القاهرة | تحت شعار «نصنع المعرفة… نصون الكلمة»، تنطلق اليوم الدورة 55 من «معرض القاهرة الدولي للكتاب» في ظلّ وصول أيادي المنع إلى دور النشر نفسها. دائماً ما يكون معرض الكتاب نافذة القاهرة إلى العالم والمنطقة العربية، من أجل تبادل ثقافي كبير، وخصوصاً مع ظهور معارض الكتب في الرياض وأبو ظبي، قادرة على منافسة المعرض الأقدم. تختلف دورة هذا العام في أنّها تتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرّة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وسط أزمة اقتصادية طاحنة في مصر، أرخت بظلالها على سوق النشر المحلّي، ما يؤثر بالطبع على أسعار الكتب وقطاع النشر عموماً.
(فيروزه مظفري ـ إيران)

قبل ساعات من بدء المعرض، أعلنت مديرة «الكتب خان للنشر والتوزيع» كرم يوسف عن منع الدار من المشاركة في المعرض. وأوردت في بيان أنّهم مُنعوا «تعسفياً من المشاركة في هذه الدورة من دون إبداء أي أسباب واضحة أو إخطار رسمي مسبق». وأكدت يوسف أنّ القرار الغامض «يبدّد جهود مجموعة متميزة من الكتاب والكاتبات والعاملين في الدر لأشهر عديدة من أجل المشاركة في الموسم الثقافي الأهم من كل عام». وفور إعلان «الكتب خان» عن هذه الحادثة على فايسبوك، انهالت التعليقات المستاءة والمتسائلة عن سبب المنع، واصفةً ما فعلته إدارة المعرض بـ «العبث». وشارك البيان كثير من الكتاب والصحافيين، مطالبين بتوضيح من وزارة الثقافة المصرية على هذا المنع الذي أعقب ما أعلنته «مكتبة تنمية» سابقاً عن منعها أيضاً من المشاركة في المعرض. وشارك صاحبها خالد لطفي الأمر على فايسبوك من دون توضيحات، معلناً عن معرض المكتبة السنوي الذي تعمل عبره على عدد من الندوات والفعاليات أبرزها تلك التي عُقدت في 19 كانون الثاني (يناير) عن «تزييف تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية، واستضافت الكاتب والمؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين». ولا تشارك المكتبة في المعرض منذ أن تعرّض خالد لطفي للسجن لمدة خمس سنوات بتهمة «إفشاء أسرار عسكرية، وبث شائعات كاذبة» بعد توزيعه كتاب «الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» عن أشرف مروان (1944 ـــــ 2007 ـــ الأخبار 12/9/2023)
وكالعادة، لم تخرج إدارة معرض الكتاب أو وزارة الثقافة بأي بيان يوضح أسباب منع «الكتب خان» و«تنمية» من المشاركة، لكن وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، ظهرت قبل الافتتاح وهي تتفقد مقرّ المعرض من الداخل في فيديو لا تزيد مدته عن دقيقتين. تأتي هذه الدورة لتؤكّد على عدم اهتمام نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالثقافة. فهو وإن افتتح المعرض في دورته الخمسين عام 2019، إلا أن الثقافة المصرية ليست على رأس أولويات النظام المصري، فيما يعقد كثيرون مقارنة بين اهتمام سوزان مبارك، زوجة الرئيس الراحل حسني مبارك بهذا القطاع، والإهمال الرسمي الحالي له.

إعادة إصدار كتب عن القضية الفلسطينية من بينها «الطنطورية» للراحلة رضوى عاشور

مع تولّي الوزيرة نيفين الكيلاني المنصب، خفت دور الوزارة تماماً في الكثير من الملفات، فيما كان يعتبرها بعضهم رأس الحربة الفكرية والأيديولوجية في محاربة الإرهاب وتجديد الخطاب الديني وغيرهما من القضايا الثقافية المهمّة التي يعجّ بها المجتمع المصري. واعتبرت وزيرة الثقافة أن اختيار النرويج كضيفة شرف هذا العام «يمثل خطوة جادة نحو التخاطب مع ثقافة شمال أوروبا»، وخصوصاً مع مشاركة الأميرة ميته ماريت قرينة ولي عهد النرويج في المعرض برفقة وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي. وتأمل السفيرة النرويجية بترجمة أعمال يون فوسه (الأخبار 6/10/2023) الحائز «جائزة نوبل» إلى اللغة العربية، كما قالت في مؤتمر الإعلان عن تفاصيل معرض الكتاب، فيما يُخصص يوم كامل في المعرض لتناول أعمال فوسه ومؤلفاته وأشعاره.

تأثيرات محرقة غزّة
أول ما تأثر به معرض هذا العام هو الحرب على غزة، فالقطاع وما يحدث فيه شكّل أولوية للناشرين والكتّاب المصريين منذ السابع من أكتوبر. خُصِّصت فعاليات كثيرة في الأيام الماضية عن الحرب، وسط تضامن مصري شعبي مع الفلسطينيين. ويعمل بعض دور النشر على المشاركة في التضامن مع الشعب الفلسطيني، إذ توزع «دار مرح» المختصة في أدب الطفل روزنامة تقويم للعام الجديد عليها شعارات فلسطين «علشان نفضل فاكرين كل يوم وكل شهر» وفقاً لما أوردت الدار. ودعت الجميع إلى طباعة الروزنامة وتوزيعها مجاناً في المعرض. كما تطبع دور أخرى كتباً تناولت القضية الفلسطينية من قبل، وإن يُسجَّل غياب فعاليات معلنة- حتى لحظة كتابة هذه السطور- عن فلسطين بشكل محدّد.
في هذا الإطار لم تردّ وزارة الثقافة أو وزيرتها على موضوع جعل شركة «كوكا كولا» الداعمة للعدو الإسرائيلي، راعيةً لدورة هذا العام. وقد تصاعدت حملات لمقاطعة الشركة مثل حملة «أصدقاء الأقصى» التي طالبت المطاعم والمحال بمقاطعة الشركة الراعية التي تمتلك مصنعاً في مستوطنة «عطروت» الإسرائيلية، بمعنى أنه بني على أرض فلسطينية مغتصبة. وإذا كان شرب هذه المياه الغازية يعتبر مساعدةً من الأشخاص لإسرائيل، فماذا عن وزارة حكومية مصرية؟!

الأزمة الاقتصادية
رغم أن دور النشر استبقت بدء المعرض مع الإعلان عن نسب خصم تراوح بين 20 و50 في المئة، إلا أن دورة هذا العام تأتي وسط نسب تضخّم سجلت 35.2 في المئة في نهاية 2023، وارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، ما أثّر، بطبيعة الحال، في أسعار ورق الطباعة، وبالتالي أسعار الكتب نفسها. هذا ما يجعل الناشرين يتخوفون من دورة هذا العام. يرى مدير «دار المصري للنشر والتوزيع» يوسف ناصف أنّ الحالة الاقتصادية التي تشهدها مصر، ستؤثر بالطبع على حركة شراء الكتب ونسبة المبيعات، لكنّ «زبون الكتاب في مصر، ومن يقرؤون الكتب مستمرون في الشراء، لكن مع خفض ميزانيتهم». وأشار إلى أنّه في دورة العام الماضي، كانت هناك توقعات من الناشرين بانخفاض المبيعات بنسبة 50 في المئة، لكن ما حدث أنها انخفضت لدى معظم الناشرين إلى 10 في المئة فقط، وخابت توقعات عزوف القراء عن الشراء بسبب الأزمة الاقتصادية. وستكون أسعار معظم الإصدارات هذا العام أغلى من الأعوام الماضية، تأثراً بأزمة نقص الدولار وصعوبة الاستيراد عموماً في مصر.

من دورات سابقة

لكنّ ناصف يقول إن معظم الناشرين سيحاولون جذب القراء عبر تخفيضات كبيرة، وخصوصاً على الإصدارات المطبوعة من قبل، إذ لم تتأثر بأسعار الدولار الجديدة في مصر (وصلت إلى 62 جنيهاً في السوق السوداء). ويوضح أنّ الأحداث في غزة قد تؤثر في المعرض، لكن ليس على حركة البيع والشراء، بل اعتبر أن القراء سيهتمون بشراء كتب جديدة عن القضية الفلسطينية، مضيفاً أنه يقدم مثلاً كتاباً كاريكاتورياً بعنوان «يونس والحلم» للأطفال من كتابة ورسومات إسلام أحمد، وهو يحكي عن طفل يتمنى تحرير أرض فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. كما يعيد إصدار طبعة جديدة من كتاب محمد هشام عبية «بدون تأشيرة.. 120 ساعة في فلسطين المحتلة». وتحدثنا مع مصدر في دور النشر المصرية، لسؤاله عن توقعاته لدورة هذا العام ومدى تأثرها بالظروف المحيطة، فقال إن معظم الخامات المستخدمة في الطباعة متأثرة بسعر الدولار لأنّها استوردت من الخارج، كالأوراق والحبر، وبالتالي أثر هذا الأمر كثيراً في أسعار الكتب. وتابع أنّ آثار الأزمة الاقتصادية جليّة على المعرض إلى حد كبير، إضافة إلى الحرب على غزة، فالأولى تؤثر في الأسعار وكمّ الكتب الذي يمكن أن يشتريه القارئ، إذ أصبح عليه أن يزيد ميزانيته ثلاث مرات إذا أراد شراء الكمّ نفسه الذي اشتراه العام الماضي، والثانية تجعل القارئ مهتمّاً أكثر بالقراءة عن القضية والحديث عنها، ما يؤدي بالتالي إلى رواج روايات أو كتب هامة تحدثت عن فلسطين. وأشار المصدر إلى تخوف دور النشر من تأثير التطبيقات الإلكترونية على حركة البيع في المعرض. عبر الاشتراك في تطبيق واحد، يمكن للقارئ أن يطّلع على مئات الكتب التي لو فكّر في شرائها، سينفق آلافاً من الجنيهات، وخصوصاً أنّ المنافسة في البيع صعبة مع مشاركة 1200 دار نشر في الدورة الحالية.

وزارة الثقافة... مالها وما عليها
وفي وقت أصبحت فيه معارض الكتب تستضيف أسماء بارزة من كتاب وفنانين ومدونين و«أنفلونسرز»، تغيب هذه الظاهرة عن «معرض القاهرة»، فأي شخص يمكن أن يجتمع حوله الناس في المعرض، سيكون وجوده غير محبّب لدى السلطات القائمة على المعرض، التي أنهت تماماً هذه الأحداث والتجمعات الثقافية خوفاً من تحوّلها إلى منتدى سياسي، بعدما كان معرض القاهرة أحد أهم المواسم الثقافية التي يحضرها مشاهير الأدب والفن. ويستضيف المعرض أسماء مثل الروائي العماني زهران القاسمي الحاصل على «بوكر» في دورتها الأخيرة عن روايته «تغريبة القافر»، والكويتي سعود السنعوسي الحاصل على «بوكر» عام 2013 عن روايته «ساق البامبو».
كان يُنظر إليه بصفته رأس حربة في تجديد الخطاب الديني ومحاربة الإرهاب وغيرهما من القضايا المهمّة

وللمرة الأولى في 2024، ستقام مؤتمرات «اليوم الواحد» في المعرض تشارك فيها مؤسسات مصرية رسمية مثل وزارتي الأوقاف والثقافة. ولم تنس وزارة الثقافة ـــ طبعاً ــــ «رؤية مصر 2030»، فأقحمتها في المعرض باعتبار أن الوزارة تركّز على التحول الرقمي، في حين أن أروقة الوزارة لا تتعامل رقمياً حتى الآن، ولا يزال التقديم حتى على جوائز الدولة يجرى بطريقة يدوية تماماً. لكنّ الوزارة اعتبرت أن دفع دور النشر مستحقاتها للحكومة بماكينات الدفع الإلكتروني «تحوّل رقمي» يُشار إليه بالإنجاز. ويأتي تصميم شعار معرض الكتاب هذا العام مرتبطاً بمصر القديمة، إذ تظهر شخصية المعرض رائد علم الآثار المصري سليم حسن (1893- 1961)، وأيضاً يعقوب الشاروني، رائد أدب الأطفال الذي انطفأ العام الماضي، كما يُشير التصميم إلى مملكة النرويج، ضيف الشرف هذا العام. كل هذا على خلفية تشبه البرديات، وقد صمّمه الأكاديمي أشرف رضا.

أهم الإصدارات
معرض الكتاب من أهم معارض الشرق الأوسط، يزوره نحو مليوني شخص كل دورة، وقد بدأ للمرة الأولى في عام 1969 على يد وزير الثقافة ثروت عكاشة. يعتبر فرصة لإصدار الكتب والعناوين الجديدة، وتحفل دورة هذا العام بعدد من الروايات والكتب المهمة، منها رواية «مرحلة النوم» لمحمد خير، وكتاب «عن الكتابة» لعادل عصمت، وترجمة لـ«الخروج من مصر» لأحمد شافعي عن الكاتب آندريه إيسما الصادرة كلّها عن «دار الكتب خان». وتزخر «دار الشروق» بعدد من الكتب المنشورة سابقاً، لكن تصدر منها طبعات جديدة في دورة هذا العام عن القضية الفلسطينية ومنها رواية «الطنطورية» للراحلة رضوى عاشور، ومذكرات نبيل شعث «حياتي.. من النكبة إلى الثورة»، وموسوعة عبد الوهاب المسيري (1938 ـــ 2008)، أحد أهم من كتبوا عن الصهيونية في سبعة مجلّدات، إلى جانب إصدارات الدار الجديدة من بينها «أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها» للروائي طارق إمام، ومختارات شعرية لنوري الجراح بعنوان «ألواح أرفيوس».

تجاهلت وزارة الثقافة الضجّة التي أثارها جعل «كوكا كولا» الداعمة للعدو، راعية الدورة الحالية


وتصدر «دار المرايا» مذكرات محمد عبد الوهاب، من تقديم وتحقيق محمد دياب. يجمع الكتاب بين دفتيه مذكرات «موسيقار الأجيال» التي نُشرت في مجلتي «الاثنين» و«الكواكب» المصريتين بين عامَي 1938 و1954. كما تُصدر كتاباً بعنوان «في محبة فيلم لعبة الست» للروائي والكاتب المصري حجاج أدول. كذلك، تُصدر «دار ريشة» كتابها الأول من سلسلة «المجددون» للمؤلّف إيهاب الملاح. كتاب يتتبع فيه سيرة شيخ الإسلام حسن بن محمد العطَّار المصري، الذي تولى مشيخة الأزهر عام 1830، وربطته علاقة مهمة بالحملة الفرنسية التي احتلت مصر لثلاث سنوات. ومن «الدار المصرية اللبنانية»، تأتي مجموعة «تاجر الحكايات» للكاتب والروائي حسن عبد الموجود الذي دأب على كتابات مغايرة، فيقول عن المجموعة إنها أقاصيص لا تزيد عن 100 كلمة، أراد فيها أن «يجرّب الجري في مضمار «المئة كلمة بعدما كنت قصصه السابقة بمنزلة العدو في ماراثون للمسافات البعيدة»!
يأمل كثيرون في أن يتفادى المعرض الحالي مشكلات الدورة الـ54، وخصوصاً بالنسبة إلى الزوّار. لدى الدخول، كان يُطلب منهم أرقام بطاقات الرقم القومي وأرقام الهواتف من أجل شراء تذاكر الدخول، بعد مواجهة بعضهم صعوبات عند حجز التذاكر عبر الإنترنت. وتستمر الدورة الحالية حتى السادس من شباط (فبراير) المقبل في «القاهرة الجديدة ـ التجمع الخامس». وقبل المعرض بأيام، بدأت تظهر دعوات على السوشال ميديا للعودة إلى شراء الكتب بالتشارك بين الأصدقاء، إذ يشتري كل شخص مجموعة من الكتب ويتبادلها مع آخرين، من دون أن يتكلف عناء شراء كل الكتب التي يريد قراءتها في محاولة للتأقلم مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة.

* الدورة 55 من «معرض القاهرة الدولي للكتاب»: حتى السادس من شباط (فبراير) 2024 ــــ «القاهرة الجديدة»، التجمع الخامس ـــــ cairobookfair.gebo.gov.eg