القاهرة | بداية عام 2023 ليست كنهايته، فقد بدأ العام ثقافياً في مصر بشكل عادي وبارد من دون أحداث يمكن الاتكاء عليها كعلامات ثقافية للعام ككلّ. إلا أن نهايته هي ما يجب التوقف عندها، فقد أربكت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الكثير من الحسابات الثقافية أبرزها ما يخص وزارة الثقافية المصرية. رغم أنها تعيش عصراً من عدم التأثير حتى في محيطها الثقافي الصغير، إلا أنّ الحرب على غزة أوقعتها في متاهة لا نهاية لها. هكذا لم توقف فعالياتها ومهرجاناتها في البداية ربما ظناً منها أنّ الحرب ستنتهي سريعاً. ثم أوقفت بعض الفعاليات فيما استمرّت أخرى، ما أدى إلى هجوم من المثقفين على هذا الوضع المرتبك بين الوزارة الأم ومؤسساتها الأخرى. لكن عموماً، أعادت الوزارة عملها الطبيعي أخيراً، والبارز فقط هو إلغاء دورة «مهرجان القاهرة السينمائي» الذي يعتبر الحدث الأهم الذي تنظمه الوزارة سنوياً. وشهد المهرجان استقالة المخرج أمير رمسيس الذي كان يشغل منصب المدير الفني للدورة الملغاة، في وقت أقيم فيه «مهرجان الجونة السينمائي»، متفادياً إلغاء الدورة بتخصيص جزء من برنامجه لفلسطين أو الأفلام التي تحكي عنها. واستضاف في الختام المطرب أمير عيد ليقدّم أغنيته «تلك قضية» التي تحكي عن التناقض العالمي في الحكم على القتلى من الجانب الفلسطيني والإسرائيلي. لكن يبدو أن الوزارة ـــ كجهة رسمية تعبر عن الحكومة المصرية ــــ لم ترد وضع نفسها في هذه الزاوية. مع ذلك، كانت بعيدة إلى حد كبير عما يجري في فلسطين، فلم تدخل في فعاليتها جدولاً خاصاً بها. وقبل أن ينتهي عام 2023، انكبّت الوزارة على تنظيم «معرض القاهرة السنوي للكتاب» الذي ستحلّ النرويج ضيفة شرف عليه، على أن يبدأ في كانون الثاني (يناير) 2024.ما حدث في جبانات القاهرة التاريخية من أعمال هدم واعتداء على الآثار والمعالم الثقافية والتاريخ الممتد إلى القاهرة، حرك كثيراً من المياه الراكدة في الثقافة المصرية. فقد أدى ما قامت به الحكومة إلى اشتعال عاصفة من الجدل، سواء من مثقفي مصر في الداخل أو الخارج. وطالب مثقفون مصريون بوقف أعمال الهدم والاستغناء عن أي مشروع ـــ غالباً كوبري أو طريق ــــ مهما كانت أهميته إذا كان على حساب التاريخ المصري في هذه المنطقة الذي يمتد إلى قرون سابقة. ورغم أن أعمال الهدم توقفت من دون إعلان رسمي من قبل الحكومة عما سيحدث بعد ذلك، إلا أن الأزمة نفسها كانت إشارة إلى أن سعي وزير السياحة المصري السابق خالد عناني تجاه منصب مدير اليونسكو، لن يكون سهلاً في وقت تفعل فيه حكومة بلاده «بلاوي» مع منطقة موضوعة على قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو.
على صعيد الجوائز، فاز الموسيقار المصري عمر خيرت (1948) في شهر أيار (مايو) 2023 بجائزة شخصية العام الثقافية ضمن دورة «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، تكريماً لمسيرته الموسيقية الطويلة التي قدّم خلالها آلاف الألحان الشهيرة سواء لأغنيات أو مسلسلات أو أفلام، إذ رافقت موسيقاه التصويرية أفلاماً مصرية هامة مثل «البحث عن توت عنخ آمون» (1997)، و«السفارة في العمارة» (2005)، و«مافيا» (2003). وفي حين خرجت الروائية المصرية ميرال الطحاوي من القائمة القصيرة لـ «بوكر» العربية عند إعلان الجائزة في عام 2023، فاز الروائي العماني زهران القاسمي بها عن رواية «تغريبة القافر»، بعد توقعات بأن تحسمها هذه المرة رواية الطحاوي «أيام الشمس المشرقة» ووصولها إلى القائمة القصيرة للمرة الثانية في تاريخها. لكن يبدو أن الجائزة التي يُشاع أنها سياسية أكثر مما هي ثقافية، أبت أن تذهب إلى مصر هذه المرة، بعدما بدأ الفوز بها مصرياً حين كانت من نصيب الأديب الراحل بهاء طاهر عام 2008 عن روايته «واحة الغروب». وقبل أن ينقضي 2023، شهد أيضاً إعلان «بوكر» عن روايتين مصريتين في قائمتها الطويلة «كل يوم تقريباً» لمحمد عبد النبي، و«مقامرة على شرف الليدي ميتسي» لأحمد المرسي. وكلاهما من الكتّاب الشباب، ولو أنّ إنتاج محمد عبدالنبي معروف للقراء بشكل أكبر، كما وصلت روايته «في غرفة العنكبوت» إلى القائمة القصيرة لـ«بوكر» عام 2018. وقد فاز المترجم محمد العناني ( 1939- 2023) بـ «جائزة النيل» في الآداب بعد رحيله، وهي إحدى أرفع الجوائز الثقافية المصرية، تكريماً لمسيرة طويلة خاضها «شيخ المترجمين» الذي كانت أعمال شكسبير المسرحية من أهم ما ترجمه، إلى جانب أعمال إدوارد سعيد وآخرين. وقد كان عناني أول من فقدهم المشهد الثقافي المصري في عام 2023، فقد كان الموت حاضراً كعادته في ذلك العام مغيّباً أكثر من شخصية في الوسط الثقافي. قائمة الغياب طالت عناني، والروائي حمدي أبو جليل (1967 ــ 2023) في مفاجأة هزت الوسط الثقافي المصري، قبل أن تُصدر «دار الشروق» روايته الأخيرة «ديك أمي». عنوان يشير إلى الكاتب والروائي الذي طالما حكى عن أمه وعلاقته بها في معظم كتاباته. وعلى قلة إصدارات أبو جليل، إلا أنه كان يعتبر الروائي الذي جاء من صحراء محافظة الفيوم، ليحكي للقراء عن عوالم البدو ومَن يعيشون في الصحراء في سنوات التقدم. أبو جليل الذي فاز بـ «جائزة نجيب محفوظ» عن روايته «الفاعل» عام 2008، أصدر كتباً أخرى عن القاهرة وشوارعها وجوامعها. وفي شهر أيلول (سبتمبر) 2023، خطف الموت الكاتب كمال رحيم (1947 ــ 2023)، صاحب ثلاثية جلال وهي «يوميات مسلم يهودي»، و«أيام الشتات» و«شمعدانات ومآذن». يعتبر رحيم أحد الذين وثّقوا حياة اليهود في مصر في القرن العشرين، خاض تجارب قصصية أخرى، وحصل على جوائز عدة مثل «جائزة الدولة التشجيعية» و«اتحاد الكتاب» و«جائزة الدولة التقديرية» عام 2022. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، توفي كاتب الأطفال الشهير يعقوب الشاروني عن 92 عاماً. كتب للأطفال قرابة 400 كتاب، وشارك في أنشطة ثقافية حكومية وخاصة جعلته واحداً من روّاد الكتابة للأطفال في مصر والعالم العربي. وكان من أبرز إصداراته «ألف حكاية وحكاية» الذي صدر في عشرة أجزاء، ليحمل عنوان مقالاته في صحيفة «الأهرام».
شهد العام رحيل يعقوب الشاروني أحد روّاد الكتابة للأطفال في العالم العربي


ومن أبرز الإصدارات في عام 2023، روايات «حامل الصحف القديمة» للكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد (1946) الذي يُعتبر من روّاد الرواية العربية، وتحمل روايته حكاية ليست ببعيدة تلت ثورة 25 يناير 2011 في مصر، وتفشي وباء كورونا، جامعة بين ماض قريب وأحداث وقضايا واقعية أثرت في حياة المصريين. ودائماً ما تستقبل أعمال عبد المجيد بحفاوة بالغة، فهو غزير الإنتاج حصل على جوائز عدة، وتحولت بعض نصوصه إلى أفلام سينمائية. كما صدرت المجموعة القصصية «أيام عادية» لعادل عصمت الذي فاز بـ «جائزة ساويرس لكبار الكتاب» عام 2019. في هذا العمل، واصل عصمت إنتاجه المهم، مقدّماً شخصيات مغايرة ولصيقة بالواقع المصري عبر حكايات قصيرة لا تزيد عن ثلاث صفحات في الأغلب. أما كتاب «صحوة المحكومين في مصر الحديثة» للكاتب محمود حسين (اسم مستعار لكاتبين) فكان أبرز كتب عام 2023، إذ يؤرخ لجزء مهم في تاريخ المصريين منذ عصر محمد علي، حين بدؤوا التحول التدريجي ليصبحوا مواطنين بدلاً من رعايا للأنظمة الحاكمة. ويمرّ الكتاب بالثورات التي خاضها المصريون سواء تجاه المحتل مثل ثورة 1919 أو ضد حكامهم مثل ثورة 25 يناير 2011. ورغم أنّ مؤلفَي الكتاب يعيشان في فرنسا منذ سنوات طويلة، إلا أنهما استطاعا أن يقدّما عملاً عرض لجوانب كثيرة على ضفاف العنوان الرئيسي مثل علاقة المصريين بالإله، ومحاولاتهم كتابة الدستور أكثر من مرة، والطرق التي ساروا فيها من أجل الديموقراطية التي لم تتحقق حتى نهاية 2023!