القاهرة | دائماً ما اعتُبرت الأغنية إحدى طرق مقاومة المحتل عبر التاريخ. وإذا كان رجال المقاومة الفلسطينية يحملون السلاح في وجه الصهيوني، فقد حمل الشباب من نجوم موسيقى الراب وفرق الأندرغراوند والفرق المستقلة الكلمات والألحان ليعبّروا عن مساندتهم للقضية الفلسطينية. لم يكتفوا بالغناء، بل إنّ بعضهم اعتبر أنّ سوق الفن العربي يمكن أن يؤثر بشكل كبير في زيادة التضامن مع القضية. منذ بداية العدوان على غزة، كان هؤلاء يلغون الحفلات تضامناً مع أهل القطاع، أو يتّخذون من الميكروفون منبراً لهم للتذكير بالمحرقة التي تُرتكب في حق الغزّيين، فحضرت فلسطين في حفلاتهم وبين جمهورهم. لقد أثبت «الرابرز» في مصر أنّهم خارج جوقة الفنانين المعتادة، أو كما يقولون بالمصرية المحكية: «صوتهم من دماغهم». لذا كانت كلماتهم أكثر تعبيراً، وصوتهم أعلى من مغنّي الحالة الرسمية الذين يتحرّكون وفق التعليمات.ومغنو الراب والأندرغراوند والفرق المستقلة هم الأكثر تحرّراً في التعبير عن العدوان على غزة، والأكثر تأثيراً في جيل الشباب الذي كشفت الحرب عن اهتمامه الكبير بالقضية الفلسطينية بعدما كنّا نعتقد أنّ حياته بعيدة تماماً عنها. لكنّ هؤلاء ومن دون توجيه من أحد، كانوا الأكثر اهتماماً، في الوقت الذي استحالت فيه مواقع التواصل الاجتماعي مساحتهم للتعبير عن ذلك. هم يفهمون أدوات الإعلام الجديد أكثر من الأجيال السابقة، كما أنّ غناء الراب وتكوين الفرق المستقلة كانا أحد الطرق التي لجأ إليها الشبان الفلسطينيين للدفاع عن قضيتهم. مثلاً، قدّمت فرقة «كتيبة 5» التي تأسّست في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عام 1999 أغنيات الراب السريعة للتعبير عن حقوق الفلسطينيين. ومن غزة، خرج «الرابر» إبراهيم غنيم الذي يشتهر باسم MC GAZA، وأيضاً تامر نفار و«ضبور»، حاملين القضية في كلمات أغانيهم التي يكرهها المحتل ويطاردها، بل يسخر منها المغنّون الإسرائيليون بعدما أصبحت طريقة جديدة لمواصلة الدعوة إلى تحرير فلسطين.
بعد أيام من بداية حرب الإبادة على غزّة الشهر الماضي، دخل 25 مغنّي راب عربياً أحد استديوات الأردن، فيما انضمّ إليهم آخرون عن بُعد لتسجيل أوبريت بعنوان «راجعين» (كلمات «الرابر» والملحن المصري مروان موسى، توزيع عمرو الشوملي) كـ «نشيد يتجاوز الحدود، مجسداً الصمود والمقاومة»، وفق ما يرد على القناة الرسمية الخاصة بالعمل على يوتيوب. أُنتج الفيديو (إخراج الليبي أحمد كويفية) على مدى 12 يوماً، بدعوة من الأردني علي «لوكا». علماً أنّه عمل تطوّعي بالكامل شاركت فيه أسماء معروفة منها: مروان بابلو، ودينا الوديدي، وأمير عيد، و«فورتكس»، وسيف الصفدي. اتفق الفنانون الذين قدّموه على أن تذهب عائداته لمصلحة «صندوق إغاثة أطفال فلسطين». وبعد أربعة أسابيع من طرح الأوبريت، وصلت مشاهداته على يوتيوب حتى كتابة هذه السطور إلى حدود 1.3 مليون. وجاء في أحد مقاطع «راجعين»: «تراب اليوم نسقيه بدموع ودم شهيد... بلادنا إلنا من بحر لنهر... ياما قلنا بكرا أحلى بس لا ما شوفنا إلا قهر».
أداء الفنانين أتى منسجماً مع شعبيتهم وقربهم من الشارع والشباب. لم يقفوا خلف الكواليس أو ينتظروا حتى تهدأ الأمور للتحدّث والتنظير، إنّما حملوا غزة فوق رؤوسهم واعتبروا أنّهم جزء أساسي في حرب الدفاع عنها. هنا، نشير إلى لقاء «الرابر» المصري «ويجز» عبر قناة «الجزيرة» القطرية، الذي أحد أكثر المقابلات متابعةً، وخصوصاً أنّه تطرّق إلى البروباغندا والتضليل الأميركي في ما يتعلّق بمكافحة الإرهاب، وادّعاء الولايات المتحدة بأنّها «بلد الحرية والديموقراطية»، ملقياً الضوء على مشاريع العدو الصهيوني في المنطقة وعمله على السيطرة عليها. كما أعلن «ويجز» عن حذفه فايسبوك اعتراضاً على تحيّزه ضد فلسطين.
أما زميله «عفروتو»، فألغى حفلاته تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وقال: «نفسيتي متسمحش إني أغني». خطوة تفوّق فيها على مواطنته أنغام. بينما ألغى «عفروتو» حفلاته وصمت ثم شارك في أوبريت «راجعين»، شاركت صاحبة أغنية «شنطة سفر» في حفلة «روائع بليغ حمدي» في السعودية تلبية لدعوة رئيس «هيئة الترفيه»، تركي آل شيخ، الذي لا تستطيع رفض طلباته. كما أنّها جلست في لجنة تحكيم برنامج البحث عن المواهب الغنائية «إكس فاكتور» (قناة «دبي» الإماراتية). وكانت أنغام في بداية العدوان لقمة سائغة للمتحدث باسم «الجيش» الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، الذي استدرجها إلى سجال طويل على السوشال ميديا. من جهتها، عوقبت «الرابر» المصرية «فلوكا» بعد تضامنها مع غزّة بإلغاء أربع حفلات لها في الولايات المتحدة، كما كتب مغني الراب «أبو الأنوار» على حسابه على إنستغرام أنّه يدعم القضية الفلسطينية، ولا يعترف بإسرائيل.
يمتاز هؤلاء الفنانون بالواقعية. رغم تقديمهم أغنيات عن القضية الفلسطينية ومساندة غزة، يعتبرون أنّ ما يقدّمونه قليل جداً أمام القهر الفلسطيني. لكنّهم في الوقت نفسه يعترفون بأنّه «أكثر ما يمكنهم تقديمه من مواقعهم». على الرغم من ذلك، وبموقفهم من غزة، هم نفضوا عن أنفسهم الاتهامات بأنّهم يقدمون أفكاراً غربية وكلمات تعارض المجتمع. وهم أنفسهم من كانوا يتعرّضون للإيقاف من قبل نقباء الموسيقى في مصر بتهمة عدم الامتثال لقواعد النقابة أو قوانينها والخروج عن المألوف!