي نقطة التحول التاريخية هذه، سأدفع حياتي ثمناً لولاء الشعب. وأعبر لكم عن يقيني أن البذور التي زرعناها في ضمير الآلاف من التشيليين لا يمكن تدميرها بشكل نهائي. إنهم يملكون القوة، وسيكونون قادرين على استعبادنا، لكننا لا نستطيع كبح جماح الحركات الاجتماعية لا بالجريمة ولا بالقوة. التاريخ ملك لنا والناس هم الذين يصنعونه.
يا عمّال وطني: أود أن أشكركم على الولاء الذي أظهرتموه لي دائماً، وعلى الثقة التي وضعتموها في رجل لم يكن سوى تعبير عن التعطش الكبير للعدالة، والذي وفى بكلمته عبر احترام الدستور والقانون، وبالفعل كذلك.
في هذه اللحظة الأخيرة، الأخيرة التي أستطيع أن أخاطبكم فيها، أودّ أن تتعلموا الدرس: لقد خلق رأس المال الأجنبي والإمبريالية المرتبطة بالرجعية المناخ للقوات المسلحة لكسر تقاليدها — تقاليد الجنرال شنايدر — وهو ما أعاد تأكيده القائد أرايا، وهو أيضاً ضحية لنفس الطبقة الاجتماعية التي تأمل اليوم، في ديارها، استعادة السلطة عبر المرتزقة، لمواصلة الدفاع عن صلاحياتها وامتيازاتها.
إنني أتحدّث، قبل أي شيء، إلى المرأة المتواضعة في بلدي، وإلى المرأة الفلاحة التي آمنت بنا، وإلى العاملة التي عملت بجدٍّ أكبر، وإلى الأم التي تفهّمت اهتمامنا بالأطفال. أخاطب جميع المهنيين، الوطنيين الذين عملوا ضد الفتنة التي أثارتها النقابات المهنية، الجمعيات الطبقية التي تدافع أيضاً عن المزايا التي منحها لها المجتمع الرأسمالي.
أتحدث إلى الشباب، إلى أولئك الذين غنوا، والذين قدّموا فرحهم وروحهم النضالية. أتوجه إلى المواطن التشيلي: إلى العامل، إلى الفلاح، إلى المثقف، إلى أولئك الذين سيُضْطَهَدون، لأن الفاشية كانت موجودة بالفعل في بلادنا – في الهجمات التي فجرت الجسور، وقطعت خطوط السكك الحديدية، في الذين دمروا خطوط أنابيب النفط والغاز – في ظل صمت من كان عليهم واجب التدخل. لقد تنازلوا.
سيحكم التاريخ عليهم.
مما لا شك فيه أن إذاعة «ماكالانيس» سوف يتم إسكاتها ولن يصل صوتي الهادئ إليكم: لا يهم. ستستمرون في سماعي، وسأكون إلى جانبكم دائماً، أو على الأقل، سأكون في ذاكرتكم ذكرى رجل جدير، رجل مخلص للوطن.
يجب على الشعب أن يدافع عن نفسه، لا أن يضحّي بنفسه، ويجب ألا يسمح الشعب بخداعه أو السماح بالدوس عليه، ولا بإهانته.
يا عمّال بلدي: إنني أؤمن بالتشيلي ومصيرها. سيأتي رجال آخرون سيتغلّبون على هذه اللحظات المظلمة والمريرة عندما تدعي الخيانة أنها تفرض نفسها. اعلموا أنه في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعاً، ستفتح السبل الواسعة مرة أخرى حيث سيأتي الرجل الحر لبناء مجتمع أفضل.
تحيا التشيلي! يحيا الشعب! يحيا العمال!
هذه هي كلماتي الأخيرة. وأنا على يقين أن تضحيتي لن تذهب سدى؛ وأنا على يقين أنه سيكون هناك على الأقل درس أخلاقي واحد يعاقَب عليه الجُناة والجبناء والخونة.
Les 100 discours qui ont marqué le XXème siècle, André Versaille éd., 2014.

8- فرانز فانون: إنهاء الاستعمار هو دائماً ظاهرة عنيفة
التحرير الوطني، والنهضة الوطنية، وإعادة السيادة إلى الشعب، والكومنولث، مهما كانت العناوين المستخدمة أو الصيغ الجديدة المقدَّمة، فإنّ إنهاء الاستعمار هو دائماً ظاهرة عنيفة. مهما كان المستوى الذي ندرس فيه هذه الظاهرة: الاجتماعات بين الأفراد، والأسماء الجديدة للأندية الرياضية، والتشكيل البشري لحفلات الكوكتيل، والشرطة، ومجالس إدارة البنوك الوطنية أو الخاصة، فإنّ إنهاء الاستعمار هو ببساطة استبدال «نوع» من الرجال بـ«نوع» آخر. من دون مرحلة انتقالية، هناك استبدال كامل وكامل مُطْلَق لنوع بنوع.. وبطبيعة الحال، يمكننا أيضاً أن نظهر بمظهَر دولة جديدة، إقامة دولة جديدة، بعلاقاتها الدبلوماسية، وتوجهها السياسي والاقتصادي. لكننا اخترنا على وجه التحديد الحديث عن هذا النوع من الصفحة البيضاء التي تحدد في البداية بعملية إنهاء الاستعمار بأكمله. وأهميتها غير العادية تكمن في أنها تشكِّل، منذ اليوم الأول، الحد الأدنى مِنْ مطالب المستعمَر. في الواقع، يكمن دليل النجاح في المشهد الاجتماعي المتغير بشكل جذري، من خلال أهميته الاستثنائية، مثلما يكمن في أنه مطلوب، مطلوبٌ بإلحاح، كضرورة تاريخية إرادية. إنّ الحاجة إلى هذا التغيير موجودة في حالة جنينية هوجاء وقاهرة، في وعي وحياة الرجال والنساء المستعمَرين. لكن إمكانية هذا التغيير تظهر أيضاً في شكل مستقبل مرعِب في وعي «نوع» آخر من الرجال والنساء: المستوطِنون.
Frantz Fanon: Les damnés de la terre, Maspero éd., 1961

9 ـــ رسالة جورج حبش إلى آني كنفاني
تموز/ يوليو 1972

آني الأعز،
لكم يسخطني ألا تكون اللغة الإنكليزية لغتي الأصلية، فأعجز عن التعبير عن كل ما أشعر به وعن كل ما أود قوله في هذه اللحظة المهمة والصعبة.
لقد كان غسان بالنسبة إليّ شخصياً وبالنسبة إلى جبهتنا جمعاء، عزيزاً جداً، غالياً جداً، أساسياً جداً. عليّ أن أقر بأننا قد تلقّينا ضربة موجعة.
الآن، يا آني، نواجه جميعنا وأنت بصورة خاصة السؤال الآتي: ما ترانا نفعل لرجل، لرفيق، بهذا الإخلاص وهذه القيمة؟ ثمة جواب واحد فقط: أن نعاني بشجاعة كل الألم الذي لا يمكن لأحد منا أن يتجنّبه، ثم أن نعمل أكثر، ونعمل بطريقة أفضل، وأن نقاتل أكثر، ونقاتل بطريقة أفضل.
أنت تعلمين جيداً جداً، أيتها الأخت الأعز، أنّ غسان كان يقاتل في سبيل قضية عادلة؛ وتعلمين أن شعبنا الفلسطيني قد خاض حرباً عادلة على امتداد خمسين عاماً. ولقد وقف أخيراً الثوريون الحقيقيون في العالم أجمع إلى جانب حربنا العادلة. وهذا يعني أنّ دم غسان المُضاف إلى نهر الدماء العظيم الذي دفعه شعبنا طوال خمسين عاماً هو الثمن الذي ينبغي علينا أن ندفعه لنفوز بالحرية والعدالة والسلام.
ولا حاجة أن أخبرك أن تجربة الشعوب المقهورة في العالم أجمع تنبئ بأنّ ذلك هو الطريق الأوحد لهزيمة الصهيونية والإمبريالية والقوى الرجعية.
آني، إني أعرف جيداً جداً ما تعنيه خسارة غسان بالنسبة إليك. لكن أرجوك أن تتذكري أن لديك فايز وليلى والآلاف من الإخوة والأخوات أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفوق كل هذا، لديك القضية التي حارب غسان من أجلها.
آني، نحن بحاجة إلى شجاعتك. إن شجاعتك في هذه اللحظة الحاسمة تعني الكثير بالنسبة إليّ، وبالنسبة إلى جميع الرفاق والمقاتلين في الجبهة الشعبية.
إن أكثر ما يؤلمني في هذه اللحظة ألا يكون بمقدور هيلدا زوجتي ولا بمقدوري أن نكون إلى جانبك. وأنت تعرفين أسباب ذلك معرفة جيدة كما أفترض. إنه ليحزّ في نفسي ألا أكون قد رأيت غسان، ولا كلمته قبل دفنه.
أكرر: نحن بحاجة إلى شجاعتك، وبحاجة إلى أن تشعري بأنك لست وحدك ولن تكوني وحدك في أي زمن.