هل كانت فلسطين قبل أن يأتي شذّاذ الآفاق لاغتصابها «أرضاً بلا شعب لشعبٍ بلا أرض» كما تروّج الأكذوبة الصهيونية، أو كما قالت رئيسة وزراء العدو غولدا مائير مرة: «أين هم الفلسطينيون؟ إني لا أراهم»... بلى كانوا متجذّرين في ترابها وهوائها و«بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها» وليمونها وقمحها وتينها وزيتونها، في ترابها المروي بالماء والدم، بماء جداولها التي تبرّك فيها الفلسطيني منذ فجر التاريخ، بتضاريس أرضها التي تشبّه بها في أزيائه على امتداد خريطة التراب المقدّس، بأعيادها وأعراسها التي غنّى بها ذلك الشعب الأصيل للعريس قبل أن تصير كل أعراسه شهادة، وللعروس في ليلة حنّائها قبل أن يصير خضابها الدم، وقبل أن يحول سفلة الغرب وثكنتهم المدججة إسرائيل أعيادنا إلى مآتم، ويعمّدوا أطفالنا بالحديد والنار. كان للفلسطيني ولا يزال غنى فائق الجمال في خزانة تراثه، من الأعياد الدينية إلى تقاليد الزفاف مروراً بالروزنامة الزراعية المذهلة في تقسيماتها، وليس انتهاء بالتطريز الفلسطيني المرهف الذوق الذي يعبّر عن هوية شعب حيّ بفطرته وعاداته وطبيعته. شعب تحاول آلة الموت اليوم إبادته ومحو كلّ ما يمت إلى تاريخه وثقافته. لكنّه سيعمّد أطفاله على جبل الطور كما تقول الأهازيج، ويفرش سجّاده على مرج بن عامر، ويصلي صلاة الاستسقاء فوق السطوح ليأتي الطوفان. نستعرض في «كلمات» باقة من التقاليد والمعتقدات والحرف الشعبية جمعها المؤرخ فيكتور سحاب في كتاب بديع حول الفولكلور الفلسطيني الذي «ترقى مهام حفظه من الاندثار إلى مستوى حماية كيان الشعب ووحدته من التهافت»
«الجوهرة» (2022) للفنان الفلسطيني نبيل عناني


◄ عماد الأطفال
أمّا العماد، فالمعتاد أن يُحتفل به قبل بلوغ الطفل سنته الأولى. وأفضل أيامه يوم عيد الغطاس في السادس من كانون الثاني (يناير) من كلّ سنة لأنّه اليوم الذي يصادف ذكرى اعتماد السيد المسيح وفق المعتقد، وإلّا فضّلوا يوم الأحد. ويختار والدا الطفل إشبيناً وإشبينة من الأقارب والأصدقاء. ويُراعى في الاختيار الحرص على توازن العلاقات بالأقارب، أو يسعى إلى التودّد من وجيه أو عائلة. ويُدعى إلى الاحتفال الأقارب والجيران، ويكون الاحتفال أشبه بما نشهده في الأعراس أيضاً من غناء ودبكة وذبح خراف وتقديم حلوى وقهوة وتهانٍ ونقوط. وعلى الإشبين إحضار ملابس جديدة للطفل يلبسها بعد الفراغ من العماد. وعليه كذلك أن يُوزّع الشموع على الحضور ويدفع أجرة الكاهن. وقد يُعمّد الطفل في البيت، ولكنّهم أخذوا يفضّلون التعميد في الكنيسة. ومن أهزوجات العماد:
عمّده يا خوري ع جبل الطور
عمّدنا الغالي بجرن البلور
عمّده يا خوري واعطيه لإشبينه
يا دمعته هالغالي نزلت ع جبينه
عمّده يا خوري واعطيه لأمّه
يا دمعته هالغالي نزلت ع تمّه
وبعد العماد تُطلق الزغاريد، ومنها:
أويها أبونا يا عباس
أويها يا سكر اليابس
أويها يا معمّد الصبيان
أويها يا مكلّل العرايس

◄ التحضير للعُرس
يتحلّق الرجال في ساحة واسعة تُضيئها نيران كومة كبيرة من الحطب حلّت محلها المصابيح مع الزمن. وفي الغالب، يُحيي سهرة الرجال حدّاء أو شاعر شعبي يُغنّي على ربابته سيرة أبي زيد الهلالي، وقد يعاونه عازفٌ على الناي، فيما الرجال يرقصون، وتشتدّ همّتهم للرقص شيئاً فشيئاً. ويبدأ الشبّان السهرة عادةً برقص الدبكة، حتّى إذا تقدّم بهم الليل، تقدّم الشيوخ إلى الساحة برقصهم الهادئ يُصاحبهم تصفيق رتيب بالأيدي يوقّع إيقاع حماسة الساهرين في تعاظمها وابترادها. وقد يتصافّ الراقصون في صفّين متقابلين كتفاً إلى كتف ويأخذون في الغناء بالتناوب ومجاوبة صفّ لصفّ، وهم يرقصون رقصة الملعب التي تحتك فيها الأكتاف. ويشترك العريس في الدبكة، ويترك الصفّ ليؤجّج النار أو يتفقّد القهوة والطعام وينظّم الضيافة. ومما يقولونه من زغاريد:
عريسنا ربّنا يخليك
ويكثّر عليك بالنعايم
ألفين شاب بباركولك
وإنت بالعزّ دايم
عريسنا يا قبّة النور
يِضوي على كلّ وادي
ريت إمّك وأبوك جابوا
عشرة زيّك يوم الولادي
عريسنا لا توكل همّ
سيفك أحمر بنقط دمّ
صغيرنا ضرّيب البارود
وكبيرنا عالخيل مارد

◄ حمّام العروس
حمّام العروس في المدن الفلسطينية شأن جليل. فعشية العرس كانوا يحضرونها في موكب رسميّ إلى حمام عمومي برفقة نساء العائلتين وهنّ يُغنين ويُصفقن ويُزغردن متباريات. وربما بلغ عددهن مئة. وفي الحمّام تُقدّم المشروبات، وتتوّلى غسل العروس امرأة خبيرة بهذا الطقس. وفي نابلس يُعدّ غسل العروس من أهم مراسم العرس. ومرط العروس يسبق حمّامها. ثمّ تُعاد إلى منزل والدها في موكب احتفاليّ. وبعد الحمّام والتحنئة عشية العرس، تجلس العروس في بيت والدها على مرتبة عالية تُسمى: الصمدة. ولا تُظهر العروس الفرح عشية عرسها لأنّه يفترض فيها أن تحزن لمفارقة ذويها، ولذا يَجلُونها. والجلوة هي أن تتوالى النساء على إنزال العروس عن الصمدة وأخذها باليدين لترقص. فالعروس لا ترقص مختارة، بل تطاوع النساء اللواتي يجلونها. وتُجلى العروس كلّما وفد جمع من النساء، فلا تنتهي ليلة «الحنّة» حتّى يبلغ الإرهاق بها كلّ مبلغ. ويُضاف إلى ذلك حزنها الذي تستدعيه الزغاريد المؤثرّة، ومنها:
سعدان طيرك دهب
ما دقها صايغ
يا كسب اللي اشترى
يعوّض على البايع
فإذا زُوجّت خارج قريتها قيل:
غريبة، غريبة غرّبوها رجالها
ما غرّبوها إلّا كتر الدراهم

◄ التبرّك بالماء والمزارات
من العيون والآبار في فلسطين ما يُحتفى به في موعد معيّن. فالمسلمون يعتقدون أنّ مياه زمزم تفيض في عاشوراء كلّ سنة وتمتزج بمياه الينابيع في جميع البلاد الإسلامية. ولذا يشربون من المياه في ذكرى استشهاد الحسين وتغتسل النساء في حمّام الشفا في القدس في هذه الذكرى. ومن هذه العيون ما تخصّص بشفاء أمراض بعينها. فالمسيحيون يؤمنون بأنّ السيد المسيح أرسل الأعمى إلى عين أم اللوزة، وهي قرب سلوان، ليغسل عينيه بمائها. ولذا ينصحون بهذه العين لمرضى العيون. وتستحم العواقر في حمام ستنا مريم في الجانب الشمالي الشرقي من سور القدس. وينسب بعضهم إلى المياه قدرتها على تغليب عدد الذكور على عدد الإناث في بعض القرى، والعكس في بعضها الآخر. وإذ يزيد عدد الرجال في أرطاس والخضر وبيت جالا وبتير وحوصان والولجة يسمّون السلالة الغالبة الذكورة «شجرة مرّة»، فيما يغلب عدد الإناث في قرى أخرى فتُسمى «شجرة حلوة». وسبب هذا في معتقدهم المياه التي يشرب منها سكّان هذه القرى. ويؤكد أحمد سامح الخالدي في كتابه «أهل العلم والحكم في ريف فلسطين»، أنّ الرجال والنساء يستحمّون بمياه الحمّة الساخنة شرقي بحيرة طبريّا للاستشفاء.
كما تروي بعض المعتقدات أنّ عرائس الجن قد يظهرن في مظهر جميل وهنّ يمتشِطن على حافة العين لإغواء الرجال الذين يُصادف مرورهم. غير أن الاستعاذة بالله تجعلهن يختفين. وقد يظهر في عين سلوان، روح شرير في شكل جمل يشرب الكثير من الماء. ومما يُذهل الفلّاح العيون الساخنة. وتفسيرهم أن الأبالسة يداومون على غلي الماء قبل انبجاسه. فقد أمر الملك سليمان الجن بهذا ليستحم الناس. ولما كانت الأرواح عمياء صمّاء، فقد مات سيّدها ولم تعلم بموته، فواظبت على تسخين الماء خوفاً من عقابه. وتخشى النساء المؤمنات الاقتراب من الينابيع المقدّسة أو مسّها إذا لم تكنّ طاهرات. فإذا اقتربت امرأة غير طاهرة من نبع مقدّس أصابها الوليّ بمرض في جسدها. وقد يُعاقب البلدة كلّها، فيُوقف جريان الماء. ولذا لا يجرؤون على مقاربة نبع يسكنه وليّ من دون ذِكر اسم الله أو اسم هذا الوليّ. ويخاف الرجل المنفرد الاقتراب منه، في الليل على الأخصّ. وإذا جفّ الماء في جفنا، ذهب القسيس إلى البئر ليتلو دعاءه ويحرق البخور تقرباً واسترضاءً حتّى يجري الماء.
ولا يقتصر اتصال الناس بالأولياء على الذهاب إلى المزارات، فربما جاء الأولياء إلى الناس في منام، فظهروا بمظهر شيوخ مسنّين في ثياب يغلب عليها البياض والخضرة والحمرة، وبشروا بأمر أو أوصوا بعمل. وكثيراً ما يُنبئون بمولد طفل، فيُسمّى باسم الوليّ الذي بشّر به، ويُنذر عند المسيحيين للقديس الذي أنبأ بمولده. وقد يخرج الأولياء من مقاماتهم ليجولوا في الجوار في جسم طائر. ولا يُستحب قتل الطيور التي قال فيها الشاعر الشعبي:
طاروا أوّل الليل
حلّوا شعورهم حلّوا
فرشوا سجاجيدهم
عالمرج ما ابتلّوا
طاروا في آخر الليل
في حرم النبي صلّوا

◄ التقويم الزراعي الشعبي
للتقويم الزراعي في فلسطين روزنامة خاصة لا تقسم السنة صيفاً وشتاءً، ولا أشهراً، بل تقسمها سبع خمسينات، وهي على النحو الآتي:
- من العيد للعنصرة «خمسين يوم» مقدّرة: العيد هو الفصح وفي هذه المرحلة حصاد العدس والكرسنّة.
- من العنصرة للمنطرة «خمسين يوم» مقدّرة: المنطرة هي بداية نَطر الكروم، أيّ حراستها، لأنّها نضجت. وتنتهي هذه المرحلة عند عيد مار إلياس في 20 تموز (يوليو)، وفيها يحصدون القمح والشعير.
- من المنطرة للمعصرة «خمسين يوم» مقدّرة: المعصرة هي عصر الزيتون والعنب، وينضج خلالها أيضاً التين. وتنتهي بعد عيد الصليب في 14 أيلول (سبتمبر).
- من المعصرة لعيد لدّ، وفيها موسم الزيت والزيتون، وهي مرحلة تُنهي جميع الاستعدادات لاستقبال الشتاء بعد جَني جميع المحاصيل. وختامها في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر).
- من عيد لدّ للميلادي «خمسين يوم» مقدّرة: وهي مرحلة تُصادف موسم الحرث والبذار وبدء هطول الأمطار، وتنتهي بعيد الميلاد في 25 كانون الأول (ديسمبر).
- من الميلادي للصيام «خمسين يوم» مقدّرة: وفيها الشتاء الحقيقي الذي تموت فيه الطبيعة، ولكنّها تختزن الأمطار لتحيا من جديد. وختامها في الغالب في أواسط شباط (فبراير).
- من الصيام للعيد «خمسين يوم» مقدّرة: وفيها يستعدّون لبدء حياة جديدة، بعدما أمات الشتاء مظاهر الحياة. وعيد الفصح يقع في الغالب في النصف الأول من نيسان (أبريل).
ويُلاحظ أنّ ختام كل خمسينيّة من الروزنامة الزراعية عيد من الأعياد الدينية الشعبية.
وثمة تقسيمات أخرى لا تشمل السنة كلّها بل تسعين يوماً من الشتاء وتسعين يوماً من الصيف، فللصيف مربعانيّة أو أربعينية تمتد من العاشر من تموز (يوليو) إلى التاسع عشر من آب (أغسطس)، تليها خمسينيّة تنتهي في نحو العاشر من تشرين الأول (أكتوبر). وأما مربعانيّة الشتاء فتبدأ في الثاني والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) وتنتهي بنهاية كانون الثاني (يناير). وتتميز بالبرد الشديد، ويُحتمل فيها سقوط البرَد ونزول الثلج في التلال والجبال. ولكن شمسها مرهوبة أيضاً، إذ إنّ «المربعانية يا شمس تحرق يا مطرة تغرق»، و«المربعانية يا بتربّع يا بتقبّع». ولذا يخلدون أثناءها إلى الراحة والسكينة في بيوتهم، فلا يخرجون إلا للضرورة، ويستعدّون لها بتخزين المؤن. ويعتمدون كثيراً على أمطار مربعانيّة الشتاء، ولكنهم يجتنبون بذر أي حبوب ويقولون: «لمّا يطلع الحنّون ضبّ بدارك يا مجنون»، وفي هذه المرحلة تُزرع أشجار الزيتون.
أما خمسينيّة الشتاء، فتبدأ مع بداية شباط (فبراير) وتنتهي في الثاني والعشرين من آذار (مارس)، وتقسّم بدورها أربعة أقسام، كلّ منها اثنا عشر يوماً ونصف اليوم:
- سعد ذابح: أسبوعان باردان، من أول شباط (فبراير) إلى الثالث عشر منه، ويُقال إنّ أربعة أخوة كانوا مسافرين خلالهما فمات ثلاثة من البرد، ولم ينجُ إلّا سعد الذي ذبح ناقته واختبأ في بطنها. ولذا يقولون: «سعد ذابح ما خلّى ولا كلب نابح».
- سعد بلع: «بلع كلّ مية الأرض»، حتّى الخامس والعشرين من شباط. وفي هذه المرحلة تبلع الأرض كلّ مطر يسقط.
- سعد السعود: «بتدبّ الميّة في العود»، حتّى العاشر من آذار(مارس)، وفيها تستعيد النباتات الحياة، وتتفتّح البراعم.
- سعد الخبايا: «بتطلع الحيايا وبتتفتّل الصبايا»، حتّى الثاني والعشرين من آذار(مارس)، أي بداية الربيع.
ويُعَدّ المطر ضرورياً في هذه الخمسينية لما يسمّونه «الري الصيفي»، وهو غير ريّ المربعانيّة. ويعرفون ذلك من تجمّع الماء على وجه الأرض، فيقولون: «رقّت الأرض».

◄ صلاة الاستسقاء
إذا طال انحباس المطر تجمّعوا كباراً وصغاراً وطافوا حول القرية حتّى مقام كبير أوليائهم، وقرؤوا الفاتحة، أو صعدوا إلى سطح المقام ليقتربوا من الله، وحملوا معهم أم الغيث، وهي دمية (وهذه العادة دارجة عند البدو بخاصة)، ولوّحوا بالغرابيل والمناخل والطواحين والجرار الفارغة ليشهد الله حالهم. ومنهم من يُغنّي غناء الاستسقاء:
الغيث يا ربي
اسقِ زرعك الغربي
الغيث يا رحمن
اسقِ زرعك العطشان
يا ربي بِلّ الشالة
عبيدك فقرا وكيّالة
يا ربي بِلّ الشرشوح
إحنا عبيدك وين نروح
يا ربي بِلّ الشمبر
حاجي التجّار تتقمبر
يا ربي شو هالغيضة
جِعنا وأكلنا حميضة
يا ربي تبلّ المنديل
إحنا فقرا وين نشيل
(الشالة: الدلو قليل الماء، الشرشوح: فزاعة الحقل ــ الشمبر: غطاء الرأس، الغيضة: نضوب الماء)

◄ تقاليد القهوة
حين تجهز القهوة يتقدّم، «المعزِّب» (أي المضيف) من ضيوفه وهو يحمل البكرج بيده اليسرى والفناجين بيده اليُمنى، ويتذوق أوّل فنجان ليطمئن إلى جودة ما أعدّ، ثمّ يأخذ في إضافة زواره. ولا يسكب إلا ربع فنجان إعراباً عن الرغبة في سكب المزيد. ومن يسكب فنجاناً مليئاً فإنّه كمن يُهين ضيفه ويدعوه إلى العجلة. ويبدأ المُضيف في تقديم القهوة من اليمين. وإذا أراد صاحب الدور إكرام شيخ أو وجيه دعاه إلى أخذ فنجانه. وإذّاك يرفض الشيخ أو الوجيه أخذ الفنجان قبل صاحبه شاكراً التكريم بقوله: «دور غانمين». ويقولون لذا: «صبّ القهوة عاليمين ولو أبو زيد عالشمال». وثمّة من يقدّمون من تلقائهم القهوة أوّلاً إلى أكبر الحاضرين سنّاً أو أرفعهم شأناً، ثمّ إلى الآخرين. وعلى الضيف أن يتناول الفنجان بيده اليمنى، وقد أولع بدو بئر السبع بالقهوة حتى قدّسوها فوق الأشياء، وتغزّل بها الشعراء الشعبيون وقالوا:
قهوة البنّ أنا قلبي يحبّك/ يا قهوة البن أنا قلبي يحبّك / يا ليل يا عين/ يا خضرة اللون وجابوا من اليمن حبِّك/ فنجان صيني وبكرج حضرمي/ ينسرّ قلبي إذا شفت الولف صبّك.

◄ التطريز الفلسطيني
ثياب المسنّات لا تطرّز مثلما تطرّز ثياب الفتيات التي تزخر بالزخرف، فيما تتسم ثياب المسنّات بالوقار، فالقماشة سميكة ولونها قاتم ووحداتها الزخرفية تميل ألوانها إلى القتامة، فهي ألوان الحشمة التي ينبغي أن يتّصف بها المسنّون. وأما الفتيات فيعوّضن بغنى زخرفة ثيابهنّ عن التبرّج.
وللتطريز أماكن على مساحة الثوب، فثمّة تطريز ضمن مربّع على الصدر يُسمّى القبّة، وعلى الأكمام ويُسمّى الزوائد، وعلى الجانبين ويُسمّى البنايق أو المناجل. ويطرّزون أيضاً أسفل الظهر في مساحات مختلفة. وقلّما يطرّزون الثوب من أمام، إلّا أثواب الزفاف، فيُكثرون تطريزها أو يشقون الثوب من أمام وتلبس العروس تحته شروالاً برتقالي اللون أو أخضر، وثمّة قرى يخيطون فيها قماشة من المخمل وراء القبّة ويطرزونها.
غنى فائق في خزانة تراثه، من الأعياد الدينية إلى تقاليد الزفاف مروراً بالروزنامة الزراعية المذهلة في تقسيماتها، وليس انتهاء بالتطريز


وفي فلسطين خريطة تطريز دقيقة. فجميع القرى تشترك في تطريز بعض القطب وتختلف في وضعها على الثوب. وفي بعض القرى، يُكثرون من استعمال قطَب بعينها فتُتّخذ كثرتها دليلاً على انتساب الثوب إلى المنطقة. فالقطبتان الشائعتان في قضاء غزّة هما القلادة والسروة. وفي رام الله، يفضّلون قطبة النخلة واللونين الأحمر والأسود. والتطريز متقارب في بيت دجن، ويظهر فيه تتابع الغرز التقليدي، وتمتاز الخليل بقطبة السبعات المتتالية وتكثر فيها قطبة الشيخ. ويطرّزون الثوب من خلف، على شريحة عرضيّة في أسفله، وهذا من أثر بدوي يظهر أيضاً في بيسان شمالاً وبئر السبع جنوباً. وثمّة غرزة منتشرة بين الجبل والساحل تُسمّى الميزان. وغرزة الصليب هي الأكثر شيوعاً في التطريز في مطرّزات بيت لحم. والقبّة التلحميّة ذات مكانة خاصة في تراث التطريز الفلسطيني، فهي تختلف عن القبّات في المناطق الأخرى لأنّ الخيطان المستعملة في تطريزها هي من حرير وقصب، والغِرز المستخدمة هي التحريري أو الرشيق، واللفّ. وغرزة التحريري رسم بخيط القصب يُثبت بقطب متقاربة. وهي غرزة تُتيح للإتقان والدقة تطريزاً متفوقاً وجميلاً. وفي بعض الأحيان، تمدّ خيوط قصب متوازية فيملأ الفراغ بينها بقطبة اللفّ. وقد آثرت كثير من نساء فلسطين هذا النوع من التطريز التلحمي، فاعتمدنه وطعّمن به أثوابهن. ففي لفتا التي يدعى ثوبها الجنة والنار لأنّه من حرير أخضر وأحمر، أضيفت إلى الثوب القبّة التلحميّة. واستعارت القبّة التلحميّة كذلك قريتا سلوان وأبو ديس اللتان تصنعان ثوباً من قماش القنباز المقلّم. وتضيف نساء أقضية القدس ويافا وغزّة وبيت دجن قماشاً من حرير إلى قماش الثوب. وثمّة استثناءات في المناطق، إذ تلبس نساء الطيرة قرب حيفا أثواباً بيضاً من غير أكمام مطرّزة بقطبة التيج وبرسوم طيور وخلافها، ويلبسن تحته سروالاً وقميصاً مكشكشين. وأمّا في الصفصاف في شمال فلسطين، فيلبسن السروال الملوّن الضيّق. والثوب فيها ملوّن بألوان العلم العربي مضاف إليه الأصفر. والثوب قصير من أمام طويل من خلف. وتُعرف أثواب المجدل من تطعيمها بشرائح طويلة من الحرير البنفسجي. أما الزخارف والعروق فتصنّف كما يأتي:
- العروق الهندسية أهمها المثلّث، ثم النجمة الثمانية والدائرة والمربّع والمعيّن. ومن الخطوط المستقيم والمتعرّج والمتقاطع والمسنّن وما إليها.
- عروق النبات والثمر: النخل والسعف أو الجريد، وشكلها أقرب إلى التجريد. ويطرّزون أيضاً كوز الذُرة والسرو والعنب والزيتون والبرتقال وسنابل القمح.
- عروق الأزهار: عرق الحنّون، وعين البقرة، وقاع فنجان القهوة، والزهرة المربعة الريشية، وخيمة الباشا والزنبقة، وعر التوت وعرق الورد وعرق الدوالي.
- الطيور: الحمامة ثم الديك والعصافير وديك الرومي وعين الجمل والحصان وغيرها.

* المرجع: فيكتور سحاب، «التقاليد والمعتقدات والحرف الشعبية في فلسطين قبل 1948» ـــــ دار الحمراء، 1993.