منذ وطئت أقدام المحتلين والغزاة الصهاينة أرض فلسطين، صارت أعيادها بلا طعم وغابت عنها «المسرّة»، والفرح ومظاهر البهجة والسرور التي تترافق والأعياد في كل أنحاء الأرض.حدّثنا من عاشوا في فلسطين قبل النكبة عن أعياد ومواسم ومناسبات كان الفلسطينيون يحيونها باحتفالات وقرع طبول ومسيرات كشفية، وحلقات الدبكة وفعاليات عديدة تعبّر عن الفرح وحب الحياة، لعلّ من أشهرها «عيد لد» (مدينة اللد)، وهو عيد كان يحتفي به الفلسطينيون المسيحيون في اللد، وموسم النبي موسى، والنبي صالح، والنبي «روبين»، وغيرها من الأعياد والمناسبات.
لكنّ درّة الأعياد وتاجها كان وما زال لدى المسلمين، عيدا الفطر والأضحى، ولدى المسيحيين الفلسطينيين، أعياد الميلاد (كريسماس) لدى مختلف الطوائف المسيحية، وعيد الفصح المجيد (إيستر). كان يخرج الناس في هذه الأعياد إلى الحدائق العامة والأطفال إلى المراجيح، ويوزعون الحلوى وينحرون الذبائح (أعياد المسلمين)، ويزينون شجرة الميلاد ويطبخون البربارة ويصنعون الكعك المنزلي الشهي ويزيّنون الأشجار والشوارع (لدى المسيحيين)، ويتبادل أبناء الشعب من كل الطوائف والأديان الزيارات والتهاني، ويزورون المقابر لتذكّر أعزائهم الراحلين، وتعمّ البهجة كل أنحاء فلسطين، بأديانها وطوائفها المختلفة.
اختلفت طقوس الأعياد بعد الاحتلال، فصار الناس يزورون بيوت الشهداء والمعتقلين، ويتبادلون التهاني بالأعياد، من دون «فرح ولا مسرّة»، وتقتصر أعيادهم في كثير من الأعوام على إقامة الشعائر الدينية في المساجد والكنائس والمقابر!
وتأتي أعياد الميلاد هذا العام لدى الطوائف المسيحية كافة، وغزة تتعرض للقصف والإبادة والتجويع، والحرمان من أدنى مقومات الحياة، إذ يتابع الفلسطينيون في الداخل والخارج أنباء غزة التي يرتقي فيها الشهداء يومياً بالمئات، بحزن وحسرة على ما يحدث.
في مناسبة حلول أعياد الميلاد لدى الطوائف المسيحية، أعلنت مختلف الطوائف والكنائس في فلسطين عن إلغاء كل مظاهر الزينة والفرح، تضامناً مع غزة وأهلها، واقتصار الأعياد على الشعائر الدينية في الكنائس.
غابت عن مدن بيت لحم، والقدس ورام الله وسائر مدن وقرى فلسطين التي يتواجد بها أبناء الديانة المسيحية، مظاهر الزينة وشجرة الميلاد، التي كانت تُنصب في الساحات العامة، وتجري إضاءتها في طقوس احتفالية، رسمية وشعبية.
وعلى صعيد الحركة التجارية، غابت الحركة النشطة للتسوق في مناسبة الأعياد عن الأسواق الفلسطينية، التي عانت أصلاً من الكساد منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة وشعبها، وتدمير كل مرافقها وبناها التحتية، ولم تسلم المراكز التعليمية والمدارس والجامعات والمستشفيات وأماكن العبادة (المساجد والكنائس)، من التدمير والإزالة من الوجود، وجرى تشديد الحصار، حيث لا دواء ولا ماء ولا غذاء ولا أدوية ولا كهرباء.
في هذه الأجواء الحزينة والمؤلمة، لكل أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، جرى إلغاء الاحتفالات ومظاهر الفرح والزينة، وحتى الاحتفالات في أماكن مغلقة، جرى إلغاؤها أيضاً.
عبارات مثل «كل عام وأنتم بخير»، «كل سنة وإنتو سالمين»، صارت بلا معنى في هذه الأجواء الحزينة على فقد الشهداء، واستبدلت بالدعاء لفك كربة غزة وأهلها، والترحّم على شهدائها، والتمنيات لجرحاها بالشفاء العاجل، ومعتقليها بالفرج القريب، وحصارها بالانحسار.
لن يستطيع سانتا كلوز (بابا نويل)، أن يتجول بين الأحياء، ليقدّم للأطفال جرعة فرح وهدية، ولن يُسمع الجرس الذي كان يرافقه أثناء تجواله.
حزين ليل فلسطين ونهارها، وغائبة فرحة الأعياد عن ملامح أطفالها، وكل أهلها، إلى أن ينجلي ليل الاحتلال، وتشرق شمس فلسطين على ربوعها، تنشر الدفء والحرية.

* فلسطين/ رام الله